وتشكل هذه النتائج نكسة واضحة لرغبة روسيا في وصول القوى المؤيدة لها إلى السلطة، في البلد الذي اتخذ خطا مؤيدا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على حساب العلاقات التاريخية التي لطالما ارتبط بها مع موسكو.
وكان رد فعل موسكو سريعا بعد إعلان النتائج النهائية، إذ قال السكرتير الصحفي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن “مئات الآلاف من المولدوفيين حرموا من فرصة التصويت في روسيا لوجود مركزي اقتراع مفتوحين لهم فقط”، مضيفا أنه لا يُمكن تقييم نتائج هذه الانتخابات إلا لاحقا، بعد أن تُقيّمها القوى السياسية المولدوفية نفسها.
بين روسيا وأوروبا
وشكلت الحملة الانتخابية في مولدوفا ساحة صراع متجددة بين روسيا والغرب، إذ سيُحدد البرلمان الجديد السياسة الداخلية والخارجية للبلاد، ففي الوقت الذي سيرسّخ فيه فوز الحزب الحاكم توجه البلاد نحو أوروبا، كان من الممكن أن يغير نجاح القوى الموالية لروسيا هذا التوجه.
وكانت السلطات في مولدوفا قد حذّرت مُسبقا من مخاطر التدخل الروسي عشية التصويت، واتهمت الرئيسة مايا ساندو الكرملين بزعزعة الاستقرار، بل سمحت بإلغاء النتائج. وهو موقف لقي دعما من بروكسل، إذ صرّحت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس بأنه “لا يمكن لأي قوة أن تمنع شعبا يسعى إلى الحرية”، في المقابل نفت موسكو بشدة الاتهامات كلها.
لكن هذه ليست المرة الأولى التي تتصاعد فيها التوترات حول الانتخابات في مولدوفا، التي يبلغ عدد سكانها 2.4 مليون نسمة فقط، ففي عام 2024 لم تفز ساندو بالحملة الرئاسية إلا في الجولة الثانية، وقالت المعارضة إن الفضل في ذلك يعود إلى حد كبير إلى أصوات المغتربين.
وعشية الانتخابات، توقع مراقبون روس نتائج أكثر تواضعا لحزب “العمل والتضامن”، وكان يُعتقد أنه لن يتمكن من الحصول على الأغلبية، بسبب ما وصفوه بالاستياء المكبوت من الوضع الاقتصادي.
وارتكزت هذه التوقعات على بيانات المكتب الوطني للإحصاء، الذي أشار إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 بلغ 0.1% فقط، ومعدل الفقر المدقع بلغ 33.6%، وهو أعلى مستوى في السنوات الأخيرة. علاوة على ذلك، تشهد البلاد أزمة طاقة حادة، كما تضررت سلاسل التوريد بشدة بسبب الحرب في أوكرانيا.
نتائج مشوهة
يفسّر المحلل السياسي ديمتري كيسييف نتائج الانتخابات بأن الأحزاب الموالية لروسيا فشلت في استغلال الوضع الاقتصادي، فضلا عن منعها من الوصول إلى وسائل الإعلام، واقتصرت حملاتها الانتخابية على الاجتماعات العامة.
ويضيف في حديث للجزيرة نت بأنه في يوم الانتخابات، أُغلقت الجسور فوق نهر دنيستر لمنع سكان ترانسنيستريا من التصويت، علاوة على حشد الجاليات في الخارج -والتي تقدر بـ270 ألف صوت- التي حسمت النتيجة بشكل كبير، ما سمح للحزب الحاكم بالحصول على الأغلبية.
لكنه يشير إلى أن نجاح القوى الموالية للغرب في مولدوفا بالانتخابات البرلمانية الأخيرة يحمل في طياته مرارة شديدة، فقد تقدم حزب العمل والتضامن الحاكم بهامش ضئيل للغاية، أقل من 1% بفضل التصويت في الخارج فقط.
وحسب قوله، فإنه لا يُتوقع أي خير من الوضع الحالي، بعد أن أعلنت المعارضة بالفعل عن نيتها الطعن في نتائج التصويت وإخراج الناس إلى الشوارع.
وبرأيه فإن “هذا السيناريو يتوافق مع نوايا الغرب لتحويل مولدوفا إلى بؤرة توتر جديدة، على غرار أوكرانيا”، وأن أدنى استياء بين السكان سيُفسر على أنه “تدخل روسي صارخ” في الشؤون الداخلية للبلاد، “ما قد يتبعه رد فعل قاسٍ في شكل حظر على المعارضة، وتفريق الاحتجاجات بالعنف، وإدخال قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو)” على حد قوله.
في ضوء تداعيات حرب #روسيا على #أوكرانيا.. جمهورية #مولدوفا تطمح إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي وسط رفض من المعارضة الاشتراكية والشيوعية | تقرير: نور الدين بوزيان #الأخبار pic.twitter.com/U5z6ifJI8Q
— قناة نيوز عربي (@AJArabic) June 7, 2023
خطوة نحو أوروبا
كانت مولدوفا قد تقدمت بطلب عضوية الاتحاد الأوروبي عام 2022، وهي الآن على وشك بدء مفاوضات مع بروكسل بهذا الخصوص، كما وعد الحزب بأنه سيحاول إنهاء المفاوضات بحلول عام 2028، وهذا قد يسمح لمولدوفا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة بعد عامين أو 3.
ويتمثل جزء من هذا التحدي في ضرورة تحديد ما يجب فعله بشأن ترانسنيستريا، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي وتدعمها روسيا، وتقع على الحدود مع أوكرانيا وتطالب بالاستقلال ولكنها غير معترف بها دوليا.
ويعتبر محلل الشؤون الدولية ديمتري كيم، أن الحزب الحاكم سيحافظ بعد فوزه في الانتخابات على مسار البلاد نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، متجاهلا رأي شريحة كبيرة من المواطنين تؤيد التوجه نحو موسكو.
وحسب رأيه، فإن نتائج التصويت وردود الفعل عليها أظهرت مدى اتساع الفجوة بين المولدوفيين المؤيدين لأوروبا والآخرين المؤيدين لروسيا.
ويتابع أنه مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وتصاعد وتيرة تسليح كييف، وتزايد عدائية العلاقات بين روسيا والغرب، ستحاول مولدوفا ودول أخرى من الكتلة السوفياتية السابقة -العالقة بينهما- إيجاد موطئ قدم في هذا التجاذب.
ووفقا له، فإنه بالنظر إلى الأحداث الأخيرة في القوقاز وآسيا الوسطى، فإن نتيجة الانتخابات في مولدوفا تُنذر بوضوح بمصير غامض لرابطة الدول المستقلة، لجهة تشجيع مزيد من النخب السياسية هناك على التوجه نحو الغرب، وهو ما على صناع القرار في روسيا أن يأخذوه على محمل الجد.