وأدى التدمير الإسرائيلي الممنهج في غزة، الذي شمل مجمل البنية التحتية ومقومات الحياة في القطاع إلى تكون ملايين الأطنان من الأنقاض والمخلفات والنفايات، قد تولد أكثر من 90 ألف طن من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتستغرق إزالتها ومعالجتها ما يصل إلى 4 عقود من الزمن، وفق دراسات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsend of list
ويُعد الشلال المكب المؤقت على ساحل بحر النصيرات غربا، المكان الذي تُرحَّل إليه النفايات منذ بداية الحرب على غزة، وذلك لتعذّر وصول الآليات إلى مكب الفخاري (صوفا) شرق رفح، الذي كان يُستخدم سابقا لترحيل النفايات، حيث يتراكم في المكب ما يزيد على 130 ألف طن من النفايات الصلبة.
ويهدف المشروع، إلى توسيع المكب وإعادة تأهيله وتشكيله بما يضمن نقل جميع النفايات الخارجة عن حدوده إلى داخله، ومعالجة طبقاته عبر الطمر بالطين على مراحل، فضلا عن تجميع عصارة النفايات بطرق آمنة تحد من المخاطر البيئية.
أزمة خطيرة وكارثة بيئية
يعاني قطاع غزة من انتشار المكبات العشوائية وتكدس النفايات بسبب الحرب المستمرة وصعوبة تصريفها ومعالجتها، هذا التكدس يشكّل تهديدا مباشرا للصحة العامة.
كما أن انتشار المكبات العشوائية وتراكم النفايات في الشوارع والمناطق السكنية يفاقم التلوث البيئي ويلوث مصادر المياه والتربة، مما يجعل معالجة هذه المشكلة تحديا إنسانيا وصحيا وبيئيا، ويتطلب تدخلا عاجلا ودعما دوليا.
وأوضح مدير دائرة الصحة والبيئة في بلدية النصيرات -على الهباش- للجزيرة نت أن “فكرة إنشاء المكب المؤقت تولدت نتيجة الحاجة الماسة لإزالة النفايات المتراكمة في المخيم، حيث قامت البلدية باستئجار أرض مساحتها 6 دونمات لتجميع النفايات المرحّلة إليها بشكل بدائي وعشوائي بسبب قلة الإمكانيات، ومع استمرار الحرب وطول مدتها، زادت النفايات بشكل كبير وأصبحت تشكل كارثة بيئية”.
وأضاف الهباش أن “كمية النفايات التي يتم ترحيلها يوميا إلى المكب تشكّل أزمة بيئية خطيرة تضر بالمواطنين والنازحين بجواره، وما ينتج عنها من مخاطر أخرى كانبعاث الروائح الكريهة والأدخنة والغازات المتصاعدة، وتسرب العصارة إلى خيام النازحين، وتكاثر الحشرات والقوارض، بالإضافة إلى خطر انتشار الأمراض، وهوما استدعى تدخل المؤسسات الدولية لإنقاذ الوضع البيئي قبل تدهوره”.

تقليص المخاطر
وقال رئيس قسم المشاريع في بلدية النصيرات -خالد الجديلي- للجزيرة نت إن “المشروع يهدف إلى تحويل مكب الشلال العشوائي إلى مكب صحي لتقليل مخاطره البيئية وزيادة قدرته الاستيعابية حال استمرار الحرب، من خلال إضافة مساحة 5 دونمات (5 كيلومترات مربعة) أخرى لتصبح مساحته الإجمالية 11 دونما بارتفاع 10 أمتار من النفايات، وإنشاء سياج حوله لمنع الدخول إليه”.
وأشار إلى أن التكلفة الإجمالية للمشروع تبلغ 250 ألف دولار، وفترة تشغيلية وتنفيذية تستغرق 120 يوما، تشمل أعمال التطوير تسوية الأرض وطمر النفايات بشكل هندسي، بحيث يتم طمر كل متر نفايات بـ 20 سنتيمترا من الطين حتى ارتفاع 10 طبقات، لمنع تصاعد الغازات والروائح.
كما تشمل إنشاء قنوات لتجميع العصارة والتخلص منها عبر الحفر الامتصاصية (المناهل) المتصلة بقنوات الصرف الصحي، وذلك بالتعاون مع مجلس الخدمات المشترك للنفايات الصلبة.
ويشكو العديد من النازحين قرب المكب من تراكم النفايات داخله بكميات كبيرة وتكاثر الحشرات الضارة وانبعاث الروائح الكريهة، الأمر الذي يهدد صحتهم ويزيد من معاناتهم اليومية، خصوصا في ظل غياب حلول جذرية لإدارة النفايات أو توفير خدمات رش المبيدات وتنظيف الموقع بشكل دوري.
ويطالب الأهالي والنازحون الجهات المعنية بالتدخل العاجل لنقل المكب إلى منطقة بعيدة عن أماكن السكن، أو إيجاد بدائل أكثر أمانا للحفاظ على بيئة صحية لهم ولأطفالهم.

مواصفات بيئية ومراحل متعددة
ستشرف شركة كيان للصناعة والتجارة على تنفيذ مشروع تأهيل المكب ومعالجته وفق المواصفات البيئية الدولية المعتمدة، ويقول مدير مشاريعها -أكرم سلّوت- إن “العملية ستتم عبر عدة مراحل، تعتمد على تجميع النفايات وفرزها للتقليل من المواد الخطرة أو القابلة لإعادة التدوير، وضغط وتسوية النفايات لتقليل الفراغات”.
كما تشمل أيضا تغطية طبقات النفايات (الطمر) بمواد عازلة، وتمديد أنابيب لتصريف العصارة الناتجة عن عملية الطمر، وتوصيلها بمناهل كبيرة تحت الأرض ليتم سحبها عبر آلات الشفط، وضخها في شبكات الصرف الصحي لمعالجتها قبل تصريفها إلى البحر.
وأكد سلوت للجزيرة نت أن “إعادة تأهيل المكب لا تعني مجرد إخفاء النفايات، بل هي عملية هندسية بيئية متكاملة تهدف إلى حماية المياه الجوفية والتربة، وتقليل انبعاث الروائح والغازات الضارة، والمساهمة بشكل كبير في الحد من المخاطر البيئية”.
وتُعد إدارة النفايات الصلبة والطبية والخطرة وتنظيم جمعها ومعالجتها، ووضع معايير لإنشاء وتشغيل مكبات النفايات وتأهيلها، من المحاور الأساسية لقانون البيئة والصحة الذي يهدف إلى ضمان بيئة نظيفة وآمنة، وتقليل المخاطر الصحية المرتبطة بالتلوث، وتعزيز التنمية المستدامة التي تراعي الأبعاد الصحية والاجتماعية.

ظروف استثنائية
ويتم اللجوء إلى المكبات المؤقتة والطارئة العشوائية للنفايات في غزة نتيجة للظروف الاستثنائية التي فرضها العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث أدت الاستهدافات والاجتياحات وتقطيع الطرق وإغلاق المناطق الحدودية الشرقية من قطاع غزة إلى تعطيل مكب الفخاري (صوفا) الرئيسي المركزي المخصص لإدارة النفايات، من خلال منع الوصول إليه”، وهو ما أكده المدير التنفيذي لمجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة طارق الهباش.
ويضيف الهباش أن “البلديات تضطر إلى إنشاء مكبات بديلة طارئة بشكل عشوائي وبعيدة عن التجمعات السكانية، كحل مؤقت لتجميع النفايات ومنع تراكمها داخل الأحياء، رغم ما يسببه ذلك من أزمة بيئية ومخاطر صحية”.
وبخصوص مكب الشلال، الذي يخدم منطقة النصيرات، أكد الهباش أنه تم الحصول على تمويل خاص بتأهيله من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لضمان تحسين بنيته التحتية، وتنظيم عملية الطمر الصحي، والحد من الانبعاثات والروائح الكريهة، وتقليل تسرب العصارة إلى التربة والمياه الجوفية.
كما يتضمن المشروع إنشاء نظام أكثر أمانا لإدارة النفايات الصلبة بما يحافظ على البيئة والصحة العامة ويطيل العمر التشغيلي للمكب، مع التأكيد على إغلاقه بعد الحرب، وترحيل النفايات منه، وإعادة تأهيل تربته ومعالجة أرضه وإزالة التلوث منها، وإجراء عملية تقييم أثر بيئي لها مباشرة بعد وقف الحرب.
ووفقا للقانون الفلسطيني، في حال الاضطرار لاستخدام المكبات العشوائية بسبب الظروف الطارئة أو الكوارث والحروب التي تحول دون الوصول إلى المكبات الرسمية أو تشغيلها، فإن ذلك يجب أن يتم بشكل مؤقت وبإشراف الجهات المختصة.
ويتم ذلك، مع اتخاذ جميع التدابير الوقائية لتقليل الأضرار البيئية والصحية، والقيام بعمليات الردم والرش الدوري، ووضع خطة واضحة لإغلاق هذه المكبات وإعادة تأهيلها فور زوال الأسباب الطارئة.