غزة تحت العطش: أزمة مياه خانقة تهدد حياة السكان وسط دمار البنية التحتية
غزة – نيوز عربي
وسط شوارع غزة المنهكة من الحصار والدمار، يجوب عبد الله موسى المدينة بشاحنته التي تعلوها صهريج مياه سعته 5 آلاف لتر، أشبه بسفينة نجاة وسط أزمة عطش تهدد مئات الآلاف من السكان.
كل صباح، يتوجه موسى إلى محطة التحلية، حيث تنتظر عشرات الشاحنات في طابور طويل لتعبئة المياه. لا أحد يعلم كم سيستغرق الانتظار، لكن الجميع يدرك أن خلف كل شاحنة يقف آلاف المواطنين في انتظار قطرة ماء تسد رمقهم.
وبين أزقة المدينة المدمرة، يتبعه السكان سيراً على الأقدام أو عبر دراجاتهم، يسألونه “إلى أين تتجه؟” على أمل أن يكونوا أول الواصلين. فالماء في زمن الحرب بات أغلى من الذهب، ولا موعد أهم من لحظة وصول صهريج المياه.

أزمة متفاقمة
عند وصول موسى إلى الوجهة التي تحددها المؤسسات الدولية والمبادرات الخيرية، يتجمهر السكان بسرعة، حاملين عبوات وجالونات فارغة، لكن الشاحنة لا تكفي الجميع. أحياناً تغطي نصف الطابور، وأحياناً أقل. يقول موسى لـ”نيوز عربي”: “أشعر بالحزن حين أرى الناس يعودون خائبين دون ماء، لكن الشاحنة لا تكفي الجميع”.
ورغم أن أزمة المياه في غزة ليست جديدة، فإنها ازدادت سوءاً منذ الرابع من أبريل/نيسان الجاري، عقب اجتياح قوات الاحتلال لحي الشجاعية شرق المدينة، مما أدى إلى توقف خط المياه القادم من إسرائيل، والذي كان يغطي نحو 70% من احتياجات السكان.
بلدية غزة حذّرت من التداعيات الكارثية لتوقف ما يعرف بـ”خط ميكروت”، خاصة بعد توقف غالبية الآبار عن العمل وتدمير محطة التحلية المركزية.
يضيف موسى: “منذ انقطاع الخط، أصبح الوضع جنونياً. الناس تركض خلفي في الشوارع، كلٌ منهم يخشى أن يُحرم من الماء، وأنا أخشى أن يتعرض أحدهم للأذى وسط الزحام”.

مشاهد يومية من العطش
في حي الدرج، قرب سوق اليرموك الشعبي، يصطف مئات المواطنين حول بئر مياه افتتحتها البلدية مؤخراً. رغم ملوحتها، أصبحت مياه هذه البئر كنزاً ثميناً، إذ لم يتبقَ للناس –خصوصاً النازحين من بيت حانون وبيت لاهيا– سوى هذا المصدر المحدود.
في مشهد إنساني مؤثر، برز واصف الزعانين، الرجل الذي قرر تنظيم عملية تعبئة المياه لتفادي أي شجارات قد تنجم عن التوتر. يقول الزعانين لـ”نيوز عربي”: “منذ الجمعة لم تتوفر المياه، البئر ضعيفة، لكن نحاول مساعدة الناس لوجه الله”.
أما أحمد البسيوني، نازح من بيت حانون، فكان واقفاً بجوار برميل سعته 100 لتر، يجسد معاناة لا تنتهي. يروي لـ”نيوز عربي”: “حياتنا تحولت إلى طوابير طويلة. من الصباح حتى الظهر ننتظر ماءً مالحاً. أما مياه الشرب النقية، فالجالون الواحد (10 لترات) يكلف شيكلين”.
ويضيف: “نعيش في خيمة بعدما دُمرت منازلنا، ولا نجد حتى ماء نشربه”.

مصدر وحيد
بالقرب من سوق اليرموك الشعبي بحي الدرج وسط مدينة غزة، يصطف مئات المواطنين أمام بئر مياه افتتحتها البلدية مؤخرا، أوانٍ بلاستيكية وجالونات فارغة تملأ المكان، بينما تترقب العيون دورها بفارغ الصبر.
رغم ملوحتها، أصبحت مياه هذه البئر كنزا لا يُقدّر بثمن، فبعد أن توقف فجأة مياه الخط القادم من إسرائيل، لم يتبقَّ للناس، خاصة النازحين من بيت حانون وبيت لاهيا شمال القطاع، سوى هذا المصدر الوحيد الذي بالكاد يلبي حاجاتهم.
ووسط هذا الزحام، برزت شخصية واصف الزعانين، الرجل الذي قرر أن يأخذ على عاتقه مهمة تعبئة المياه للجميع، محاولا فرض النظام ومنع اندلاع أي نزاع قد يسببه التوتر، والحاجة الماسة للماء.
يقول الزعانين وهو يهم بتعبئة أحد الجالونات “من يوم الجمعة ما فيش مية، والوضع صعب، البئر ضعيفة، بس هذا الموجود، أنا بعبي للناس حتى ما يتخانقوا، لوجه الله”.

يقف أحمد البسيوني، النازح من بيت حانون، بجوار برميل أزرق اللون بسعة 100 لتر، يعكس من خلاله معاناة يومية قاسية. ويقول للجزيرة نت “حياتنا صارت طوابير، من الصبح ولغاية الظهر واحنا في طوابير طويلة لتعبية المية المالحة. مية الشرب الحلوة غالية، الجالون (10 لترات) بشيكلين (الدولار يساوي 3.77 شيكلا)”.
ويختم “نعيش في خيمة، إسرائيل هدمت بيوتنا وطردتنا من بيت حانون، وفوق هذا لا يوجد ماء”.
أما هيثم بصل، أحد سكان المنطقة، فيخشى أن تعود الأيام الصعبة التي عاشها إبان الحرب، حينما اضطر وعائلته إلى شرب المياه المالحة والملوثة.
ويروي معاناة أسرته قائلا للجزيرة نت “عدد أفراد أسرتي 5 أشخاص، نصحو الصبح ونعبئ جالونين مية، وفي آخر اليوم كمان جالونين، والمعاناة مستمرة”. ويخشى أن تنقطع المياه بشكل كامل، والعودة للمأساة التي سبق أن مروا بها، حيث أصبحوا يبحثون عن أي مصدر مياه، مهما كان ملوثا.

اجتياح وتدمير
من جانبه، يوضح حسني مهنا، الناطق باسم بلدية غزة، أن المدينة كانت تعتمد على 3 مصادر رئيسية للمياه قبل الحرب:
- المياه الجوفية التي كانت تمثل 60% من إجمالي المياه.
- خط المياه القادم من إسرائيل عبر شركة “ميكروت” الذي كان يشكل 20% من إجمالي المياه.
- محطة التحلية المركزية التي كانت توفر 20% أخرى من المياه.
لكن خلال العدوان الذي بدأ، في أكتوبر/تشرين الأول 2023، دمرت إسرائيل 64 بئرا من أصل 86 كانت تغذي المدينة، بالإضافة إلى تدمير محطة التحلية المركزية، بينما توقف خط المياه الإسرائيلي، قبل أن يتم إصلاحه بتدخل من مؤسسات دولية، وأصبح يشكل المصدر الأساسي للمياه لنحو 70% من سكان غزة.
ومع اجتياح حي الشجاعية الجمعة الماضية، فقدت غزة خط “ميكروت” بشكل كامل، مما خلق أزمة مياه حادة. ويقول مهنا للجزيرة نت “لا نعرف إن كان تم قطع الخط بقرار سياسي أم أنه تضرر بفعل العدوان الإسرائيلي، الناس أصبحت تقف في طوابير طويلة أمام أي بئر تعمل”.
ولا تتلقى بلدية غزة أي ردود من إسرائيل، عبر المؤسسات الدولية التي تتدخل للمساعدة لحل الأزمة، وهو ما يدفعها إلى الخشية من أن تطول الأزمة، خاصة مع تزايد عدد السكان عقب موجات النزوح المستمرة من شمال القطاع.

خشية من عودة الكارثة
هيثم بصل، أحد سكان المنطقة، يعبر عن قلقه من عودة الأيام السوداء التي عاشها خلال الحرب، حين اضطرت أسرته إلى شرب مياه ملوثة. يقول: “نحن 5 أفراد، نعبئ أربعة جالونات يومياً، لكن الوضع يزداد سوءاً”.
دمار شامل للبنية التحتية
المتحدث باسم بلدية غزة، حسني مهنا، أوضح لـ”نيوز عربي” أن المدينة كانت تعتمد على 3 مصادر رئيسية للمياه:
-
المياه الجوفية (60%)
-
خط ميكروت الإسرائيلي (20%)
-
محطة التحلية المركزية (20%)
لكن خلال العدوان الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2023، دمرت إسرائيل 64 بئراً من أصل 86، إضافة إلى تدمير محطة التحلية المركزية وتوقف خط المياه الإسرائيلي، الذي عاد لاحقاً بشكل جزئي بفعل تدخلات دولية.
ومع اجتياح حي الشجاعية مؤخراً، فقدت المدينة خط “ميكروت” بشكل كامل، ما فاقم الأزمة بشكل غير مسبوق. ويقول مهنا: “لا نعلم إن كان توقف الخط لأسباب سياسية أم بسبب الأضرار التي لحقت به نتيجة القصف، لكن الواقع يشير إلى أزمة إنسانية حادة”.
ومع تدفق النازحين من شمال القطاع، ارتفع عدد السكان من 670 ألفاً قبل الحرب إلى ما بين 700 و800 ألف، بينما تقلص معدل استهلاك الفرد من المياه من 84.6 لتراً يومياً إلى أقل من 5 لترات.
ويؤكد مهنا أن البلدية، رغم جهودها بالتعاون مع المؤسسات الدولية، قد تواجه انهياراً كاملاً في قدرتها على تقديم الخدمات، إذا استمرت الأوضاع الحالية.