• Home  
  • تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن
- مناخ

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

عدن – قبل أسابيع قليلة، كان المزارع اليمني نظمي المنتصر (54 عاما) يقف في مزرعته الصغيرة بانتظار المطر، يعدّ الأيام حتى تهطل السماء فتنقذ محصوله من العطش. لكن المطر جاء على غير ما يشتهي؛ سيولٌ عاتية اجتاحت أرضه، دمّرت منزله، وجرفت معها آخر أمل له في موسم زراعي يعين أسرته لمواجهة الجوع. في قرية دار […]

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

في قرية دار المناصرة بمحافظة لحج (جنوبي اليمن)، يقف نظمي على بقايا جدران طينية هوت بفعل المياه، ويشير إلى قطعة أرض في طرف القرية لم يتبقّ منها سوى كومة من الطين والحجارة، بعد أن كانت أرضا خصبة مزروعة بالذرة والخضروات.

اقرأ أيضا

list of 2 itemsend of list

يقول بنبرة مكسورة لـ”نيوز عربي”: “كنا ننتظر الحصاد لنعيش منه، لكن بدلا من ذلك جاء الطوفان”. ويضيف بصوت أجهدته الحسرة: “لم تعد لدينا أرض نزرعها، ولا محصول ننتظره.. السيول جرفت كل شيء”.

سكان يتناوبون على الحفر بأدوات بدائية لاستعادة أنابيب مياه الشرب التي جرفتها السيول (نيوز عربي)

حياة تختنق

بالقرب من منزله المدمر، يتجمّع رجال القرية، يحفرون بأدوات بدائية في محاولة يائسة للعثور على أنابيب مياه الشرب التي اقتلعتها السيول، في مشهد يبدو أقرب إلى محاولة لاستعادة حياة توقفت فجأة، وأمل يتشبثون به في أن تعود المياه إلى منازلهم وأطفالهم كما كانت من قبل.

لم تكن كارثة نظمي استثناءً، فجاره عبد القوي صالح لا يزال يتذكر تلك الليلة، يصف المشهد كما لو كان “فيضانا مُصغّرا”. يقول لـ”نيوز عربي”: “المياه حاصرت المنازل، غمرت الآبار، وجرفت الحقول والخزانات والأنابيب.. لم يكن أمامنا سوى إنقاذ الأطفال والنساء، بينما السيول تسبقنا إلى البيوت”.

ويضيف بمرارة: “بعض الأسر ظلّت عالقة فوق الأسطح ليوم كامل من دون أن يلتفت إلينا أحد. “الأرض التي كانت تنبض بالحياة، وتُزرع بالقمح والأعلاف والبقوليات والسمسم ومختلف أنواع الخضروات، صارت اليوم بلا روح.. تربة تحرّكت بالكامل ولم تعد صالحة لشيء”.

في هذه المنطقة الواقعة على ضفاف وادي تبن، الذي كان يُضرب به المثل في خصوبة الأرض لعقود مضت، لم يعد المزارعون يتحدثون عن “موسم الحصاد”، بل عن “محاولات للبقاء”، بعد أن جرفت السيول أراضيهم، وأتلفت محاصيلهم، وخلّفت كارثة لا تقل قسوة عن موجات الجفاف، تاركة خلفها أطلال حياة كاملة.

تشير أرقام جمعية المزارعين في القرية إلى أن السيول الأخيرة أتلفت نحو 3029 فدانا من الأراضي الزراعية في “دار المناصرة” وحدها، بينما تتحدث السلطات المحلية عن مئات الهكتارات المدمَّرة في لحج، ونفوق أعداد كبيرة من المواشي.

ولم تقف الكارثة عند حدود لحج، فقد شهدت محافظات يمنية أخرى، بينها مأرب والحديدة وتعز وحجة، فيضانات مدمّرة تسببت في تدمير منازل ومخيمات نازحين، وألحقت أضرارا بالغة بالبنية التحتية.

وقدّرت لجنة الإنقاذ الدولية عدد المتضررين جراء السيول التي ضربت مؤخرا عدة محافظات جنوبية بأكثر من 100 ألف شخص، في حين أطلقت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، الثلاثاء الماضي، للمرة الثانية خلال الشهر الجاري، نداء استغاثة عاجل بعد تضرر عدة مخيمات.

السيول أدت إلى أضرار بالغة في القطاع الزراعي والثروة الحيوانية والمساكن (نيوز عربي)

تقلبات المناخ

وتعكس هذه الفيضانات جانبا من آثار التغير المناخي، الذي جعل مواسم الأمطار في اليمن أكثر شدة وتكرارًا. فالعام الماضي وحده شهد تدمير نحو 100 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، ونفوق 279 ألف رأس من الماشية، ما عمّق هشاشة الأوضاع الإنسانية في بلد يعاني أصلا من الحرب وانعدام الاستقرار.

ويحذر مختصون من أن استمرار تقلبات المناخ من دون وجود خطط وقائية فعالة، يهدد الأمن الغذائي في اليمن بشكل متزايد، خاصة في ظل اعتماد أكثر من نصف السكان على الزراعة.

وتُعد السيول الجارفة من أبرز التداعيات المدمرة للتغيرات المناخية، إذ تجتاح المناطق الزراعية وتدفع بالأمن الغذائي نحو حافة الانهيار.

ويرى الخبير الزراعي في محافظة إب، محمد الحزمي، أن القطاع الزراعي في اليمن -الذي يُعد شريان حياة لنحو 70% من السكان- أصبح في قلب أزمة المناخ، حيث تتسبب موجات الجفاف والسيول المتكررة في خسائر مدمّرة.

ويضيف لـ”نيوز عربي”: “السيول الأخيرة دمّرت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والبساتين، وتسببت في تآكل خصوبة التربة، وألحقت أضرارا كبيرة بقنوات الري والسدود والحواجز المائية. كما طالت الكارثة الثروة الحيوانية، من خلال نفوق أعداد كبيرة من المواشي وتلف الأعلاف، ما فاقم معاناة الأسر الريفية”.

ويؤكد الحزمي أن هذه التداعيات عمّقت أزمة الأمن الغذائي، وأجبرت بعض المزارعين على هجر أراضيهم، مشددا على ضرورة إعادة تأهيل البنية التحتية المائية، وتبني ممارسات زراعية مرنة، وتطوير أنظمة إنذار مبكر، إضافة إلى تقديم دعم مباشر للمزارعين، وتشجيع زراعة محاصيل أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات المناخية.

سيناريو متكرر

من جهته، يعتبر وكيل وزارة الزراعة لقطاع الري، المهندس أحمد الزامكي، أن ما حدث ليس سوى حلقة جديدة من سيناريو يتكرر منذ عقود، مشيرا إلى أن الأضرار التي خلّفتها السيول ليست حدثا طارئا، بل نتيجة تراكمات تعود لسنوات طويلة من الإهمال وغياب المعالجات الجذرية.

ويضيف لـ”نيوز عربي”: “شهدت اليمن فيضانات وأعاصير متكررة منذ عقود، ولا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم، بل تفاقمت، ما أثّر سلبا على البنية التحتية الحيوية، خاصة في القطاعات الإنتاجية التي تشكل عماد الاقتصاد وسبل عيش المواطنين”.

ويرى الزامكي أن السبب الرئيسي لتفاقم الأضرار يعود إلى غياب موازنات مخصصة لأعمال الصيانة والتشغيل، وعدم إنشاء صندوق طوارئ خاص بالكوارث الطبيعية، إلى جانب تجاهل الحكومات المتعاقبة لهذا الملف الحيوي.

كما حذّر من التعديات العشوائية على مجاري السيول، خصوصا في المدن الكبرى، معتبرا أنها تُفاقم من حدة الكوارث وتُهدد الأرواح والممتلكات. ودعا إلى تحرك عاجل لفتح مجاري السيول، مشددا على أن كلفة الوقاية تظل أقل بكثير من كلفة الخسائر المحتملة.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من نحن

“نحن في موقع نيوز عربي نولي اهتمامًا كبيرًا بتجربة المستخدم، حيث يتم تحسين المحتوى والعروض الترويجية بناءً على تحليلات دقيقة لاحتياجات الزوار، مما يسهم في تقديم تجربة تصفح سلسة ومخصصة.”

البريد الالكتروني: [email protected]

رقم الهاتف: +5-784-8894-678