الحرب الأهلية اللبنانية: ذكرى الخمسين وغياب العبر – نظرة نقدية من زياد صعب
في الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، التي بدأت في 13 أبريل/نيسان 1975، يعبر زياد صعب، رئيس جمعية “محاربون من أجل السلام”، عن خيبة أمله من استمرار نهج الدولة والأحزاب اللبنانية في التعامل مع نتائج الحرب. ويؤكد صعب أن الحرب لم تنتهِ فعليًا، مشيرًا إلى أن الذكرى لم تحمل أي جديد يبعث على التفاؤل فيما يخص تحقيق مصالحة وطنية أو مراجعة نقدية شاملة.
من الحرب إلى المحاصصة
وفقا لصعب، فقد شهدت السنوات الخمسين الماضية تحولًا في الخطاب السياسي، إذ لم تحقق الدولة والأحزاب اللبنانية “مصالحة وطنية حقيقية”، بل تم استبدالها بنظام محاصصة مدمّر يعزز الانقسامات الداخلية. ومن وجهة نظره، فإن الأحزاب اللبنانية لم تقم بمراجعة جادة لتجربتها طوال فترة الحرب، باستثناء بعض التصريحات السطحية التي تهدف فقط للاستهلاك الإعلامي الحزبي.
السياسة القائمة على النسيان
أثر الحرب الأهلية لا يزال ملموسًا في لبنان، حيث خلّفت الحرب الآلاف من الضحايا ودمارًا كبيرًا في البلاد. ورغم توقيع اتفاق الطائف في 30 سبتمبر/أيلول 1989، إلا أن الدولة اللبنانية فشلت في معالجة الأسباب الجذرية للصراع. وقد اعتبر صعب أن الدولة والأحزاب المتقاتلة قد عمدت إلى “سياسة التناسي وطمس الوقائع”، وهو ما أدى إلى عدم الاستفادة من الدروس المستفادة من تلك الحرب المدمرة.
العدالة الانتقالية: غياب الأمل
لم يتبع لبنان نموذج العدالة الانتقالية الذي تبنته دول مثل جنوب أفريقيا بعد نهاية نظام الفصل العنصري. وفقًا لصعب، لم تُتخذ أي خطوات عملية نحو تحقيق العدالة للأفراد الذين عانوا جراء الحرب، سواء من الناحية القانونية أو الاجتماعية. وهو يرى أن تكرار التغني بالماضي ومجرد الحديث عن السلام دون أفعال ملموسة لن يسهم في تحسين الواقع اللبناني.
حصيلة الحرب
لا تزال حصيلة الحرب الأهلية اللبنانية تثقل كاهل المجتمع اللبناني: 150 ألف شهيد، 17 ألف مفقود، 300 ألف جريح ومُقعد، بالإضافة إلى مليون ونصف مليون مهاجر ومهجّر. وقد تسببت الحرب في انقسامات طائفية وأهلية أفقية وعمودية، وهي انقسامات ما تزال موجودة في النسيج الاجتماعي والسياسي اللبناني حتى اليوم.

دور محدود
تحول أعضاء “محاربون من أجل السلام” من مقاتلين وقادة ميدانيين خلال الحرب الأهلية إلى مقاتلين من أجل السلام، هكذا يصفهم صعب بقوله “أنجزنا مصالحات وطنية في مجموعة قرى دمرها الاقتتال الداخلي، لكن دورنا محدود، فعلى السلطة السياسية التي أحكمت قبضتها على البلد تغليب المنطق التصالحي لنتحول من رعايا إلى مواطنين، وبغير ذلك فنحن وللأسف مُقيمون بالحرب”.
وقد تزامنت الحروب الداخلية الأهلية في لبنان مع الاجتياح الإسرائيلي في يونيو/حزيران 1982، وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من المعادلة الداخلية، “اتبعها العدو باعتداءات لم تتوقف حتى اليوم”.
هواجس المكونات السياسية
بلغ التقاتل الأهلي صفوف الجسم الواحد سواء في قوى اليسار أو اليمين بحسب تصنيفات تلك المرحلة، فهل لا تزال أسباب الانفجار الأهلي الداخلي قائمة؟ وماذا عن هواجس المكونات على اختلافها؟
وتجيب نوال فارس من جمعية “اللبنانية- امرأة 31 أيار” بأن الحرب “أسقطت كل القيم الأخلاقية التي تربينا عليها، حتى أن خطاب التخوين والتخويف والشيطنة لم يتوقف خلال العهود المتعاقبة منذ اتفاق الطائف حتى اليوم”.
وأضافت في حديث للجزيرة نت “مَنْ يتابع الخطاب السياسي أو الديني للقوى الممسكة بالسلطة يلمس مستوى مخيفا من الشحن الطائفي والمذهبي المقيت”.
وبينما حذرت نوال من استمرار هذا النهج لأنه يؤدي إلى الانفجار، أمَلت من السياسيين على اختلافهم “مغادرة زواريب طوائفهم ومذاهبهم إلى رحاب لبنان الوطن الذي عرفناه قبل الحرب الأهلية” وطلبت ممن وصفتهم “أمراء تلك الحرب” بالاعتراف “بما جنت أيديهم” والاعتذار للشعب اللبناني، وإفساح المجال لجيل شاب “بعيد من التعصب لم تلوثه قذارات الحرب ومشاريعها الوهمية”.
كما رفضت مقارنة دور الجمعيات الأهلية والمواطنين اللبنانيين بسلوكية السلطة السياسية والأحزاب التي شاركت بالحرب. وقالت “نحن جمعية نهتم ببناء المرأة والطفل والعائلة، وهؤلاء هم أساس في بناء السلام الأهلي وقبول الآخر وبناء وطن نريده لكل اللبنانيين. ودورنا متواضع جدا، ولن نتخلى عن الرجاء بقيامة لبنان رغم كل الصعاب”.

فوق فوهة بركان
تحوّل الانشطار النصفي للمجتمع اللبناني -منذ 50 عاما قبل وبعد الطائف- إلى ما يشبه “تسونامي مليشياوي” خرق كل المحرمات داخل الطائفة الواحدة، فاشتعلت حروب أهلية صغيرة بين مذاهب من الطائفة الواحدة، وبين أحزاب حليفة ضد بعضها البعض، غذاها دور مريب للنظام السوري السابق، معطوف على دور لإسرائيل بتوسعة الشروخ الاجتماعية بين مكونات الشعب اللبناني.
ويقول عمر ياسين عضو الهيئة الإدارية للمجلس الثقافي للبقاع الغربي وراشيا: إن الدولة كان يجب عليها أن تكون فوق المتخاصمين بعد توقّف الحرب الأهلية، لكن وللأسف لم تقم بهذا الدور، بل بقيت أسيرة من كانوا أمراء الحرب الأهلية، لا بل إن هؤلاء أصبحوا هم السلطة، فكيف لهم أن يبنوا وطنا لجميع أبنائه؟.
وحذّر -في حديث للجزيرة نت- من أن “بذور الفتن ما تزال موجودة بالداخل اللبناني ووسط مكوناته كافة دون استثناء” وأشار إلى سلسلة حوادث أمنية ذات بُعد طائفي ومذهبي تنقلت بين بيروت والبقاع والشمال والجبل خلال العقود الثلاثة الماضية، وباختصار يقول “نحن فوق فوهة بركان، لنتنبه!”.
ورأى أن الحل يكمن في دولة قوية “تعاملنا كمواطنين وليس بحسب انتمائنا الطائفي. دولة تحاسب المرتكب، وتعمل على إلغاء الطائفية السياسية”. لكن ما حدث -برأي ياسين- أن السلطة السياسية وبدل إقرار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، أخذتنا إلى قانون انتخاب عرف بالأرثوذكسي، مما عمقَ الشرخ الطائفي والمذهبي في البلاد، وربما يكون “أحد أخطر عوامل تفجر الصراعات إذا لم يتم إلغاؤه”.