جاكرتا – نيوز عربي
أعلن كبير وزراء الاقتصاد في إندونيسيا، إيرلانغا هارتارتو، أن وفدًا تفاوضيًا إندونيسيًا سيتوجه إلى الولايات المتحدة غدًا لمناقشة ملفات اقتصادية حيوية، تشمل ليس فقط نسب التعريفات الجمركية، بل أيضًا آفاق الاستثمار المتبادل بين البلدين.
وأوضح هارتارتو، في تصريحات خاصة لـ”نيوز عربي”، أن إندونيسيا تُعد وجهة رئيسية للعديد من الاستثمارات الإستراتيجية الأميركية، وهو ما ستُبرزه جاكرتا خلال جولات التفاوض.
وكشف الوزير أنه سيجري اتصالًا هاتفيًا مع وزير التجارة الأميركي مساء اليوم (الاثنين)، قبيل وصول الوفد الإندونيسي إلى واشنطن، مشيرًا إلى أن جاكرتا ستطرح على الجانب الأميركي مقترحًا لاتفاقية تجارة ثنائية شاملة.
اتفاقيات تجارة حرة مرتقبة مع روسيا وأوروبا
في سياق متصل، صرّح الوزير الإندونيسي خلال مؤتمر صحفي على هامش اختتام المنتدى التجاري الإندونيسي الروسي، أن بلاده تقترب من إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع كل من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي – الذي يضم روسيا وعددًا من دول آسيا الوسطى – والاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن المفاوضات وصلت إلى مراحلها الأخيرة، مؤكدًا أن هذه الاتفاقيات ستركز على خفض التعريفات الجمركية وتعزيز الضمانات الاستثمارية، ضمن رؤية إندونيسية طموحة تهدف إلى تنويع الشراكات الاقتصادية بعيدًا عن الاعتماد الحصري على الأسواق الأميركية.
المنتدى التجاري الروسي الإندونيسي يعود بعد غياب
وحول المنتدى التجاري الروسي الإندونيسي، الذي عُقد اليوم في جاكرتا لأول مرة منذ عام 2018، أكد هارتارتو أن الهدف من تنظيمه هو تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الشركات الروسية والإندونيسية.
ووصف الوزير التعاون الاقتصادي مع روسيا بالخيار الإستراتيجي، في ظل الأوضاع غير المستقرة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، مؤكدًا أن اتفاقية التجارة الحرة المرتقبة مع دول الاتحاد الأوراسي تمثل أولوية لتعزيز حضور إندونيسيا في أسواق جديدة.

في ظل تحديات مصرفية ولوجستية تعرقل تنمية العلاقات الاقتصادية، تسعى إندونيسيا لتعزيز روابطها التجارية مع روسيا عبر مجموعة من المبادرات الإستراتيجية، بحسب ما صرّح به كبير وزراء الاقتصاد الإندونيسي، إيرلانغا هارتارتو.
وأشار الوزير خلال مشاركته في المنتدى التجاري الإندونيسي الروسي، إلى أن التعاون بين البلدين يواجه صعوبات تتعلق بأنظمة التحويلات البنكية والمعاملات المالية. إلا أن الحكومة الإندونيسية تعمل على تجاوز هذه العقبات عبر تقوية الروابط الشعبية، وتسهيل التبادل من خلال تطوير خطوط طيران مباشرة بين موسكو وبالي، وكذلك بين موسكو وجاكرتا، بالإضافة إلى وجهات روسية وإندونيسية أخرى.
تعاون تجاري واستثماري متعدد القطاعات
وأكد هارتارتو أن هناك مفاوضات جارية مع الجانب الروسي لتعزيز التعاون في مجالات متعددة تشمل: الطاقة، النفط والغاز، الأمن السيبراني، محطات توليد الكهرباء، السياحة، والصحة والتعليم. كما أشار إلى مبادرات لابتعاث طلاب إندونيسيين إلى الجامعات الروسية، إلى جانب تشجيع استثمارات روسية في مشاريع استراتيجية داخل إندونيسيا، أبرزها مشروعات الطاقة وصناعة الألمنيوم.
منتدى اقتصادي يعكس طموحات مشتركة
وشهدت العاصمة جاكرتا اليوم (الاثنين) انعقاد المنتدى التجاري بين روسيا وإندونيسيا، بمشاركة واسعة من مسؤولين ورجال أعمال من كلا الجانبين، في حدث يُنظَّم لأول مرة منذ عام 2018.
ويأتي هذا المنتدى ضمن التوجه الإندونيسي نحو تنويع الأسواق العالمية، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، خصوصًا مع تأثير التعريفات الجمركية الأميركية على المصدرين الإندونيسيين. وفي المقابل، تسعى روسيا إلى توسيع أسواقها في جنوب شرق آسيا.
نائب وزير التجارة والصناعة الروسي، أليكسي غروزديف، أوضح أن حجم التبادل التجاري بين موسكو وجاكرتا بلغ حوالي 4 مليارات دولار في العام الماضي، مع تسجيل نمو سنوي بنسبة 12% خلال السنوات الثلاث الأخيرة، رغم التحديات المرتبطة بالعقوبات والحصار المفروض على روسيا.
أولويات اقتصادية وتكامل في القطاعات الحيوية
غروزديف شدد على أن استقلالية السياسات الاقتصادية لكل من روسيا وإندونيسيا تُمثّل عاملاً داعمًا لعلاقات تجارية قوية وطويلة الأمد. كما لفت إلى أن روسيا تُعد شريكًا اقتصاديًا قادرًا على المنافسة في السوق الإندونيسية.
وسلّط المشاركون في المنتدى الضوء على عدد من السلع ذات الأهمية الإستراتيجية في التبادل التجاري، مثل الفحم، المنتجات النفطية، الأسمدة، المنتجات الزراعية، زيت النخيل، والمكائن.
من جهتها، أعربت شركة “برتامينا” النفطية الإندونيسية عن رغبتها في بناء شراكات مع شركات روسية لتطوير مصافي النفط في إندونيسيا.
وتناول المنتدى فرص التعاون المستقبلية في قطاعات متنوعة، من بينها الصناعات التحويلية، الصيدلة، الزراعة، التقنيات الزراعية، الأسمدة، والمجالات النووية، التي تستعد إندونيسيا لتطويرها خلال السنوات العشر المقبلة.

السياحة والصناعات الإبداعية
وقال مسؤول لجنة روسيا-بيلاروسيا بغرفة التجارة والصناعة الإندونيسية ديديت راتام إن انضمام إندونيسيا إلى مجموعة البريكس وبنك التنمية الجديد التابع لها يفتح آفاقًا واسعة للتعاون بين جاكرتا وموسكو.
وتوقع قرب توقيع اتفاقية تجارة حرة بين إندونيسيا ودول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
وأكد أن من أبرز تحديات التعاون الاقتصادي بين البلدين هو العوائق المرتبطة بالتحويلات المصرفية والتعاملات المالية، وهي تحديات أشار إليها كذلك دينيس مانتوروف النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي، متحدثًا عن ضرورة تقليل الاعتماد على الدولار في التجارة البينية، والسعي لحلول من خلال الاستثمارات والعملات الرقمية وغيرها.
أما التحدي الآخر، فيكمن في البُعد الجغرافي بين البلدين، وهو ما تم التطرق إليه خلال المنتدى، حيث أشار المشاركون إلى أن اللقاءات الحالية تمثل بداية مسار طويل نحو علاقات تجارية أقوى بين بلدين يتجاوز عدد سكانهما 430 مليون نسمة.
وأوضح جيرمان ماسلوف نائب رئيس شركة “فيسكو” للنقل والخدمات اللوجيستية الروسية، أن منطقة جنوب شرق آسيا تُعد الأهم بالنسبة للتبادل التجاري مع روسيا خلال المرحلة المقبلة، مشيرًا إلى وجود سفن شحن روسية في 18 ميناء في شرق وجنوب شرق آسيا، وأن عملية شحن البضائع بين روسيا وإندونيسيا تستغرق نحو 21 يومًا.
من جانبهم، عبّر مسؤولون في شركات صناعية إندونيسية، مثل “بيو فارما” المتخصصة في الأدوية والتطعيمات، عن اهتمامهم بالتعاون مع المصنعين الروس، سواء في قطاع الأدوية أو الصناعات الغذائية.
ويمكل البلدان إمكانات وفرصًا يمكن ترجمتها إلى منافع اقتصادية واجتماعية وصناعية كبيرة، إذ تُصدر إندونيسيا زيت النخيل والفحم ومواد غذائية أخرى، بالمقابل تُصدر روسيا الحبوب والمنتجات النفطية وسلعًا إستراتيجية أخرى.
كما أن هناك اهتماما من الشركات المتخصصة في الشحن والخدمات اللوجيستية بتسهيل حركة البضائع رغم المسافات البعيدة.
ولا يقتصر التعاون في القطاع السياحي على جذب السياح الروس إلى الجزر الإندونيسية -كما حدث خلال السنوات القليلة الماضية- فقط، بل يشمل أيضًا الترويج للسياحة الإندونيسية في روسيا، خاصة في المناطق ذات الغالبية المسلمة مثل قازان وداغستان والشيشان، لتكون هذه المناطق محطات للإندونيسيين نحو آسيا الوسطى.
أما المجال الإبداعي، فقد كان حاضرًا في النقاشات بين الشركات، لا سيما في مجالات الرسوم المتحركة والألعاب الإلكترونية، حيث يُعد كلا البلدين من الأسواق المنتجة والناشطة في هذا القطاع، ويضمان عشرات الملايين من الشباب الشغوفين بهذه المنتجات.
وفي خطوة لتمكين المنتجات الروسية من دخول السوق الإندونيسي، افتتح مركز التصدير الروسي مكتبًا تمثيليا له في جاكرتا مؤخرًا لدراسة السوق المحلي والانطلاق في حملات ترويجية.
وقد شاركت أكثر من 150 شركة روسية خلال الأسابيع الماضية في ندوات وجلسات متخصصة لتعزيز هذا التوجه.