• Home  
  • “أقسم على القرآن”.. قائد الدعم السريع رئيسًا للحكومة الموازية
- سياسة

“أقسم على القرآن”.. قائد الدعم السريع رئيسًا للحكومة الموازية

أدى قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ(حميدتي) السبت بمدينة نيالا بإقليم دارفور اليمين (الدستورية) رئيسا لما سُمي بالمجلس الرئاسي لحكومة تحالف السودان الجديد المعروف اختصارا بـ “تأسيس”، وبحسب ما تناقلته وكالات الأنباء فإن رئيس أحد جناحي الحركة الشعبية لتحرير السودان -قطاع الشمال- عبدالعزيز الحلو أدى القسَم أيضا نائبا لحميدتي. وقال بيان صادر […]

"أقسم على القرآن".. قائد الدعم السريع رئيسًا للحكومة الموازية | سياسة
أدى قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ(حميدتي) السبت بمدينة نيالا بإقليم دارفور اليمين (الدستورية) رئيسا لما سُمي بالمجلس الرئاسي لحكومة تحالف السودان الجديد المعروف اختصارا بـ “تأسيس”، وبحسب ما تناقلته وكالات الأنباء فإن رئيس أحد جناحي الحركة الشعبية لتحرير السودان -قطاع الشمال- عبدالعزيز الحلو أدى القسَم أيضا نائبا لحميدتي.

وقال بيان صادر عن تحالف “تأسيس”؛ إن تنصيب حميدتي والحلو يأتي بموجب الدستور الانتقالي للسودان لسنة 2025 والذي بحسب تعبير البيان “نص على إلغاء الوثيقة الدستورية الانتقالية لعام 2019، وجميع القوانين والقرارات والمراسيم السابقة”.

ويأتي هذا الإعلان عن تنصيب الرجلين اللذين يتزعمان حركتين متمردتين على الدولة بالسلاح، في توقيت تدخل فيه الحرب في السودان مرحلة دقيقة وحرجة، وفي ظل وضع إنساني متأزم في عموم إقليم دارفور، ومدينة الفاشر بالخصوص التي تشهد حصارا ضربته عليها مليشيا الدعم السريع، مصحوبا بقصف مدفعي متتابع وبهجمات متكررة على المدنيين في المعسكرات والأحياء الطرفية، ومنع دخول الأغذية والمعينات الطبية للمدينة، وتجاهل مناشدات المنظمات الإنسانية الدولية للمليشيا بفتح مسارات لدخول هذه الاحتياجات الإنسانية في وضع شبيه بما يحدث في غزة.

ولما كان الإعلان عن تعيين رئيس المجلس الرئاسي ونائبه هو إيذان ببدء مزاولة المجلس مهامه التي هي بالضرورة مهام حكومة موازية للحكومة السودانية وليست حكومة خاصة بإقليم دارفور وحده، فإنه تبرز تساؤلات عديدة قانونية وسياسية تتعلق بشرعية هذه الحكومة ومشروعية مهامها، ومستقبلها وقدرتها على الصمود في وجه كثير من العواصف محليا وإقليميا ودوليا.

وكيف ستتجاوز العديد من العقبات التي تنتظرها، بدءا من دائرتها الضيقة التي تتمثل في حاضنتها السياسية والمجتمعية المليئة بثقوب الخلافات والانشقاقات، وتباين الاتجاهات حول عدد من القضايا المحورية، مثل: العلمانية، وإقصاء الدين من الحياة العامة، والهوية الوطنية، وقضايا الهامش والمركز، وما يعرف بدولة 56، والعروبة والأفريقانية، وتوزيع السلطة والثروة، وغيرها من القضايا التي ظلت حاضرة في كل أزمات الدولة السودانية، وحروبها التي شهدتها منذ الاستقلال قبل نحو سبعة عقود.

أما فيما يتعلق بالسياق الظرفي الذي يحيط بمليشيا الدعم السريع التي يرأس قائدها الحكومة الموازية المعلن عنها، فهو سياق حرج وغير داعم ولا مواتٍ لإعلان حكومة موازية حقيقية تمارس دورها بسلاسة، حيث ترزح مليشيا الدعم السريع تحت ضربات سلاح الجو السوداني المتكررة لمواقعها داخل مدينة نيالا، خاصة مطار نيالا الذي يعتبر المنفذ الوحيد لها إلى الخارج، وعبره تتلقى المليشيا الدعم اللوجيستي القادم من خارج الحدود، عبر بعض دول الجوار الواقعة إلى الغرب من السودان.

وهناك العديد من العوائق التي تعد قيدا على نجاح فكرة إنشاء حكومة موازية تكون بديلا للحكومة القائمة الآن في السودان، والتي تمارس دورها بصورة طبيعية ومعترف بها دوليا، وتبدأ هذه العوائق المانعة لنجاح الحكومة الموازية في أداء الغرض الذي من أجله تشكلت بالنشأة، مرورا بمكوناتها السياسية والعسكرية، ثم الموقف الشعبي، وانتهاء بالموقف الدولي منها.

فمن حيث النشأة ومن الناحية القانونية، فإنه لا أساس قانونيا، البتة، تستند إليه هذه الحكومة الموازية في نشأتها وتشكيلها، فالبيان الذي صدر عن التحالف عقب أداء الرئيس ونائبه القسَم يقول بالنص: “إن تنصيب رئيس المجلس الرئاسي يأتي بموجب الدستور الانتقالي للسودان لسنة 2025، الذي نص على إلغاء الوثيقة الدستورية الانتقالية لعام 2019، وجميع القوانين والقرارات والمراسيم السابقة”.

ولا أحد يدري ما هو الدستور الانتقالي للسودان لسنة 2025 الذي ذكره البيان، وأحال إليه تشكيل المجلس الرئاسي المزعوم، فآخر دستور انتقالي في السودان كان هو دستور 2005.

ومن المعلوم بالضرورة في الفقه الدستوري أن الدستور الحقيقي يتم إنشاؤه بواسطة الشعب، وفي كنف دولة قائمة مكتملة الأركان؛ باعتبار أن الشعب هو صاحب الحق الأصيل في تحديد كيف يُحكَم، وكيف تُدار البلاد، وكيف تنظم العلاقات بين مؤسسات الدولة وسلطاتها المختلفة.

ويمارس الشعب هذا الحق الأصيل والحصري بإحدى طريقتين:

  • الأولى عن طريق انتخابه هيئة تأسيسية خاصة تتولى وضع الدستور باسمها ونيابة عن الشعب، ويعتبر الدستور نافذا بمجرد إقراره من هذه الهيئة التأسيسية.
  • والطريقة الثانية هي الاستفتاء، حيث يتم انتخاب نخبة من المختصين إما عن طريق الحكومة أو الشعب تكون مكلفة بوضع أسس الدستور وإعداده وصياغته، ثم يطرح في شكل مسودة على الشعب في استفتاء عام، ويصبح نافذا إذا نال موافقة الأغلبية.

فهل مر دستور الحكومة الموازية المشار إليه بأنه دستور 2025، بهذه المراحل القانونية والإجرائية المهمة؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟ ومن الذي أقره وصادق عليه، وأي شعب هذا الذي أجازه عبر استفتاء عام؟ هذا مع العلم بأن الدولة ظلت في حالة حرب منذ العام 2023، وحتى الآن.

ومن الناحية السياسية فإن التكوين الذي تقوم عليه الحكومة الموازية، هو مزيج متناقض ومتنافر، ويحمل بين طياته بذور فنائه، فالتركيبة الثلاثية للحكومة الموازية مختلفة ومتباينة في توجهاتها ورؤاها وخلفياتها الأيدولوجية والجهوية.

فمليشيا الدعم السريع التي تقف على رأس هذا الحلف، وتقوده هي تنظيم عسكري مسلح تمرد على الدولة في محاولة للاستيلاء على السلطة بالقوة، ومارس انتهاكات واسعة النطاق وموثقة ضد المدنيين.

وهو تنظيم عنصري يقوم على استهداف مكونات إثنية بعينها في أجزاء واسعة من السودان في دارفور، وفي كردفان، وفي الوسط، وفي الشمال، وفي الشرق، ويتبنى خطاب كراهية موغلا في التطرف ضد هذه المكونات الإثنية.

ومن ضمن هذه المكونات حركة عبدالعزيز الحلو نفسه الذي يمثل الرجل الثاني في الحكومة الموازية، وهو تناقض يأخذ شكل عداء متجذر تصعب إذابته بمجرد الدخول في حلف يهدف إلى تقويض كيان الدولة السودانية نفسها، وليس إزاحة نظام سياسي بعينه عن السلطة.

والشيء نفسه ينطبق على الضلع الثالث للحلف الذي تشكلت على أساسه الحكومة الموازية، وهو الثلة السياسية التي يترأسها رئيس الوزراء السابق المستقيل عبدالله حمدوك، والتي تقلبت في الأسماء والألقاب بدءا من (قحت) وانتهاء بـ(تأسيس).

هذه الثلة التي تضم داخلها أشخاصا من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، لا تمتلك قاعدة شعبية، ولا تحظى بحد أدنى من القبول الجماهيري، ولها ميراث سيئ في ممارسة الحكم واستغلال السلطة إبان توليها السلطة عقب إسقاط نظام البشير في أبريل/ نيسان 2019، وحتى تحالفها مع مليشيا الدعم السريع، وتدبيرها معها لانقلاب 15 أبريل/ نيسان 2023 والذي أشعل الحرب.

هذه الثلة لها ارتباطات هي الأخرى مع دوائر أجنبية معادية للسودان، وظلت تناصر مليشيا الدعم السريع في حربها ضد الجيش، وتبرر انتهاكات المليشيا في حق المدنيين، وتقدم السند الإعلامي لها، وتتبنى مواقفها وخطابها في كل المنابر التي انعقدت بخصوص الحرب في السودان.

وبعض هذه الشخصيات تمثل أحزابا وجماعات دينية وطائفية، وفي نفس الوقت تتبنى اتجاها علمانيا متطرفا وخطابا حادا ضد الجماعات الدينية، وتنادي بفصل الدين عن الدولة، بينما حليفهم الأكبر حميدتي وتنظيمه المسلح وحاضنته المجتمعية ما يزالون يتبنون خطابا دينيا، ويظهر ذلك من خلال توثيقاتهم الإعلامية، وترديدهم للتكبير والتهليل، وزعمهم أنهم يقاتلون في سبيل الله، وأن المقتول منهم شهيد.

وقد أدى حميدتي القسم واضعا يده على نسخة من القرآن الكريم، وأقسم بأنه سيحمي النظام العلماني في السودان، وهو تناقض غريب، بينما أدى نائبه عبدالعزيز الحلو القسم رافعا يده إلى الأعلى فقط، وليس على المصحف وبصيغة قسم مختلفة عن الصيغة التي رددها رئيسه حميدتي.

ويضاف لكل ذلك تذمر كثير من مكونات الحاضنة المجتمعية لمليشيا الدعم السريع من هذا الحلف الذي يجمعهم مع خصومهم التاريخيين، وهي صورة تضج بالتناقض والغرابة، وتمثل بذرة فناء ستتسبب في انهيار هذا الحلف، وحكومته في الأجل القريب.

أما من ناحية الموقف الإقليمي والدولي من الحكومة الموازية، فهو معروف، وقد تم التعبير عنه من خلال الاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وهو الرفض التام لها.

وقد بدأت بعض الأنظمة في دول جوار السودان التي تدعم مليشيا الدعم السريع، تستشعر الخطر؛ بسبب وجود مشكلات داخلية شبيهة فيها قد تقتفي أثر تجربة الحكومة الموازية، وهي أنظمة تعاني من هشاشة وعزلة داخلية، كما أن فيها امتدادات إثنية ذات صلة بمليشيا الدعم السريع.

ويمكن وبناء على كل تلك المعطيات الوصول إلى خلاصة بخصوص الحكومة الموازية، وهي أنها تمثل الورقة الأخيرة في يد مليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي، ألقوا بها على الطاولة مضطرين عساهم يكسبون الرهان.

ويقوي من وجاهة هذه الخلاصة أن المليشيا وجناحها السياسي لم يعلنوا عن حكومة موازية إبان سيطرتهم لمدة عامين على العاصمة الخرطوم، وولايات نيوز عربي، وسنار، والنيل الأبيض، وكردفان، وكانوا في أوج سطوتهم، فكيف يتم الإعلان عنها الآن، وبعد فقدانهم لكل هذه المناطق وانكسار قوتهم الصلبة، وانحسار سيطرتهم في أجزاء من دارفور، وعجزهم عن إسقاط مدينة الفاشر؟

وذلك في وقت تتزايد فيه التوقعات بانهيار وشيك لها فيما تبقى من وجود لها في دارفور تحت ضربات الحملة العسكرية التي يعد لها الجيش، والقوات المساندة له، بإستراتيجية تشابه تلك التي اتبعها الجيش السوداني، واستطاع بها إخراج الدعم السريع من العاصمة الخرطوم وبقية الولايات.

ثمة سبب آخر محتمل للإعلان عن تنصيب رئيس الحكومة الموازية ونائبه في هذا التوقيت، وهو الإلهاء بغرض كسب مليشيا الدعم السريع المزيد من الوقت لالتقاط أنفاسها وحجز مقعد لها بمستوى (حكومة) مدنية بشعارات قد تجد صدى لها في الغرب في أي محادثات سلام قادمة، أو تسوية محتملة.

ولتعزيز هذا الاتجاه قد تجنح المليشيا باسم الحكومة الموازية إلى إظهار قدر من التعاون المشروط مع المنظمات الإنسانية؛ لإيصال المساعدات للمدنيين المحاصرين في الفاشر، باعتبارها السلطة الشرعية والمسؤولة عن هذا الأمر.

وقد تساوم الحكومة الموازية المجتمع الدولي بفك الحصار عن الفاشر مقابل الاعتراف بها ولسحب البساط عن الحكومة السودانية، لكن حتى هذا الاحتمال لا يبدو في الوقت الراهن مرجحا بالنظر إلى حالة عجز قيادة مليشيا الدعم السريع عن إدارة منسوبيها من قواتها المكونة من عدة مجموعات قبلية، وحالة الانفلات، وعدم الانصياع لتوجيهات قياداتهم الميدانية، وتزايد الخلافات القبلية فيما بينهم، والتي وصلت مراحل متأخرة تنذر باندلاع اقتتال قبلي عنيف يطول أمده، ويخرج عن سيطرة الجهات الداعمة لمليشيا الدعم السريع داخل الإقليم وخارجه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة نيوز عربي.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من نحن

“نحن في موقع نيوز عربي نولي اهتمامًا كبيرًا بتجربة المستخدم، حيث يتم تحسين المحتوى والعروض الترويجية بناءً على تحليلات دقيقة لاحتياجات الزوار، مما يسهم في تقديم تجربة تصفح سلسة ومخصصة.”

البريد الالكتروني: [email protected]

رقم الهاتف: +5-784-8894-678