ورغم أن الهيئة تستند في قراراتها إلى ما تعتبره مخالفات للوائح وقواعد البث الإعلامي، فإن منتقديها يرون فيها وسيلة لإسكات الأصوات المعارضة، مما يثير مخاوف جدية حول مدى تأثيرها على حرية التعبير عن الرأي في البلاد.
وتأتي هذه الإجراءات بعد سلسلة من القرارات السابقة التي استهدفت شخصيات سياسية أخرى، مثل المحلل السياسي والإعلامي بشير الحجيمي، والباحث السياسي عماد باجلان، والإعلامي رائد الشرقي، والسياسي ناجح الميزان.
لوائح السلوك الإعلامي
يقول عضو مجلس مفوّضي هيئة الإعلام والاتصالات، هشام الركابي، إن الهيئة مؤسسة مستقلة تعمل على تنظيم قطاعي الإعلام والاتصالات وفقا للقانون، وليس لها أي علاقة بالجوانب السياسية.
وأضاف الركابي، للجزيرة نت، أن قرارات المنع التي صدرت عن الهيئة مؤخرا هي قرارات تنظيمية بحتة، تهدف إلى تنظيم عمل القطاع الإعلامي، وهو من صميم مهام الهيئة، موضحا أنها تسترشد بلوائح السلوك الإعلامي التي تضمن عدم المساس بحقوق الآخرين أو بالمجتمع، وتمنع بث روح العنف والطائفية والكراهية والتحريض.
وأشار الركابي إلى أن لوائح السلوك الإعلامي تحتوي على نصوص قانونية واضحة، تهدف إلى محاسبة المتجاوزين، ومن أبرز هذه المخالفات:
- التحريض على العنف وتشويه سمعة الأشخاص.
- نقل معلومات غير مثبتة ضد شخصيات عامة.
- تداول تصريحات مجهولة المصدر ذات طابع تحريضي.
- التشهير بالأشخاص والإساءة إليهم.
وأكد الركابي أن الهيئة تراجع وتُحاسب على أساس هذه النصوص القانونية، لمنع تكرار مثل هذه الحالات وضمان بيئة إعلامية مهنية ومسؤولة.

استهداف ممنهج
من ناحيته، أكد الباحث في الشأن السياسي بشير غالب الحجيمي أن “حالات منع بعض الشخصيات من الظهور على وسائل الإعلام هي جزء من سياسة ممنهجة تستهدف الأصوات الوطنية التي تكشف فساد الطبقة السياسية”.
وقال الحجيمي للجزيرة نت إن “حالات المنع لا تتعدى كونها استهدافا سياسيا لكل صوت وطني يعارض السياسة الفاسدة، المتهمة حاليا حتى بقتل العراقيين”.
وسبق أن أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات قرارا بمنع الإعلامي بشير الحجيمي من الظهور الإعلامي مرتين، الأولى في 13 أغسطس/آب 2024 لمدة 6 أشهر، والثانية في مارس/آذار من العام الحالي إلى اشعار أخر.
وأضاف الحجيمي “لقد عارضنا هذه السياسات طوال أكثر من 15 عاما، وندعو المجتمع إلى نبذها. إنهم شرعوا الدستور ثم ناقضوا مادته الثامنة التي تنص على حرية الرأي والتعبير، وخير دليل على هذا التناقض هو إقامتهم الدعاوى في القضاء العراقي ضدنا حينما نظهر في الفضائيات، على الرغم من أن القضاء يعتبر ما نقوله جزءا من حرية التعبير ويرد الدعاوى في بعض الأحيان”.
واستطرد قائلا إن “من يمنعنا من الظهور الفضائي يفعل ذلك لأننا نعرّي ما يقومون به، وهذا استهداف سياسي مؤكد لكل صوت حر ووطني”.
وأشار إلى أن “الحكومة زادت من غيّها عبر تسييس هيئات بأكملها -بما فيها هيئة الإعلام والاتصالات- وشن حرب إلكترونية علينا عبر جيوش إلكترونية، والاختراق لصفحاتنا. وهذا جهد حكومي واضح، لكننا سنبقى صامدين وثابتين”، حسب قوله.

ضوابط للتمييز
بدوره، شدد الخبير بالشأن القانوني علي التميمي على الأهمية القصوى لوضع ضوابط صارمة للتمييز بين حرية التعبير عن الرأي والسب والقذف والتشهير بالآخرين أو التعدّي على خصوصياتهم.
وقال التميمي، للجزيرة نت، إن هيئة الإعلام والاتصالات تعمل على تعزيز حرية الإعلام والسلوك الأخلاقي للصحفيين، مشيرا إلى أن عمل الهيئة يستند إلى قواعد السلوك الإعلامي المستمدة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدستور العراقي، وتحديدا المادة 38 التي تضمن حرية التعبير بشرط ألا تتعارض مع النظام العام والقوانين والآداب العامة.
وأشار إلى أن الهيئة تمتلك آليات رقابية -مثل قسم الرصد- لتقييم المحتوى الإعلامي واتخاذ إجراءات لازمة عند وجود مخالفات، وتشمل عقوبات التحذير، والإنذار، وطلب الاعتذار، أو فرض غرامات مالية، وقد تصل إلى تعليق الرخصة أو سحبها نهائيا.
وفي سياق متصل، أوضح التميمي أن قرارات الهيئة يمكن الطعن فيها من خلال مجلس خاص يُعرف بـ”مجلس الطعن”، يتكون من قاض ومختص قانوني وخبير في الاتصالات، وتكون قراراته باتّة ونهائية.
وانتقد التميمي عدم وجود قانون واضح حتى الآن في العراق لجرائم الإنترنت أو حرية التعبير، مما يؤدي إلى خلط كبير بين النقد البنّاء والإساءة، لافتا إلى أن النقد يهدف إلى الإصلاح والتقويم، بينما الانتقاد قد يكون وسيلة للتشهير وتشويه السمعة، وهو ما ينطبق على جرائم السب والقذف التي يعاقب عليها قانون العقوبات العراقي.