ويقول كاليكو -للجزيرة نت- إنه ورفيقه تعرضا لضرب مبرح على أيدي المستوطنين في أثناء هجومهم على إحدى العائلات الفلسطينية وتهديدها بالحرق. ولم يقتصر الأمر على الضرب فقط، بل طُرح أرضا واحتُجز تحت تهديد السلاح، وأصيب بكسور، كما سرق أحد المستوطنين هاتفه المحمول.
ورغم ذلك، فإن تفكيره خلال فترة العلاج ظل منصبا -كما يقول- على أن “الفلسطينيين يواجهون هذا المشهد في كل لحظة من حياتهم اليومية”، وهو ما دفعه إلى مغادرة المستشفى سريعا والعودة لمواصلة تضامنه معهم.
هذه هي المرة الثانية التي يزور فيها كاليكو (43 عاما) فلسطين، فزيارته الأولى كانت في أبريل/نيسان الماضي حين شهد عمليات هدم منازل الفلسطينيين في مسافر يطا جنوب الخليل وتهجيرهم عن أراضيهم.
وكاليكو أحد مئات المتضامنين الأجانب الذين يجد الفلسطينيون في حضورهم سندا معنويا وعمليا في المناطق المهددة بالاستيطان والتهجير، حيث يشكلون خط الدفاع الأول في مواجهة اعتداءات المستوطنين.
لكن خلال الفترة الأخيرة تحولت هذه الاعتداءات نحو المتضامنين أنفسهم، في استهداف مباشر ومتكرر لدورهم في حماية الفلسطينيين وتوثيق ما يتعرضون له.
نقطة التحول
يقول كاليكو -للجزيرة نت- إن ما دفعه إلى ترك عمله محاضرا في العلوم السياسية بجامعة ليفربول والانضمام إلى حركة التضامن الدولية هو إيمانه بنضال الشعوب، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، الذي كان على الدوام مصدر إلهام بالنسبة له.
وأوضح أن ما جرى بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 شكَّل نقطة تحول حاسمة، إذ شاهد “إبادة جماعية تحدث في لحظتها”، وهو ما ولَّد لديه شعورا بالعجز دفعه للتفكير في التدخل المباشر.
ويضيف أن الحركات الطلابية في الجامعات الأوروبية والأميركية وشجاعتها في التعبير عن تضامنها مع فلسطين كانت بدورها دافعا إضافيا له، لكن الإلهام الأكبر -كما يؤكد- جاء من الفلسطينيين الذين يواجهون الاحتلال بشجاعة يومية رغم هول ما يتعرضون له.
وفي قرية أبزيق، حيث اعتُدي عليه، كان كاليكو وغيره من المتضامنين مصدر قوة إضافية للسكان، الذين يواجهون منذ سنوات طويلة محاولات تهجير مستمرة من قبل الاحتلال. لكن أخيرا تفاقمت الاعتداءات مع إقامة المستوطنين بؤرة استيطانية بين القرية وقرية رابا القريبة من جنين.
ويشير رئيس المجلس المحلي في أبزيق، عبد المجيد خضيرات، إلى أن آخر اعتداء وقع يوم 11 أغسطس/آب الجاري، حيث لاحظ الأهالي أن المستوطنين بدؤوا باستهداف المتضامنين أولا، في رسالة واضحة للسكان بأنه “لا شيء يحميكم”.
ويضيف خضيرات للجزيرة نت “وجود المتضامنين يبعث الطمأنينة في نفوس الأهالي، فرغم الاعتداءات، فإن عنف المستوطنين لا يصل إلى أقصى درجاته مع وجودهم، إضافة إلى أنهم يوثقون كل ما يجري وينقلونه للعالم”.
استهداف ممنهج
أهمية الدور الذي يقوم به المتضامنون الأجانب في أبزيق وسائر المناطق المهددة بالاستيطان دفعت الاحتلال إلى اتباع سياسة واضحة لعرقلة دخولهم إلى الأراضي الفلسطينية.
ويقول الناشط في العمل الشعبي بمنطقة الأغوار رشيد خضيري -للجزيرة نت- إن هناك تضييقا كبيرا على دخول المتضامنين، سواء عبر المعابر أو من خلال الحواجز العسكرية المنتشرة في الضفة الغربية.
ويضيف “في كل مرة نرصد فيها احتياجات السكان، يكون مطلبهم الأول وجود متضامنين أجانب بينهم، فقد أصبح وجودهم أساسيا هنا، وهو ما يحاول الاحتلال منعه بالوسائل كافة”.
وعلى الأرض، يستقر هؤلاء المتضامنون لفترات متفاوتة بين العائلات الفلسطينية في القرى المهددة، ويعايشون الاعتداءات بشكل يومي، وهو ما يمنحهم القدرة على توثيق الأحداث وتعزيز صمود السكان عبر إشعارهم بأنهم ليسوا وحدهم، بل ويشكلون ما يشبه الدرع الواقي لهم.
وينشط المتضامنون الأجانب في إطار لجان شعبية سلمية، لا تستطيع إسرائيل ملاحقتهم قضائيا بسببها، الأمر الذي دفعها مؤخرا إلى تبني سياسة الترهيب الجسدي.
ويقول خضيري “بعد كل اعتداء يتم التذرع بأنه عمل فردي، لكننا نوثق اعتداءات متكررة ومنظمة، وهو ما يثبت أنها سياسة رسمية ممنهجة”.
“رأيت عائشة نور تنزف حتى الموت”.. الناشط “جوناثان بولاك” يروي تفاصيل قتل الناشطة الأمريكية من أصول تركية برصاص الاحتلال الإسرائيلي في بلدة بيتا قرب نابلس#فيديو #حرب_غزة pic.twitter.com/hEsd3OnQb7
— قناة نيوز عربي (@AJArabic) September 11, 2024
زيادة في التضامن
ورغم الاعتداءات المتكررة، فإن أعداد المتضامنين الأجانب في ازدياد مستمر، إذ يصل إلى فلسطين شهريا ما بين 40 و50 متضامنا. وتقوم اللجان الشعبية المناهضة للاستيطان بتنظيم دخول هؤلاء المتضامنين من خلال نداءات توجهها إلى حركات التضامن العالمية أو عبر تنسيق عملها على الأرض.
ويشير منذر عميرة، منسق إحدى هذه اللجان، إلى أن كثيرا من الحركات التضامنية تعمل في فلسطين منذ نحو 20 عاما، خصوصا في مناطق الأغوار ومسافر يطا، الأكثر تهديدا بالضم والاستيطان. لكنه يؤكد أن حركة التضامن اكتسبت زخما غير مسبوق بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ومع تواصل الإبادة في غزة، مما جعل الاحتلال يدرك فاعلية هذا التضامن في فضح جرائمه، فبدأ بمواجهته بشكل مباشر.
ويقول عميرة للجزيرة نت إن “هناك توجها واضحا من الاحتلال لوقف هذا التضامن، لأن كل متضامن يعود إلى بلاده حاملا الرواية الفلسطينية التي عاشها على الأرض”.
ويضيف أن خطورة الاستهداف باتت كبيرة لدرجة تهدد حياة المتضامنين أنفسهم، بعد أن كانوا يشكلون هم الحماية للسكان، خصوصا مع تصاعد اعتداءات المستوطنين الذين لم يعودوا يفرقون بين فلسطينيين وأجانب أو حتى متضامنين إسرائيليين.