فرنسا تجري أكبر مناورات سيبرانية لمحاكاة هجمات رقمية محتملة
شارك 15 ألف عسكري فرنسي هذا العام في أكبر مناورات للدفاع السيبراني في البلاد، وذلك لمحاكاة هجمات إلكترونية عدوانية محتملة قد تستهدف البنية التحتية العسكرية. وتأتي هذه التدريبات في ظل تزايد المخاوف من تصعيد الهجمات الرقمية، خاصة منذ الحرب الروسية على أوكرانيا، التي رفعت منسوب التهديدات السيبرانية ضد دول الاتحاد الأوروبي.
مناورات “ديفنات 2025” تحاكي أخطر السيناريوهات
انطلقت مناورات الدفاع السيبراني السنوية “ديفنات” (DEFNET) في 17 مارس/آذار واستمرت حتى 28 مارس/آذار، حيث شهدت تدريبات مكثفة بمشاركة قوات من الجيش البري والبحري وسلاح الجو وقوات الفضاء.
وأجريت التدريبات الأساسية في مدينة رين، مع انتشار 14 موقعًا عسكريًا آخر عبر عدة مدن فرنسية، وذلك ضمن استراتيجية وزارة الدفاع لتجهيز الجيش لمواجهة هجمات إلكترونية متقدمة، مثل اختراق أنظمة الصواريخ أو تعطيل السفن الحربية، مما يستدعي تدريبًا عالي المستوى لضباط الحروب الرقمية على التصدي لهذه التهديدات بسرعة وفعالية.
المخاوف من تصاعد التهديدات الروسية
وفقًا لموقع “آرمي” الفرنسي المتخصص بالشؤون العسكرية، تضمنت التدريبات محاكاة 30 حادثًا سيبرانيًا مختلفًا، من بينها عمليات قرصنة إلكترونية قد تؤدي إلى شلل تام في الأنظمة الدفاعية، مثل تعطيل منظومة الصواريخ في سفن حربية، وهو سيناريو يعتبره الضباط في قاعدة طولون البحرية بمثابة تهديد محتمل وواقعي.
ومنذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، تصاعدت المخاوف الأوروبية بشأن الحرب الهجينة التي تنتهجها موسكو، وتشمل الهجمات السيبرانية، والتلاعب بالمعلومات، وتسريب العملاء لزعزعة الاستقرار في الدول الغربية الداعمة لكييف.
ووفقًا لمقال للخبير السياسي مايكل ميكلوتشيتش نشرته صحيفة فايننشال تايمز، فإن روسيا لديها سجل طويل في استخدام الحروب السيبرانية، أبرزها الهجوم ببرمجيات “نوتبيتيا” الخبيثة عبر جماعة “ساندوورم” (Sandworm) المدعومة من الكرملين خلال الانتخابات الأميركية لعام 2016.
قلق فرنسي من هجمات تستهدف أولمبياد باريس 2024
أعربت الحكومة الفرنسية عن مخاوفها من تصاعد الهجمات السيبرانية مع اقتراب أولمبياد باريس 2024، حيث تم رصد مئات الهجمات التخريبية خلال الأشهر الماضية. وتخشى باريس أن تتحول هذه الهجمات إلى “حرب استنزاف رقمية” تستهدف قطاعات الدفاع والخدمات الحيوية.
لذلك، وضعت مناورات “ديفنات” أهدافًا أساسية لتطوير قدرات الاستجابة السريعة، من بينها:
✅ إبطاء انتشار أي اختراق إلكتروني قبل انتقاله إلى أنظمة أخرى.
✅ تأمين القوات العسكرية والمرافق الحساسة بشكل فوري.
✅ تحليل مصدر الهجمات السيبرانية لمنع تكرارها مستقبلاً.
استراتيجية الاستجابة العسكرية
أكد القائد العسكري أنطوان، المتخصص في الدفاع السيبراني بالبحرية الفرنسية، في تصريحات لـشبكة “يورونيوز”، أن فريقه يعمل على تحليل الأجهزة المخترقة لتحديد مصدر الهجوم وطبيعته، موضحًا أن سرعة الرد واتخاذ الإجراءات المناسبة هما العنصران الأهم في أي مواجهة إلكترونية.
تعاون أوروبي لمواجهة التهديدات السيبرانية
بعد مناورات “ديفنات”، تستعد فرنسا للمشاركة في مناورات سيبرانية أخرى في مايو/أيار 2025، ستُجرى في تالين بإستونيا تحت مظلة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بهدف تعزيز التعاون الدولي في مواجهة الحروب الرقمية.

وحدة الدفاع السيبراني في فرنسا: درع رقمي لحماية الأمن الوطني
أُنشئت وحدة الدفاع السيبراني الفرنسية بموجب مرسوم رسمي صدر في مايو/أيار 2017، لتصبح الهيئة المسؤولة عن حماية أنظمة المعلومات العسكرية، بما يشمل أنظمة الأسلحة، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات رقمية متقدمة في الفضاء السيبراني. وتخضع هذه الوحدة للإشراف المباشر من رئيس أركان الجيوش، مما يعكس أهميتها الاستراتيجية في تعزيز الأمن السيبراني الوطني.
مهام وحدة الدفاع السيبراني الفرنسية
تتولى وزارة الدفاع الفرنسية الإشراف على وحدة الدفاع السيبراني، حيث تتنوع مهامها بين الحماية، والهجوم الرقمي، والتخطيط العسكري، وتشمل:
✅ الدفاع عن أنظمة المعلومات: تنفيذ عمليات متقدمة لكشف ومنع الهجمات الإلكترونية التي تستهدف وزارة الدفاع الفرنسية.
✅ حماية الأنظمة العسكرية: تأمين أنظمة المعلومات والأسلحة تحت مسؤولية رئيس أركان الجيوش، لضمان الجاهزية القتالية الرقمية.
✅ العمليات السيبرانية الهجومية: تصميم وتخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية الرقمية ضد التهديدات السيبرانية.
✅ التدريب والمناورات السيبرانية: إعداد وتأهيل القوات عبر تدريبات وطنية ودولية لتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية.
✅ تطوير استراتيجيات الدفاع السيبراني: ضمان تنسيق الجهود الدفاعية الرقمية من خلال إدارة الموارد البشرية والتقنية، وصياغة سياسات الحماية المتقدمة.
✅ إدارة الاحتياطي التشغيلي: الإشراف على القوات الاحتياطية في المجال السيبراني، سواء من الناحية العملياتية أو ضمن المبادرات المدنية لتعزيز الأمن الرقمي.
فرنسا تعزز قدراتها السيبرانية لمواجهة التهديدات الرقمية
تأتي هذه الجهود ضمن استراتيجية فرنسا لمكافحة الهجمات السيبرانية المتزايدة، خاصة في ظل التهديدات الناجمة عن الحروب الهجينة، مما يجعل وحدة الدفاع السيبراني خط الدفاع الأول لحماية الأمن الرقمي والعسكري للدولة.

فرنسا تعزز قدراتها السيبرانية لمواجهة التهديدات الرقمية المتزايدة
وفقًا لأحدث البيانات الرسمية، يضم الجيش الفرنسي 4 آلاف مقاتل سيبراني متخصص في الدفاع عن الفضاء الرقمي، مع خطط لرفع العدد إلى 5 آلاف بحلول عام 2030، لمواكبة التهديدات الإلكترونية المتزايدة.
أهداف مناورات “ديفنات 2025”
أوضح العقيد غيرغوري تسايغر، رئيس العمليات في وحدة الدفاع السيبراني الفرنسية، في تصريح لموقع وزارة القوات المسلحة الفرنسية أن تدريبات “ديفنات 2025” تهدف إلى:
✅ تعزيز الجاهزية السيبرانية لمواجهة هجمات متعددة ومتزامنة، سواء لاختراق معلومات حساسة أو تعطيل الأنظمة الرقمية.
✅ مكافحة التضليل الإعلامي، حيث يتم تدريب الوحدات على التصدي للهجمات الإعلامية التي تستهدف صورة الجيش الفرنسي.
✅ اختبار القدرات الهجومية والدفاعية في تحديد وتحليل الهجمات الإلكترونية والرد عليها بفعالية.
✅ تطوير استراتيجيات الحماية السيبرانية وتمكين المقاتلين من التعامل مع هجمات عالية المستوى.
✅ تعزيز التكتيكات الدفاعية في الفضاء الرقمي وتوفير سيناريوهات عملية لمحاكاة الهجمات السيبرانية المتقدمة.
حرب التضليل الإعلامي: معركة أخرى على الجبهة الرقمية
لا تقتصر الحروب السيبرانية على اختراق الأنظمة وتعطيل العتاد العسكري، بل تمتد لتشمل حرب التضليل الإعلامي، حيث يعمل الخصوم على نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة عبر وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي، بهدف إرباك الجيش والتأثير على الرأي العام.
وتنبع هذه المخاوف من تجارب سابقة، مثل موجات التضليل الإعلامي التي سبقت الانتخابات البرلمانية الأوروبية، ودورة الألعاب الأولمبية باريس 2024.
ووفقًا لـالمرصد الأوروبي للإعلام الرقمي، فإن المعلومات المضللة حول الاتحاد الأوروبي وصلت إلى ذروتها على المنصات الرقمية خلال الشهر السابق للانتخابات، مع اتهامات مباشرة لقراصنة مرتبطين بموسكو بالوقوف وراء هذه الهجمات.
تعزيز الدفاع السيبراني لمواجهة التحديات المستقبلية
يرى الخبراء الفرنسيون أن تعزيز الأمن السيبراني أصبح أولوية قصوى لمواجهة الهجمات الرقمية والتأثير الإعلامي الخارجي.
ويؤكد الجنرال أيمريك بونمايسون أن التوترات الجيوسياسية الحالية تفرض يقظة مستمرة في الفضاء الإلكتروني، مما دفع الجيش الفرنسي إلى تطوير استراتيجيات دفاعية متقدمة لمكافحة التضليل الإعلامي وطمأنة المواطنين، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وإلى جانب تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية، تتوسع الاستراتيجية الفرنسية لتشمل تهيئة المواطنين للتعامل مع أي هجوم سيبراني واسع النطاق، قد يهدد الأمن القومي وحياة الأفراد، مما يعكس تحول الأمن السيبراني إلى أحد أبرز أولويات الدفاع الوطني في فرنسا.

فرنسا تقتدي بالسويد وتوزع “دليل بقاء” لمواطنيها استعدادًا للأزمات
في خطوة استباقية لمواجهة الأزمات المحتملة، تستعد الحكومة الفرنسية لتوزيع “دليل بقاء” على مواطنيها، على غرار ما فعلت السويد في وقت سابق. ويهدف الدليل إلى تجهيز المواطنين لأي نزاع مسلح محتمل أو كوارث طبيعية مثل الفيضانات أو الأوبئة، بالإضافة إلى التهديدات التكنولوجية وال هجمات سيبرانية.
محتويات الدليل
يشتمل دليل البقاء، الذي يتكون من نحو 20 صفحة، على مجموعة من الإرشادات التوجيهية مصحوبة بالصور، تساعد المواطنين في التكيف مع الأزمات. وقد تم تقسيم الدليل إلى ثلاثة أجزاء رئيسية:
الباب الأول: حماية النفس والعائلة
يتناول هذا الجزء كيفية حماية الذات والأشخاص المحيطين بك مثل أفراد الأسرة والجيران، ويشمل إرشادات حول الاستعداد الذاتي لمواجهة الأزمات. ويوجه الدليل المواطنين إلى أهمية تخزين المياه والمواد الغذائية الأساسية، وبعض الأدوية الضرورية، إلى جانب بطاريات وأجهزة إضاءة تحسبًا لانقطاع التيار الكهربائي.
الباب الثاني: التعامل مع الطوارئ
يقدم هذا الجزء أرقام الطوارئ الخاصة بمختلف الخدمات مثل الشرطة والإطفاء، فضلاً عن الإجراءات السريعة التي يجب اتباعها في حالة تهديد وشيك. على سبيل المثال، إذا وقع حادث نووي، ينصح بإغلاق أبواب المنزل فورًا.
الباب الثالث: المشاركة المدنية والتطوع
يناقش هذا الجزء أهمية العمل التطوعي والمشاركة المدنية خلال الأزمات، بما في ذلك التسجيل في الاحتياط العسكري أو العمل في مجالات الأنشطة البلدية أو الأمن الرقمي.
توزيع الكتيب في صيف 2025
وفقًا لمصادر في الحكومة الفرنسية، من المتوقع أن يتم توزيع الدليل على جميع المواطنين قبل حلول صيف 2025.
وأشار المسؤولون إلى أن الهدف من هذه الخطوة هو تحفيز المواطنين على الاستعداد لجميع الاحتمالات، بما في ذلك الأزمات الأمنية والطبيعية. وأكدوا أن العقيدة الفرنسية تستند إلى الردع، وأنه من المهم أن يكون المواطنون على استعداد لمواجهة أي نوع من التهديدات، سواء كانت مسلحة أو غير مسلحة.
وتهدف الحكومة من وراء هذا الجهد إلى ضمان صمود المواطنين في الأوقات العصيبة، وضمان الاستجابة السريعة والفعالة لأي طارئ قد يهدد الأمن الوطني، بما في ذلك الأزمات التكنولوجية والسيبرانية.