وتودي الفيضانات بحياة آلاف الأشخاص سنويا، ورغم أن حصيلة الوفيات المباشرة أقل بكثير من حصيلة أكبر مسببات الأمراض البيئية، كارتفاع درجات الحرارة وتلوث الهواء، فإن العلماء غير متأكدين من حجم العبء الصحي غير المباشر. وقد تكون عواقب الفيضان أشد فتكا من الطوفان نفسه، إذ تتلف المحاصيل وتتشر الأمراض.
وشهدت بلدان عدة أمطارا غزيرة خلال الأسبوعين الأخيرين، خلف بعضها فيضانات عارمة أحدثت دمارا كبيرا وراح ضحيتها المئات، في تكساس بالولايات المتحدة وجنوب أفريقيا ونيجيريا والهند، والصين، وإندونيسيا، وباكستان.
وتُجبر الفيضانات أيضا أعدادا هائلة من الناس على الفرار والإجلاء. ففي عام 2024، شردت المياه السريعة الجريان أكثر من 19 مليون شخص حول العالم في مزيج من عمليات إجلاء احترازي وقرى جرفتها المياه.
وأصبحت الكوارث كالعواصف والفيضانات أقل فتكا في العقود الأخيرة، إذ باتت الدول أكثر قدرة على إدارة المخاطر نسبيا، إلا أن الأضرار التي تُسببها تتفاوت تفاوتا كبيرا، فقد لا يتلقى السكان في بنغلاديش أو في الصومال أو نيجيريا أي تحذيرات قبل أن تجرف الفيضانات المفاجئة قراهم.
وفي المقابل، قد يتم إجلاء آلاف الأشخاص في فلوريدا بالولايات المتحدة أو هولندا أو الدول الغنية إلى بر الأمان، ولكنهم سيفتقرون مع ذلك إلى إمكانية تأمين إعادة بناء منازلهم. وقد أدت فيضانات تكساس إلى وفاة أكثر من 100 شخص، ووجدت السلطات الأميركية صعوبة فعلية في إدارة الأزمة الناجمة عنها.
وعادة ما يكون السكان الذين يعيشون في السهول الفيضية وعلى السواحل، حيث يحصل الجزء الأكبر من النمو السكاني العالمي، معرضون للخطر بشكل خاص، وتكون الخسائر البشرية والاقتصادية أكبر.
ثمن التغير المناخي
أدى حرق الوقود الأحفوري إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب، مما زاد من خطر هطول أمطار غزيرة تؤدي إلى فيضانات عارمة في أوروبا ومعظم آسيا ووسط وشرق أميركا الشمالية وأجزاء من أميركا الجنوبية وأفريقيا وأستراليا.
ومن القواعد الفيزيائية الراسخة أن الهواء الدافئ قادر على الاحتفاظ برطوبة أكبر -حوالي 7% لكل درجة مئوية واحدة- إلا أن ذلك يعتمد على كمية المياه المتاحة، فعندما تهطل أمطار غزيرة يمكن للسحب أن تطلق كميات أكبر بكثير من المياه.
ولعلّ من المدهش أن نقص المياه قد يُفاقم الفيضانات، إذ يُجفف الأرض، فالتربة الصلبة المُتكتلة لا تمتص الماء، فتسيل وتتجمع في المناطق المنخفضة، مما يسمح بارتفاع منسوب المياه بوتيرة أسرع بكثير. وتتأثر الفيضانات أيضًا بالعوامل البشرية مثل وجود دفاعات ضد الفيضانات واستخدام الأراضي.
يُفاقم تغير المناخ الفيضانات الساحلية برفعه مستوى سطح البحر، وقد بلغ هذا التأثير حدا كبيرا لدرجة أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وجدت أن المد العالي، الذي كان يحدث مرة كل قرن، سيضرب معظم سواحل العالم كل عام بحلول عام 2100.
وستحدث هذه الزيادة الهائلة حتى في ظل السيناريوهات المتفائلة للحد من التلوث، وستحدث في العديد من المدن الساحلية بحلول منتصف القرن.

كيف يمكن التكيف مع الفيضانات؟
تُدمر الفيضانات البنية التحتية كالجسور والطرق والسكك الحديدية، بالإضافة إلى الممتلكات كالمنازل والسيارات، كما يُمكنها تدمير الشركات وتعطيل المكاتب والمدارس والمستشفيات.
فعندما ضربت الفيضانات المفاجئة سلوفينيا عام 2023، تسببت في أضرار تُقدر بنحو 10 مليارات يورو، أي ما يعادل حوالي 16% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وفي الولايات المتحدة، تُقدر خسائر الفيضانات المباشرة في الأصول بما يصل إلى نصف تريليون دولار سنويا.
وأدت الفيضانات الأخيرة التي ألحقت دمارا واسعا في أجزاء من ولاية تكساس الأميركية إلى خسائر اقتصادية تتراوح قيمتها الإجمالية بين 18 و22 مليار دولار.
يشير الخبراء إلى أنه يصعب التعامل مع الفيضانات المدمرة بوجود التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية، وما لم يتم الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، يبقى الحل الراهن في الحد من الخسائر والتكيف مع مخاطر الفيضانات.
فعلى الصعيد العالمي، تحقق أكبر تقدم في إنقاذ الأرواح بفضل أنظمة الإنذار المبكر التي تُنبّه الناس للخطر وتساعدهم على النجاة منه قبل وقوعه. وقد أثبت هذا التقدم فعاليته بشكل خاص في البلدان المتوسطة الدخل، حيث يعيش معظم الناس، مع أن الأمر ما زال صعبا في أفقر مناطق العالم.
كما يمكن لبناء السدود وأحواض الاحتجاز أن يحدّ من أضرار الأمطار الغزيرة. وفي المدن، تستطيع الحدائق والمساحات الخضراء الأخرى امتصاص مياه الأمطار قبل أن تتحول إلى فيضان. وعلى السواحل، يمكن للجدران البحرية أن تمنع دخول المياه.
لكن العلماء يُحذّرون من وجود حدود للتكيف مع ارتفاع حرارة الكوكب وتزايد مخاطر الطقس المتطرف. ويتزايد الحديث عما يعرف بـ”الانسحاب المُنظّم” لإبعاد الناس بشكل دائم عن الخطر.
وقد سلك بعض المجتمعات حول العالم هذا المسار فعلا، الذي يعني هجر المنازل والمدن المهددة بشكل أكبر، ويشمل في حالة الدول الجزرية الصغيرة التي غمرها البحر، هجر دول بأكملها.