• Home  
  • هكذا يجسّد أطباء وممرضو غزة صور التضحية والإيثار
- صحة - غزة

هكذا يجسّد أطباء وممرضو غزة صور التضحية والإيثار

غزة- في قلب المأساة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة، يبرز الأطباء والممرضون وموظفو وزارة الصحة كخط دفاع أول عن حياة المدنيين، ورغم قلة الإمكانيات الطبية وضغط الظروف الاقتصادية الخانقة وانقطاع الرواتب، لم يتخلوا عن رسالتهم الإنسانية، بل اختاروا البقاء على رأس عملهم، ليجسّدوا أسمى صور التضحية والإيثار. يعملون بجهد كبير وإقدام لا يعرف التراجع، ويقدمون […]

هكذا يجسّد أطباء وممرضو غزة صور التضحية والإيثار

غزة- في قلب المأساة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة، يبرز الأطباء والممرضون وموظفو وزارة الصحة كخط دفاع أول عن حياة المدنيين، ورغم قلة الإمكانيات الطبية وضغط الظروف الاقتصادية الخانقة وانقطاع الرواتب، لم يتخلوا عن رسالتهم الإنسانية، بل اختاروا البقاء على رأس عملهم، ليجسّدوا أسمى صور التضحية والإيثار.

يعملون بجهد كبير وإقدام لا يعرف التراجع، ويقدمون خدماتهم لمرضى وجرحى بأجساد أنهكها التعب وبطون خاوية، لكنهم لم يغادروا أماكن عملهم، وكأن ضميرهم الإنساني أصبح هو الراتب الذي يعوضهم عما فقدوه.

الأطباء والممرضون يواصلون عملهم رغم قلة الرواتب والظروف الاقتصادية الصعبة (نيوز عربي)

رسالة إنسانية ومعادلة صعبة

يعمل موظفو وزارة الصحة بغزة منذ أكثر من نحو عامين في ظل العدوان الإسرائيلي والإبادة المنظمة، وسط استهداف مباشر لهم وللمستشفيات والمراكز الصحية وسيارات الإسعاف.

ويواصل هؤلاء عملهم في ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة، محاولين الموازنة بين واجبهم الإنساني وظروفهم المعيشية القاسية.

يقول المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح خليل الدقران إنه “رغم صعوبة الحصول على رواتبنا التي لا نتلقى منها سوى أجزاء قليلة كل 50 يوما أو أكثر، وغياب الدعم المالي وضيق الموارد، نواصل أداء رسالتنا مدفوعين بإحساسنا بالمسؤولية تجاه أهلنا ومرضانا”.

ويستدرك في حديثه للجزيرة نت “لا ننكر أن الضغوط الاقتصادية تترك أثرا كبيرا على حياتنا اليومية وأسرنا، وتجعلنا نعيش معادلة صعبة بين خدمة الناس وتلبية أبسط احتياجاتنا.”

وأضاف “لم نتلقَ خلال الحرب سوى 9% من رواتبنا، وهي نسبة لا تكفي لمواجهة الظروف المعيشية القاسية. ومع ذلك، ما زلنا نقدم خدماتنا الصحية للمرضى والجرحى. لقد مرت علينا أيام لم نستطع فيها الحصول على وجبة طعام أو رغيف خبز، في ظل سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل ضد كل مكونات الشعب الفلسطيني”.

ودعا الدقران المنظمات الدولية والنقابات الصحية إلى الإسراع في دعم القطاع الصحي بغزة، كي يتمكن من الاستمرار في تقديم خدماته، خصوصا أن الأجور شحيحة وغير منتظمة.

حماية غائبة وأجر مفقود

ولم تسلم المنظومة الصحية من الاستهداف المنظم؛ إذ استُشهد أكثر من 1800 من الكوادر الطبية وأُصيب ما يزيد على 3500، في حين لا يزال نحو 360 آخرين يقبعون في السجون الإسرائيلية بعد اعتقالهم أثناء أداء مهامهم داخل المستشفيات والمراكز الصحية.

وتكْفل القوانين الدولية -وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف وبروتوكولات الأمم المتحدة وقوانين منظمة العمل الدولية– الحماية الخاصة للكوادر الطبية في أوقات النزاعات المسلحة، من خلال ضمان حرية أداء مهامهم في ظروف آمنة، وحمايتهم من الاعتداء، وتوفير الدعم المادي والنفسي والاجتماعي لهم.

ويرى طبيب جراحة العظام ومسؤول لجنة الوفود الطبية في مستشفى شهداء الأقصى محمد شاهين أن ممارسة الطب ليست مجرد وظيفة، بل أمانة أخلاقية ورسالة إنسانية.

وقال للجزيرة نت إن “الضغط النفسي الناتج عن العمل في ظل ظروف اقتصادية خانقة يؤثر بشكل مباشر على الأداء المهني والصحة النفسية، ويهدد التوازن النفسي للطبيب. وهذا يستدعي دعما مؤسسيا ونفسيا للحفاظ على كفاءة الكادر الطبي”.

وأضاف “نحن موظفي الكادر الصحي والطبي في غزة نتلقى جزءا من رواتبنا لا يتجاوز 350-400 دولار كل 60 يوما. هذا الوضع يضطرنا للعمل في مؤسسات ومستشفيات خاصة لتأمين احتياجات أسرنا، مما يستنزفنا جسديا وذهنيا، ويشتت تركيزنا، فضلا عن الخوف من الاستهداف والغياب الطويل عن بيوتنا وأسرنا”.

ممرضة خلال عملية سحب عينة الدم من المريض لفحصها (نيوز عربي)
ممرضة خلال عملية سحب عينة دم من أحد المرضى لفحصها (نيوز عربي)

ضغط نفسي واقتصادي مزدوج

بدوره، اعتبر الممرض محمد ريان أن مهنة التمريض ليست مجرد وظيفة، بل أمانة ورسالة أخلاقية وإنسانية عميقة.

وقال للجزيرة نت إن “عملي كممرض في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة يضعني أمام ضغط نفسي مزدوج؛ فمن جهة يجب أن أقدّم أفضل رعاية ممكنة للمرضى، ومن جهة أخرى أعيش هموم الحياة المعيشية وارتفاع الأسعار، مع انقطاع الرواتب أو تأخرها”.

وتابع أن “هذا الضغط أحيانا يؤثر على أدائي المهني ويجعلني أقل تركيزا و أكثر إرهاقا، لكنني أستحضر دائما أمانة المهنة لأوازن بين ضغوطي الشخصية وواجبي تجاه المرضى”.

وأضاف “أحيانا نشعر أننا ممزقون بين رسالتنا المهنية التي نؤمن بها بصدق، وبين واقع اقتصادي مرير وحياتي ضاغط. ومع ذلك، يواصل الكثير منا العمل بإخلاص مدفوعا بالشعور بالمسؤولية الإنسانية، حتى وإن كان الثمن المزيد من التضحية الشخصية. إنها معادلة صعبة، لكننا نتمسك بالأمل في واقع أفضل”.

وأوضح أن غياب الدخل يضع الممرضين أمام معادلة قاسية فعلا، فمن جهة لديهم واجب إنساني وأخلاقي تجاه المرضى الذين يحتاجون إلى الرعاية، ومن جهة أخرى لديهم أسر لها احتياجات أساسية لا يمكن تجاهلها.

ويبلغ عدد موظفي قطاع الصحة في غزة 11 ألفا و165موظفا وموظفة يعملون في المستشفيات والمراكز والمرافق الصحية والإسعاف وخدمات الصحة المجتمعية، ويؤدون عملهم في ظروف استثنائية وصعبة للغاية، داخل بيئة خطيرة.

ويناشدون الجهات المعنية تحمّل المسؤولية لضمان حقهم في العيش بكرامة واستمرار عملهم دون مخاطر، من خلال رفع القيود الظالمة بأشكالها المختلفة، ودعم الرواتب، وتأمين حياة كريمة لهم عبر عملية تمويلية مستدامة خاصة بهم.

استنزاف خطير وتهديد مباشر

وبحسب مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إسماعيل الثوابتة، فإن موظفي القطاع الصحي تسلموا منذ بداية الحرب حتى الآن 15 دفعة مالية بقيمة إجمالية بلغت 13 ألفا و600 شيكل (الدولار يساوي 3.45 شواكل) لكل موظف، بمتوسط 906 شواكل لكل دفعة مالية.

وعلى مدار 23 شهرا من حرب الإبادة الجماعية، كان من المفترض أن يتلقى الموظف 23 دفعة، مما يعني أن 8 دفعات مالية لم تُصرف لهم.

واعتبر الثوابتة أن استمرار تجاهل المنظومة الصحية وانقطاع الرواتب، ومنع دخول الأدوية والوقود، واستهداف المرافق، يضع الكادر الطبي الذي يواصل العمل بإخلاص في أصعب الظروف تحت تهديد مباشر قد ينهي الخدمات الصحية تماما.

وطالب المجتمع الدولي والجهات المختصة والمانحة بحزمة دعم مالي طارئة، وصرف رواتب كاملة ومنتظمة لهم، لضمان استمرار الحق الأساسي في الصحة والكرامة لكل مواطن ومواطنة في قطاع غزة.

وقال للجزيرة نت إن هذا العجز في المدفوعات يُضعف قدرة الكوادر الصحية على الصمود ماديا واجتماعيا، ويزيد من هجرة الكفاءات واستنزاف النظام الصحي، فيما لا تغطي الدفعات المصروفة سوى جزء ضئيل من الرواتب الفعلية، وهذا يعرّض الطواقم وأسرهم لمخاطر جسيمة ويجعل عملهم استثنائيا دون أجر عادل.

وأضاف أن الحكومة الفلسطينية في غزة تتحمل مسؤولية مباشرة وأخلاقية وقانونية تجاه جميع موظفيها، بما فيهم الكوادر الصحية، لكنها تعمل في بيئة مليئة بالتحديات الكبيرة جدا، تفوق قدرتها على الاستقرار والاستمرار، وتعيق قدرتها على صرف الرواتب بشكل كامل وفي الوقت المحدد.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من نحن

“نحن في موقع نيوز عربي نولي اهتمامًا كبيرًا بتجربة المستخدم، حيث يتم تحسين المحتوى والعروض الترويجية بناءً على تحليلات دقيقة لاحتياجات الزوار، مما يسهم في تقديم تجربة تصفح سلسة ومخصصة.”

البريد الالكتروني: [email protected]

رقم الهاتف: +5-784-8894-678