فقد كرر ترامب أكثر من مرة قرب التوصل لاتفاق دون التوصل لشيء سوى استمرار الحرب التي دخلت مراحل مدمرة بينما هو لا يتحدث إلا عن الأسرى الإسرائيليين ويرفض الحديث عن أي شيء آخر.
وحتى الحديث عن تقديم مقترح لم يعد ذا قيمة لأنه لا يتجاوز خانة الاستهلاك السياسي أو أنه مجرد محاولة للهروب من أسئلة الصحفيين الذين لا يتوقفون عن طرح الأسئلة، كما يقول أستاذ النزاعات الدولية بمعهد الدوحة للدراسات العليا إبراهيم فريحات.
في الوقت نفسه، واصل الإسرائيليون احتجاجهم الأسبوعي للمطالبة بوقف الحرب واستعادة الأسرى، وهو الاحتجاج الذي لا يؤثر في موقف حكومة نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية.
موقف ترامب غير مفهوم
فالشخص الوحيد الذي يمكنه إلزام نتنياهو بوقف الحرب حاليا هو ترامب الذي قال فريحات خلال مشاركته في برنامج “مسار الأحداث”، إن موقفه “غير مفهوم ولا يمكن إخضاعه للمقاييس السياسية، لأنه يتنمر على العالم كله ثم يختلف تماما عندما يتعلق الأمر بنتنياهو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.
وحاليا، لا يمكن لأحد توقع ما الذي سيفعله ترامب، كما يقول المتحدث، لأنه خالف القواعد السياسية في كل شيء رغم الضغوط الدولية الكبيرة التي تتعرض لها الولايات المتحدة حتى من بريطانيا التي لم تختلف مع أميركا يوما.
فترامب “يعيش في عالم يخصه وحده ولا يتحدث إلا عن السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 والأسرى الإسرائيليين، ويرفض الحديث عن الإبادة التي تحدُث في غزة، بطريقة تعزز الالتباس الذي يسيطر على طبيعة علاقته بنتنياهو، والتي تبدو مبنية على أمر لا يعرفه أحد، كما هي حاله مع بوتين”، حسب فريحات.
أما الاحتجاجات الداخلية وحياة الأسرى، فلا قيمة لها بالنسبة للحكومة، لأنها لا تجد التفافا داخليا بسبب جنوح الشارع والمعارضة الإسرائيلية إلى اليمين بشكل كبير، برأي فريحات.
ولا يختلف الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى، مع الرأي السابق، بقوله إن الاحتجاج الشعبي داخل إسرائيل “غير مؤلم من الناحية الاقتصادية لأنه يظل أسبوعيا وليس مستمرا، فضلا عن نجاح نتنياهو في تشويهه وتصويره على أنه يستهدف إسقاطه لأسباب سياسية”.
كما أن الفجوة بين دعم هذه الاحتجاجات والمشاركة فيها “يجعلها أقل إيلاما، خصوصا وأنها لا تشل حركة القطاعات الاقتصادية التي تهم الحكومة”، وفق مصطفى، الذي يرى أن التعويل الداخلي على ترامب قد انتهى، بل ووصل الأمر إلى حد “الغضب والتقزز من حديثه ودعمه لمواصلة الحرب”.
فالقضية الأساسية حاليا في إسرائيل، برأي مصطفى، تتعلق بـ”مستقبل الدولة الإستراتيجي والهوياتي، وبموضوع خدمة الحريديم في الجيش والتي تحولت لقضية حياة أو موت بعد أن كانت قضية اقتصادية قبل الحرب، لأن هناك تخوفات من أن يؤجل نتنياهو الانتخابات بسبب حالة الحرب التي يواصل إطالتها”.
ترامب يتعامل كتاجر
ولعل هذا ما دفع المعارضة لتشكيل ائتلاف لإعادة صياغة شكل إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية صهيونية، وهي خطوة يقول مصطفى إنها “تحاول طرح بديل للحكومة الحالية التي تشير كل استطلاعات الرأي إلى أنها ستخسر أي انتخابات مقبلة، وتسعى لحماية المعايير الأساسية للدولة والتي تحاول حكومة نتنياهو القضاء عليها وجعل إسرائيل دولة يهودية دينية وليست سياسية”.
ولا يختلف أستاذ العلوم السياسية طارق حمود، مع مسألة صعوبة التوصل لحل عبر المفاوضات بعدما قصفت إسرائيل المفاوضين على أرض الوسيط، لكنه يعتقد أن الأمر ربما يذهب لنقاش أوسع من غزة بحيث يشمل قضية فلسطين ككل ومستقبل هذا الشعب، ولو على المدى المتوسط.
ويعزو حمود هذا التصور إلى أمور من بينها تزايد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين والسعي للتخلص من قادة المقاومة ومنع الرئيس محمود عباس من المشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ودون هذا التحرك، سيكون من الصعب، برأي حمود، الحديث عن وقف الحرب عبر المفاوضات ما لم يتم رد اعتبار دولة قطر بأي طريقة، لأن نتنياهو “يريد إغلاق كل أبواب النقاش السياسي في إسرائيل ويسعى لحصر الحديث كله في الحرب، حتى لا يجد نفسه أمام أسئلة كبيرة تتطلب منه إجابات”.
وخلص حمود إلى أن المشكلة الرئيسية تظل في الموقف السلبي للولايات المتحدة التي لا تقدم حلولا سياسية ولا ضمانات، لأنها محكومة بعقلية التاجر الذي يرهن حل أي قضية بوجود صفقة وإلا فإنه سيتحول لبحث قضية أخرى.