الخرطوم – نيوز عربي
بعد مرور عامين على اندلاع الحرب في السودان، بدأت ملامح الخسائر الجسيمة في الظهور، خاصة مع انحسار المعارك تدريجيًا عن العاصمة الخرطوم ومناطق وسط البلاد. وبينما تعود الحياة تدريجيًا إلى بعض المدن، يجد ملايين السودانيين أنفسهم أمام واقع جديد يُجبرهم على البدء من نقطة الصفر، بعد فقدان ممتلكاتهم ومدخراتهم ومصادر دخلهم.
في ظل استمرار ارتفاع معدلات الفقر والإفلاس، تتزايد التحديات اليومية أمام المواطنين. ووفقًا لتقديرات الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق، إبراهيم البدوي، تسببت الحرب في تدمير ما يقارب 20% من الرصيد الرأسمالي للاقتصاد السوداني، الذي يُقدّر بنحو 600 مليار دولار، إضافة إلى تآكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي الذي يبلغ متوسطه السنوي نحو 33 مليار دولار.
وأشار البدوي -خلال مشاركته في ندوة إلكترونية- إلى أن الخرطوم، بوصفها المركز الاقتصادي الأهم في السودان والتي تمثل نحو ربع اقتصاد البلاد، كانت من أكثر المناطق تضررًا، إلى جانب مدن كبرى مثل نيالا والفاشر في دارفور، وود مدني بولاية الجزيرة، وهي مناطق تشكّل محاور رئيسية للإنتاج الزراعي والصناعي.
دمار كبير في البنية التحتية
وكان قطاع البنية التحتية من أكثر القطاعات المتضررة، حيث تعاني أكثر من 60% من مناطق السودان من انقطاعات حادة في الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى انهيار خدمات الاتصالات، نتيجة لتدمير شبكات ومنشآت حيوية خلال المعارك المستمرة منذ عامين.
ويرى محللون أن استعادة الاقتصاد السوداني لعافيته تتطلب جهودًا استثنائية ودعمًا دوليًا كبيرًا، بالإضافة إلى خارطة طريق واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار.

كما تضررت البنية الصناعية بصورة جسيمة، إذ تشير بيانات اتحاد أصحاب العمل السوداني إلى أن البلاد فقدت نحو 80% من وحداتها الإنتاجية، حيث تضرر أكثر من 600 مصنع بشكل كلي أو جزئي، من بينها 400 مصنع في الخرطوم وحدها.
نزيف العملة وتضخم غير مسبوق
تدهورت قيمة العملة المحلية بشكل غير مسبوق، إذ يُتداول الدولار الأميركي حاليا بحوالي 2700 جنيه سوداني، مقارنة بـ600 جنيه فقط قبل اندلاع الحرب.
وفي دراسة حديثة، قدّر الخبير الاقتصادي عادل عبد العزيز إجمالي خسائر القطاعات الاقتصادية خلال عامين من الحرب بنحو 108.8 مليارات دولار، موضحا أن الخسائر غير المباشرة الناجمة عن توقف دورة المال قد تكون أكبر بكثير من هذا الرقم.
وتوضح الدراسة أن قطاع الطيران والمطارات تكبّد خسائر تقدر بـ3 مليارات دولار، بينما خسر قطاع البنية التحتية العامة، بما في ذلك الوزارات، الجامعات، المتاحف، وطرق الولايات، قرابة 10 مليارات دولار.
وتُقدّر الخسائر في قطاع الكهرباء والمياه والطاقة بـ10 مليارات دولار، وفي القطاع التجاري والسياحة والفنادق بـ15 مليار دولار، في حين بلغت خسائر القطاع الزراعي وحده 10 مليارات دولار.
إفلاس وفقر جماعي
لم تكن الخسائر حكومية أو مؤسساتية فقط، بل طالت المواطنين أنفسهم. فقد تعرض نحو 10 آلاف منزل في ولاية الخرطوم للنهب الكامل، بما في ذلك الخزائن الخاصة، وفقا لعادل عبد العزيز.
كما استولت قوات الدعم السريع المتمردة على نحو 30 ألف مركبة خاصة، وتُقدّر الخسائر المباشرة للمواطنين بـ10 مليارات دولار.

وتشير الباحثة الاجتماعية سلمى الأمين إلى أن الحرب رفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 65%، وأثرت سلبا على رجال الأعمال، حيث أُجبر بعضهم على إعلان الإفلاس ومغادرة البلاد.
وتوضح الأمين في حديثها أن أغلب الأسر السودانية كانت تعتمد على تحويلات المغتربين قبل الحرب، لكن هذه التحويلات تحوّلت اليوم إلى تغطية شاملة للمعيشة بعدما فقدت الأسر المحلية مصادر دخلها.
نحو العودة من الصفر
تُقدّر بيانات صندوق النقد الدولي أن أكثر من 3 ملايين سوداني فقدوا وظائفهم خلال الحرب. وبحسب الباحثة الاجتماعية الأمين، فإن غالبية المواطنين يبدؤون الآن رحلة العودة للحياة العملية من الصفر، وهو ما يتطلب سياسات مصرفية واجتماعية غير تقليدية لتشجيع الإنتاج وتقليل نسب الفقر والبطالة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي هيثم فتحي أن السودانيين يستحقون التعويض عن الخسائر المادية والبشرية التي لحقت بهم، داعيا إلى استغلال المعونات الدولية والصناديق الصديقة لتعويض المتضررين، مشددا على ضرورة دعم المجتمع الدولي لإنصاف الشعب السوداني.
أموال خارج النظام المصرفي
وفي سياق متصل، يرى الناشط الاجتماعي عبد الله العاقب أن الحرب كشفت عن امتلاك الشعب السوداني لثروات ضخمة خارج النظام المصرفي، إذ إن أكثر من 80% من أموال السودانيين بالعملة المحلية، ونحو 90% من الذهب والعملات الأجنبية، محفوظة خارج الإطار المصرفي الرسمي، ما جعلها عرضة للنهب والفقدان.
ويعتقد العاقب أن أموال السودانيين بالخارج، ولا سيما أموال المغتربين في البنوك الأجنبية، يمكن أن تُشكّل نواة لتحريك الاقتصاد وامتصاص البطالة، شرط توفير بيئة آمنة ومستقرة.