دعوني أطرح في مقدمة المقال السؤال الذي كنت أنوي تركه للنهاية: ما الذي يمكن أن تفعله إسرائيل أكثر من ذلك لتقول: “سأهاجمكم جميعا يوما ما”؟
إن ضرب مكان تُعقد فيه مفاوضات السلام في دولة كقطر- المعروفة عالميا بوساطتها، وسعيها لحل النزاعات، وحيادها، وبعدها عن العدوانية- هو فعل يستدعي إعلان حالة استنفار قصوى في كل الدول الإسلامية.
فالمسألة لا تقتصر على الدول المجاورة لإسرائيل فقط؛ بل حتى الدول البعيدة عنها بآلاف الكيلومترات باتت هدفا، وسيأتي يوم تتعرض فيه أيضا للهجوم. ولا يحتاج الأمر إلى أجهزة استخبارات عظمى أو تحليلات إستراتيجية عميقة لفهم هذه الحقيقة، أليس كذلك؟
هل يكفي إدانة الاعتداءات أم هناك حاجة لإجراءات؟
حتى الآن، نفّذت إسرائيل عمليات مسلحة في غزة، ولبنان، وسوريا، والعراق، وإيران، واليمن، وقطر، وتونس. أي أنها استهدفت ثماني دول.. ولم يتحرك أحد.
أحد المسؤولين الذين حضروا الاجتماع قال: “على الأقل، هذه المرة، زاد الشعور بأن الوضع خطير، وبأن الدول الإسلامية باتت مُلزمة بالتحرك. ونأمل أن تتحوّل هذه المشاعر في وقت لاحق إلى خطوات ملموسة وأفعال”.
ربما هذا هو عزاؤنا الوحيد: الأمل.
عندما أخبرته بعنوان هذا المقال وقلت له: “ماذا عساها إسرائيل أن تفعل أكثر كي تتّحد الدول الإسلامية وتتخذ خطوات فعلية؟”، لم ينبس بكلمة.
ربما ستُتخذ الخطوات “الملموسة” فقط بعد أن تضرب إسرائيل كل دولة عضو على حدة!
الشارع يغلي.. والدول صامتة
الناس في الشوارع غاضبون من المجازر في غزة، ومع قصف قطر ازدادت التطلعات إلى تحرّك جاد من الدول.
أحد الصحفيين المشاركين في “أسطول الصمود” من إيطاليا، قال: “الشعب الإيطالي غاضب بشدة من إسرائيل، وعندما يعرف الناس أننا سنركب السفينة، يحتضنوننا في الشوارع”.
ناشطة أخرى من إسبانيا ضمن الأسطول قالت: “إسبانيا تُبقي على قضية فلسطين حيّة أكثر من كثير من الدول الإسلامية. من رئيس الوزراء إلى المواطن العادي، الكل أصبح مناصرا لفلسطين وغاضبا من إسرائيل”.
وما تقوله إسبانيا وإيطاليا يقوله المئات من المتطوعين من عشرات الدول الأخرى. حتى غير المسلمين يضعون أرواحهم على أكفهم، وينضمون إلى الأسطول للذهاب إلى غزة.
لكن، لماذا لا تتحرك دولنا بالمستوى نفسه من الاستنفار؟
عجْز الناس عن إيجاد إجابة لهذا السؤال المدوّي هو ما يدفعهم لتقديم أرواحهم، عبر أعمال مدنية تضامنية بهذه الخطورة.
تحية صمود من شواطئ المتوسط
في مدينة مرسين التركية الواقعة على سواحل البحر الأبيض المتوسط، اجتمع الناس معا. وبينما يمر أسطول الصمود من المياه التركية، سيقومون بالصعود على قوارب في الميناء، والإبحار بشكل رمزي لتحية الأسطول.
معلمة تقود التنظيم قالت لي: “عدم فعل شيء لغزة يُفقدني النوم، على الأقل لنسلّم على هؤلاء الشجعان في الأسطول”.
هناك ملايين ممن فقدوا القدرة على النوم.
وفي مكان يُقتل فيه الأطفال جوعا، من يجب مساءلته حقا، هو من يستطيع النوم دون قلق.
رايات فلسطين ترفرف في كل العالم
لم يشهد العالم حدثا انتشر بين الشعوب بهذا الشكل من قبل.
من أستراليا إلى بريطانيا، ومن فنلندا إلى جنوب أفريقيا، في مئات البلدان، ملايين الناس من مختلف الجنسيات يرفعون علم فلسطين.
لم تحظَ القضية الفلسطينية، خلال قرن من الزمان، بهذا القدر من التضامن العالمي. ولم يشهد التاريخ نضالا من أجل الحرية حظي بهذا الدعم العابر للقارات.
هناك قضية يتّحد حولها المسلمون، والمسيحيون، واليهود غير الصهاينة، والهندوس، والبوذيون، والملحدون، جميعهم ينضمون إليها من أعماق قلوبهم.
فلم تعد المسألة مسألة “حماس” أو “فلسطين” أو “مسألة إسلامية” فقط، بل أصبحت فلسطين رمزا في معركة بين الظالمين والمظلومين، بين قتلة الأطفال والبراءة، بين الجناة والضحايا.
ولذلك، حتى غير المسلمين يعرّضون أنفسهم للخطر من أجلها.
السؤال القاتل
في ظل هذه الأجواء، يطالب الجميع قادة الدول الإسلامية بخطوات ملموسة وقوية.
فقتْل أكثر من 65 ألف مدني، وموت الأطفال جوعا، وتشريد شعب بأكمله، لم يكن كافيا لاتخاذ خطوة واحدة ضد إسرائيل.
إذًا، حتى بعد استهداف ثماني دول، بل وحتى ضرب قطر، معقل الحوار والسلام، أليس كل ذلك كافيا لإعلان حالة الطوارئ القصوى؟
دعوني أكرّر في الختام السؤال الذي طرحته في البداية، والذي يردده كل إنسان في الشارع:
ما الذي يمكن أن تفعله إسرائيل أكثر لتقول: “سأهاجمكم جميعا يوما ما”؟ وأنتم، في المقابل، ما الذي تنتظرونه لاتخاذ خطوات فعلية؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة نيوز عربي.