ونفى فشل السلطات الصحية في احتواء المرض، وأكد أنه لا توجد فجوة دوائية، مشيرا إلى وفرة نسبية في الدواء والمحاليل الوريدية، إلا أن حالة من الهلع والخوف دفعت بعض المرضى إلى البحث عن محاليل البندول، مما أدى إلى نفادها بسرعة من الصيدليات الخاصة، لكنها ظلت متوفرة للمرضى بالمستشفيات.
وفيما يأتي نص الحوار:
-
كيف تُقيّم وتصف الوضع الصحي في ظل تفشي حمى الضنك والملاريا في عدد من ولايات السودان؟
بالنسبة للوضع الصحي، عادة ما تكون هناك أوبئة موسمية مع فصل الخريف، خاصة حمى الضنك والملاريا، والمعروف أن الملاريا متوطنة في السودان منذ زمن. أما حمى الضنك فقد بدأت بشكل محدود في عامي 2002 و2003، لكن منذ عام 2021 بدأت تنتشر في كل ولايات السودان.
ونتيجة للحرب، أصبحت هذه الأمراض تنتشر بصورة أكبر، خاصة في ولايتي الخرطوم ونيوز عربي. أما الولايات الأخرى، فتوجد بها حالات أيضا، لكنها ليست بنفس الحدة كما في الخرطوم ونيوز عربي. وقد بدأ التعامل مع هذه الأوبئة، بحمد الله، منذ فترة مبكرة.
لكن الخراب الكبير الذي حدث في الخرطوم نتيجة لتدمير مصادر المياه والمنازل، وتراكم الركام وحطام السيارات، ونمو الحشائش والأشجار الصغيرة في بعض المناطق، يُصعّب عمليات المكافحة ويؤدي إلى زيادة البعوض الناقل، وبالتالي فإن هذه الزيادة تُعقّد جهود المكافحة. لذلك قلنا إن حملة المكافحة ستستمر لفترة طويلة، لمدة 3 أشهر.
-
ما الجهود التي قمتم بها لمكافحة حمى الضنك والملاريا، في ظل اتهامات للسلطات الصحية بالفشل في احتواء هذه الأمراض حتى الآن؟
أطلقنا منذ شهر حملة قومية لمكافحة نواقل الأمراض، تتضمن 4 محاور أساسية، تتركز على:
- مكافحة الطور الطائر.
- مكافحة الطور اليرقي داخل وخارج المنازل.
- عمليات التفتيش.
- التجفيف والمسح الحشري.
وتُنفّذ هذه الجهود بدعم من وزارة المالية بحكومة السودان، وبعض المشاركات من المنظمات، ونأمل أن تكون هناك مشاركة كبيرة من المجتمع خلال هذه الحملة.
أما فيما يتعلق بالأدوية والإمداد الطبي، فقد تم توفير المحاليل الوريدية ومحاليل البندول، ويبدو أن هناك قدرا كبيرا من الهلع والتخوف لدى الناس، بالرغم من أن هذه المحاليل الوريدية متوفرة في المستشفيات للمرضى المنوّمين، لكن لأن المرضى يبحثون عنها في الصيدليات وفي السوق الخاص، حدث هلع أدى إلى نفادها بسرعة من الصيدليات الخاصة.
وتم استيراد أكثر من 30 ألف محلول وريدي، كما وفّرت الإمدادات الطبية أكثر من 250 ألف محلول، وتم توزيعها على كل الولايات. وأنا لا أتوقع وجود فجوة، وإنما هناك تخوّف.
الأمر الثاني، هو أن البروتوكول العلاجي في الحالات البسيطة يعتمد على البندول “حبوب”، لكن الخوف يدفع المرضى إلى استخدام البندول “محلول وريدي”، وليس هناك فشل في احتواء المرض، وإنما هناك صعوبة في احتوائه بسبب تراكم النفايات، والمنازل المغلقة لفترات طويلة، وعدم القدرة على التفتيش المنزلي فيها، بالإضافة إلى حطام السيارات الذي يُشكّل بيئة مناسبة لتجمع المياه ونمو البعوض في مثل هذه المواقع.
-
ما حجم الانتشار والاستجابة للعلاج والوفيات وسط المواطنين السودانيين بسبب حمى الضنك والملاريا؟
الأمر الجيد أن معدل وفيات حمى الضنك منخفض جدا، إذ لا يتجاوز 0.2%. أما معدل انتشار المرض، فهو كبير وعال جدا، لكن أكثر من 80% من الحالات تُصنّف على أنها بسيطة، وتُعالج بالبندول والسوائل في المنزل. أما الحالات التي تُنقل إلى المستشفيات، فهي أقل من 20%، والحالات الخطيرة التي تحتاج إلى نقل صفائح لا تتجاوز 2-3%. ورغم أن معدل الانتشار مرتفع، فإن المنحنى الوبائي يُظهر انخفاضا.
-
ألا يتطلب مستوى الانتشار برأيك إعلان حالة الطوارئ الصحية وإغلاق المدارس في الولايات لمواجهة حمى الضنك؟
لا يتطلب الأمر إعلان حالة طوارئ أو إغلاق المدارس وإيقاف العمل، لأن المرض أصبح من الأمراض المتوطنة في السودان، كما هو الحال في كثير من الدول الواقعة في الشريط المداري مثل الهند وإندونيسيا والبرازيل وسنغافورة وماليزيا، حيث ينتشر المرض في هذه البلدان، لكن التعايش معه يتم من خلال عمليات الإصحاح البيئي والمكافحة المستمرة.
حمى الضنك في السودان أصبحت مثل الملاريا، حتى لو أُعلنت إجازة للناس فلن يكون لذلك أثر، لأن البعوض موجود أصلا داخل المنازل. والأساس في هذا الأمر أن يكون المجتمع كله جزءا من المعالجة وعمليات التجفيف. وستنطلق غدا الثلاثاء مبادرة “بالتجفيف الحمى تقيف” لجميع المواطنين، وسيشارك فيها الجميع، مما يُسهم في تقليل أكثر من 70% من حالات الانتشار.
-
كان هناك تقدير أولي لحجم الخسائر في القطاع الصحي، وبعد وقوفكم ميدانيا على حجم الخسائر في عدد من الولايات التي استعادها الجيش، ما تقديراتكم الحالية لحجم الخسائر جراء الحرب؟
ما زالت خسائر القطاع الصحي غير محصورة بصورة كلية في جميع أنحاء السودان، لأن بعض المناطق في كردفان ودارفور ما زالت تشهد عمليات حربية. لكن في المناطق التي وصلنا إليها وأجرينا فيها تقييما، وجدنا أن الخسائر أقل من التقديرات الأولية، نظرا لأن معظم مباني المستشفيات لم تتعرض لدمار مباشر، بل كان هناك دمار جزئي في بعضها، مما خفّض من حجم الخسائر المقدّرة سابقا.
كما حدث نهب كبير جدا للأجهزة والمعدات، لكن تم العثور على جزء منها وصيانته، مما قلّل من الحجم الكلي للخسائر. ومع ذلك، ما زالت عمليات الرصد والحسابات والمتابعة لم تكتمل بعد، وستتضح الصورة بشكل أكبر بعد الوصول إلى المناطق التي لم نصل إليها حتى الآن في كردفان ودارفور.
-
ما موقف الإمداد الدوائي في السودان، خاصة في ظل توقّف مصانع الدواء وتواتر أنباء عن نقص بعض الأدوية والمحاليل؟
هناك قدر من الاستقرار النوعي رغم الصعوبات الكبيرة في الاستيراد. وقد عادت 3 مصانع إلى الخدمة، ومن المتوقع أن تعود 7 مصانع أخرى حتى نهاية العام. وفي العام القادم، نتوقع عودة جميع المصانع للعمل، لأن حجم الدمار فيها جزئي، وهناك قابلية للتشغيل.
كما أسهم المجلس القومي للأدوية والسموم في سد الفجوة الدوائية من خلال الاستيراد خلال العام الماضي. وإذا كان المستهدف 300 مليون دولار، فإن معدل الاستيراد تجاوز حتى الآن 230 مليون دولار قبل نهاية العام، مما يدل على وجود وفرة نسبية في الأدوية.
أما بالنسبة للعلاجات المتوفرة عبر صندوق الإمدادات الطبية، مثل أدوية الكلى والأورام وأدوية طوارئ الخريف وأكياس الدم، فلم نشهد انقطاعا خلال الشهور الماضية، وهناك استقرار نسبي في جانب الدواء.
-
ما حجم تأثر القطاع الصحي بعد نزوح الكثير من الأطباء والكادر الصحي بشكل عام بسبب الحرب؟
بالتأكيد، النزوح أثّر على العاصمة، لأن الأطباء نزحوا إلى الولايات، لكن هذا النزوح أسهم في تحسين الخدمة الطبية في الولايات. والترتيب الآن يجري للنزوح العكسي المتوقع بالعودة إلى الخرطوم، مما قد يؤدي إلى ظهور بعض الفجوات في الولايات.
نعمل على برنامج لتوطين الخدمات الصحية واستقرارها في جميع ولايات السودان، خاصة في الولايات التي شهدت تحسنا في الفترة الماضية، وفي الوقت نفسه نعمل على إعادة الخدمة في الخرطوم بالتنسيق مع حكومة الولاية.

-
ما أولويات وزارة الصحة خلال الفترة المقبلة في ظل الوضع الصعب للقطاع الصحي جراء الحرب؟
نعمل على محورين أساسيين في الأولويات. المحور الأول يتعلق بالحماية الصحية، ويشمل الاستجابة للأوبئة ومكافحتها، والرصد والمتابعة المستمرة، سواء للأوبئة الحالية أو الأمراض المتفشية، خاصة أمراض الطفولة. نسعى من خلاله إلى إيصال الخدمة، وحماية البلاد من انتشار الأوبئة، والسيطرة عليها، وتقليل الوفيات.
والمحور الثاني يتماشى مع الاتجاه العالمي نحو التغطية الصحية الشاملة، ونعمل فيه على إيصال الخدمات الصحية لجميع المواطنين بعدالة في أي مكان. لدينا خارطة صحية واضحة، تشمل الحزم الأساسية المطلوبة في كل الولايات والوحدات الإدارية، وتوزيع المستشفيات والمراكز الصحية الأولية، بما يضمن عدالة توزيع الخدمات الصحية.
وهذان هما المؤشران الأساسيان اللذان نعمل عليهما. ومن خلال هذه الأولويات، نركّز على صحة الأمهات والأطفال، جنبا إلى جنب مع مكافحة الأوبئة والطوارئ الصحية، بالإضافة إلى التركيز على الخدمات الأساسية وخدمات الطوارئ في جميع المستشفيات. وننفذ ذلك من خلال العمل المجتمعي، وبالشراكة مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الأجنبية، لأن هذا الموضوع يتطلب شراكات مستمرة.
-
ما حجم تجاوب منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى والدول في دعم القطاع الصحي في السودان؟ وما أبرز المساعدات العاجلة التي تحتاجون إليها؟
وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية موجودة ولها مكاتب في السودان، وتعمل مع وزارة الصحة، وتشارك في الإمداد، ومكافحة الأوبئة، وفي مختلف الأنشطة. لكن بشكل عام، الإسهام دون المستوى المطلوب، وهم يواجهون انخفاضا في معدلات التمويل العالمية، وهذا أمر معروف.
نحن نطالب بمزيد من التخصيص والدعم للسودان نظرا للظروف التي يمر بها. ومع ذلك، فهم موجودون ويسهمون في مختلف المواقع، حتى في دارفور، حيث يشاركون في حملات التطعيم ومكافحة الأوبئة مثل الكوليرا، وتوفير التحصينات للأطفال والأمهات، وأدوية بعض الأمراض مثل الدرن والإيدز والملاريا، من خلال منحة الدعم العالمي.
كما يدعمون المستشفيات عبر مشاريع مشتركة مع منظمة الصحة العالمية، واليونيسيف، والبنك الدولي، والبنك الأفريقي. فهناك جملة من التدخلات الميدانية المشتركة، لكن الحاجة أكبر مما هو متاح حاليا.