• Home  
  • سميح القاسم.. الشاعر المؤرخ و”متنبي” فلسطين
- الموسوعة

سميح القاسم.. الشاعر المؤرخ و”متنبي” فلسطين

سميح القاسم شاعر فلسطيني ولد عام 1939 وتوفي عام 2014، جمع في مسيرته بين الصحافة والسياسة والأدب، وارتبط اسمه بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي حتى لقب بـ”شاعر المقاومة”، وأصر على رفض الهجرة من وطنه رغم قسوة العيش تحت الاحتلال منذ عام 1948.ترك إرثا أدبيا تجاوز 70 كتابا ترجم كثير منها إلى لغات عالمية، مما خلد اسمه صوتا […]

سميح القاسم شاعر فلسطيني ولد عام 1939 وتوفي عام 2014، جمع في مسيرته بين الصحافة والسياسة والأدب، وارتبط اسمه بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي حتى لقب بـ”شاعر المقاومة”، وأصر على رفض الهجرة من وطنه رغم قسوة العيش تحت الاحتلال منذ عام 1948.ترك إرثا أدبيا تجاوز 70 كتابا ترجم كثير منها إلى لغات عالمية، مما خلد اسمه صوتا للقضية الفلسطينية في المحافل العربية والعالمية.

المولد والنشأة

ولد سميح القاسم بمدينة الزرقاء الأردنية في 11 مايو/أيار 1939، وتوفي في مدينة صفد بفلسطين المحتلة في 19 أغسطس/آب 2014.

ينحدر من عائلة فلسطينية درزية من بلدة الرامة شمالي فلسطين، والتي عاد واستقر فيها مع عائلته عام 1941.

نشأ في عائلة ميسورة ومتعلمة، فوالده محمد القاسم آل حسين عمل ضابطا في قوة حدود شرق الأردن، أما والدته هناء فياض فكانت تنتمي إلى عائلة منفتحة على الثقافة والعمل الوطني، وله 4 إخوة وأختان.

عاش سميح القاسم تحولات عميقة في البيئة التي كبر بها، فقد ترعرع في طفولته الأولى على وقع أناشيد الحرب ومظاهر الفخر العربي، ثم سرعان ما اصطدم باحتلال إسرائيل بلدته الرامة بعد نكبة عام 1948 ولم يكن قد تجاوز التاسعة من عمره.

غيرت النكبة حياته، إذ أصبح يواجه الاحتلال في تفاصيلها اليومية، ومن الأحداث الفارقة التي أثرت فيه زيارة الحاكم العسكري الإسرائيلي إلى مدرسته، وكذا اضطراره لترديد الأناشيد باللغة العبرية.

ولكثرة ما عاش من الأحداث مع الاحتلال، أثرت فيه تلك التجربة أثرا بالغا، حتى وصف نفسه لاحقا بأنه “المصدر الأكثر مصداقية في تاريخ هذه النكبة”.

تزوج سميح القاسم من نوال حسين، وأنجبا 4 أولاد هم وطن ووضاح وعمر وياسر.

الدراسة والتكوين العلمي

تلقى سميح القاسم تعليمه الابتدائي في مدرسة “راهبات اللاتين” ببلدة الرامة بين عامي 1945 و1953، ثم التحق بالمرحلة الإعدادية في مؤسسة “تيرسانطا” بمدينة الناصرة بين عامي 1953 و1955، وواصل دراسته حتى حاز شهادة الثانوية العامة عام 1957، وسافر لاحقا إلى الاتحاد السوفياتي حيث درس الفلسفة والاقتصاد السياسي في أكاديمية موسكو.

الوظائف والمسؤوليات

بدأ سميح القاسم مسيرته المهنية بالتعليم في المدارس الابتدائية بمناطق الجليل والكرمل، إلا أن وزير المعارف الإسرائيلي أمر بفصله بسبب نشاطه الأدبي والسياسي المقاوم آنذاك.

وانخرط لاحقا في العمل السياسي بانضمامه إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وظلّ عضوا فيه حتى أواخر الثمانينيات من القرن العشرين حين استقال وتفرغ للعمل الصحفي والأدبي.

وفي مطلع الستينيات انطلق القاسم في مسيرته الصحفية بالانضمام إلى هيئة تحرير مجلة “الغد”، وهي مجلة كانت تتبع الحزب الشيوعي في حيفا.

وفي عام 1966، تولى رئاسة تحرير مجلة “هذا العالم” في مدينة تل أبيب، وبعد استقالته منها عمل محررا في صحيفة “الاتحاد” بمدينة حيفا، حيث استقر لاحقا.

تولى فيما بعد رئاسة تحرير مجلة “الجديد”، الصادرة عن الحزب الشيوعي في مطلع السبعينيات، واستمر في هذا المنصب مدة 10 سنوات، إلى أن دب خلاف بينه وبين قيادة الحزب.

شارك القاسم في الفترة ذاتها في تأسيس “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة”، كما نشط سياسيا واجتماعيا في “لجنة المبادرة الدرزية” و”اللجنة القُطرية للدفاع عن الأراضي العربية”، مساهما في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.

ترأس “الاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين” منذ نشأته، وشارك في تأسيس دار نشر “عربسك” وإدارة “المؤسسة الشعبية للفنون” في حيفا، وأسس صحيفة “كل العرب” ومجلة “إضاءات” الثقافية في مدينة الناصرة.

التجربة الأدبية

بدأ سميح القاسم رحلته الأدبية في سن مبكرة، إذ أصدر أولى مجموعاته الشعرية في الـ19 من عمره، وتمكن من نشر 6 مجموعات شعرية قبل أن يبلغ الثلاثين.

ارتبط أدبه بالثورة ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وامتلأت كتاباته بمفردات ورموز الوطن والثورة والشهادة والأرض والانتصار والحجارة والطفولة، معبرا فيها عن معاناة شعبه وآماله، فقد كان يرى في الشعر وسيلة لترميم معاناة الفلسطينيين، ودافعا لاستمرار الكفاح والصمود في وجه الاحتلال.

تزعم القاسم مع صديقه الشاعر محمود درويش أدب المقاومة الفلسطينية، وقد وصفهما الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني بأنهما يمثلان “الرعيل الأول لشعراء القضية الفلسطينية” إلى جانب الأديب توفيق زياد.

وعرف الشاعر بتوجهه القومي الذي يهتم بالوحدة العربية ويفتخر بانتمائه إليها، ولهذا لم تقتصر قصائده على الشأن الفلسطيني فحسب، بل اتسعت لتعبر عن القضايا العربية والإنسانية جمعاء.

في بداياته الشعرية اعتمد سميح القاسم على الشعر العمودي التقليدي، ملتزما بأوزانه وبحوره، ثم مع تطور تجربته الشعرية تحرر من الشكل التقليدي دون أن يرفضه، وتوجه نحو ما سماه اسم “السربيات”، وهي نصوص شعرية مطولة ذات طابع ملحمي، تستلهم مضامينها من مصادر عدة مثل القرآن الكريم والتوراة والأساطير والميثولوجيا والتراث العربي والأدب العالمي والوقائع التاريخية.

واشتهر باعتماده في أعماله أساليب فنية لفتت النقاد، كان منها أسلوب التكرار الذي يستخدم عادة لتأكيد فكرة معينة أو إبراز إلحاحها على الكاتب في سياق معين، كما تميز بتوظيف أسلوب “التناص”، وهو فن يستعير فيه الأدباء اقتباسات من نصوص دينية أو أسطورية أو تاريخية ويمنحونها بعدا أوسع.

حظي الإنتاج الأدبي لسميح القاسم بتقدير واسع على المستوى العالمي، وحاز مجموعة من الألقاب أبرزها “شاعر المقاومة الفلسطينية” و”شاعر العروبة” و”فارس الشعراء” و”متنبي فلسطين” و”الشاعر المؤرخ”.

الجوائز والتكريمات

نال القاسم جوائز مرموقة من أهمها:

  • جائزة “غار الشعر” الإسبانية.
  • جائزتان من فرنسا عن مختارات من شعره ترجمها الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي إلى الفرنسية.
  • جائزة “نجيب محفوظ للكاتب العربي” من مصر.
  • جائزة “الإبداع في مجال الشعر” من مؤسسة البابطين في الكويت.
  • جائزة “وسام القدس للثقافة والفنون والآداب” من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وقد نالها مرتين.
  • جائزة “فلسطين للشعر” من وزارة الثقافة الفلسطينية.
  • جائزة “السلام” من مدينة اللد.

منتصب القامة أمشي

تميز سميح القاسم بإنتاج أدبي غزير، إذ أصدر أكثر من 70 كتابا تنوعت في مجالاتها بين الشعر والنثر والمسرح والقصة والترجمة والبحث والنقد والسيرة والمقالة، وقد ترجم كثير منها إلى لغات عدة منها الإنجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية والإيطالية.

وفي مجال الشعر نشر العديد من المجموعات الشعرية، 6 منها صدرت قبل الثلاثين من عمره، وكانت باكورتها مجموعة “مواكب الشمس” عام 1958، كما اشتهرت له مجموعات أخرى منها “دمي على كفي” و”سقوط الأقنعة” و”دخان البراكين” و”سأخرج من صورتي ذات يوم”.

ذاع صيت العديد من إنتاجات القاسم بشكل كبير في العالم العربي، خاصة بعدما نقل بعضَها فنانون إلى ساحة الغناء، ومن أشهرها كلمات الأغنية الشهيرة للفنان اللبناني مارسيل خليفة: “منتصب القامة أمشي.. مرفوع الهامة أمشي.. في كفي قصفة زيتون.. وعلى كتفي نعشي”.

كما اشتهرت قصيدة له من وحي الانتفاضة الأولى تعبر عن مواجهة المحتل تلاها بصوته، ويقول فيها “تقدموا تقدموا.. براجمات حقدكم وناقلات جندكم.. فكل سماء فوقكم جهنم.. وكل أرض تحتكم جهنم”.

وكانت للقاسم وصديقه محمود درويش مراسلات نشرت في جريدة “الاتحاد” تحت عنوان “كتابات شطري البرتقالة”، وعبرت عن مسارين اثنين في التجربة الفلسطينية: هجرة درويش من الوطن، وبقاء القاسم متمسكا بأرضه.

وفي السنوات الأخيرة من حياته، أصدر القاسم عام 2011 سيرته الذاتية التي حملت عنوان “إنها مجرد منفضة”، إذ خاطب فيها نفسه قائلا: “ها هو رمادك يتساقط في منفضة العالم، منفضة الحياة الدنيا”.

مواقفه السياسية

آمن سميح القاسم أن بقاء الفلسطينيين على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948 أقوى أثرا من الجيوش العربية كافة. ولذلك رفض مغادرة وطنه رغم محاولات التهجير، وعاش الحروب الإسرائيلية المتتالية عليه، ومنها النكبة والنكسة ومذبحة صبرا وشاتيلا وعدوان إسرائيل على قطاع غزة سنوات 2008 و2012 و2014.

ورفض القاسم -الذي كان قد أنهى المرحلة الثانوية آنذاك- الانخراط في الخدمة العسكرية الإسرائيلية، وأسس عام 1958 تنظيما معارضا لتجنيد الشبان الدروز تحت اسم “حركة الشبان الدروز الأحرار”، وأصبح أول الشبان الذين وقفوا في وجه قانون التجنيد الإجباري الموجه إلى أبناء الطائفة الدرزية، واعتقل على إثر ذلك.

لم يكن ذلك أول اعتقالاته، فقد اعتقل عام 1958 عندما حاول الاحتلال الإسرائيلي منعه من المشاركة في مهرجان شعري أقيم في بلدة كفر ياسيف الفلسطينية، وتلته سلسلة من الاعتقالات والإقامات الجبرية، كان أبرزها صبيحة اليوم الأول من نكسة يونيو/حزيران 1967، بعدما اقتحم الاحتلال صحيفة “الاتحاد” حيث كان يعمل واقتاده للسجن.

قضى القاسم فترة سجنه في معتقل الدامون على جبل الكرمل حيث تعرف على مجموعة من الأسرى من أعضاء الحزب الشيوعي الإسرائيلي، والتحق به منذ ذلك الحين.

وكان الحزب يضم أدباء بارزين أمثال محمود درويش وتوفيق زياد وإميل حبيبي، وانتخب القاسم بعد سنوات عضوا في لجنته المركزية وظل فيها حتى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين.

الانضمام إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي، والانخراط في العمل مع مجموعة من المؤسسات الاجتماعية الإسرائيلية، إضافة إلى رثاء مجموعة من الجنود الإسرائيليين بعد سقوط مروحيتهم، كل ذلك أثار جدلا بشأن موقف القاسم السياسي تجاه القضية الفلسطينية، وكلّفه اتهامات بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

إلا أن القاسم كان يرفض مفاوضات السلام مع إسرائيل ما دامت تستمر في قتل الفلسطينيين وتشريدهم، ويؤيد السلام الذي يضمن قيام دولة عربية فلسطينية عاصمتها القدس الشريف.

وفي حفل لتكريمه حضره ياسر عرفات (أبو عمار) قال القاسم “والله يا أبا عمار لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بأقلامنا”، فأمر عرفات بإحضار سلاحه ليقوّمه القاسم به، فأجابه “هذا المسدس لمواجهة الاحتلال، أما أنا فأواجهك بقلمي”.

وكان للشاعر آراء في الشأن العربي، إذ أيد ما اعتبره “تحرر” الشعب العراقي من نظام صدام حسين، وزار الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ووصفه بـ”أسد العروبة” ثم نعاه بعد موته.

وزار سوريا لاحقا للقاء الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وبسبب ذلك اتهمه معارضو نظام الأسد بالسكوت عن المجازر المنسوبة إلى النظام، وأطلقوا عليه لقب “شاعر البلاط”، إلّا أنه أكد بشكل مستمر استقلاليته عن الأنظمة والدول والحكومات قائلا “عشت حرا وسأموت حرا”.

الوفاة

بعد 3 سنوات من الصراع مع مرض سرطان الكبد، توفي سميح القاسم في 19 أغسطس/آب 2014 عن عمر ناهز 75 عاما.

وشيع جثمانه بعد يومين على سفوح جبل الجرمق في فلسطين المحتلة، وتقدم المسيرة مشايخ الدروز ورجال الدين المسيحي وشخصيات سياسية بينهم أفراد عائلته وأصدقاؤه.

نعى القاسم مجموعة من السياسيين والأدباء والمثقفين، كان من بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس والحزب الشيوعي والاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين.

وكان الشاعر قد وصف حوارا له مع الموت في أبيات قال فيها “أنا لا أحبك يا موت لكنني لا أخافك، وأعلم أن سريرك جسمي وروحي لحافك”.

المصدر: نيوز عربي + وكالات + الصحافة الفلسطينية

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من نحن

“نحن في موقع نيوز عربي نولي اهتمامًا كبيرًا بتجربة المستخدم، حيث يتم تحسين المحتوى والعروض الترويجية بناءً على تحليلات دقيقة لاحتياجات الزوار، مما يسهم في تقديم تجربة تصفح سلسة ومخصصة.”

البريد الالكتروني: [email protected]

رقم الهاتف: +5-784-8894-678