يُلقب بـ”عرّاف أوماها”، وهو من أشهر أثرياء العالم بثروة صافية تقدر بنحو 169 مليار دولار، ويُعد من أبرز المنتقدين للسياسات التجارية التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
المولد والنشأة
وُلد وارن إدوارد بافيت يوم 30 أغسطس/آب 1930 في مدينة أوماها بولاية نبراسكا، في الغرب الأوسط من الولايات المتحدة الأميركية. أطلق عليه لقب “عراف أوماها” لأن مجتمع الاستثمار يتابع عن كثب اختياراته الاستثمارية وتعليقاته على السوق.
ترعرع بافيت في كنف عائلة مشبعة بثقافة المال والأعمال، فكان والده هوارد بافيت سمسارا في سوق الأسهم وعضوا في مجلس النواب (عن الحزب الجمهوري) 4 دورات ممثلا لولاية نبراسكا، أما والدته ليلي ستال بافيت فكانت ربة منزل، كما شاركت في إدارة استثمارات العائلة.
حرص الوالدان على تنشئة طفلهما، وهو الثاني بين أبنائهما الثلاثة، بشكل يكسبه شعورا بالمسؤولية والاعتماد على الذات، كما علّماه أصول الثقافة المالية ومبادئ الاستثمار، وشجّعاه على الاستقلالية في التفكير واتخاذ القرارات، وعلى متابعة اهتماماته وتطوير مهاراته، وغرسا فيه قيم العطاء والتبرع وفعل الخير.
وفي سن مبكرة، أبدى بافيت اهتماما بالأعمال والاستثمار، فاشترى أول سهم له وهو في الـ11 من عمره، وبعد ذلك بعامين كان قد جمع بالفعل محفظة تضم 6 أسهم.
وبدأ يطور اهتمامه بأسواق المال والأعمال بقراءة صحيفة وول ستريت جورنال، وزاد شغفه بذلك المجال عندما زار بورصة نيويورك وهو في الـ15 من عمره رفقة والده.
الدراسة والتكوين
كان بافيت متفوقا في مساره الدراسي، وتخرج في المدرسة الثانوية بمدينة أوماها وهو في الـ16 من عمره، والتحق في الموسم الدراسي (1947/1949) بكلية وارتون للتمويل في جامعة بنسلفانيا، لكنه تركها بعد عامين.
انتقل إلى جامعة نبراسكا لينكولن، ودرس مبادئ إدارة الأعمال والاستثمار، وتخرج عام 1951 في بكالوريوس العلوم في إدارة الأعمال.
بالتوازي مع تحصيله الأكاديمي، راكم بافيت خبرات مهنية متنوعة، إذ عمل في وظائف عدة، منها بيع الصحف وتوزيعها، كما اشتغل محاسبا في متجر للأثاث في نبراسكا.
بعد عام على تخرجه من الجامعة، تزوج بافيت من سوزان تومسون، وأنجبا 3 أطفال هم سوزان أليس وهوارد وبيتر.
الوظائف والمسؤوليات
في مستهل مساره المهني والاستثماري، عمل بافيت محللا استثماريا في شركة أوراق مالية بمدينة أوماها، وهناك طوّر إستراتيجياته الاستثمارية المبكرة، ثم انتقل إلى مدينة نيويورك للعمل مع معلّمه بنيامين غراهام في شركة “غراهام نيومان” الاستثمارية.
وبعد حلّ تلك الشركة وتقاعد غراهام، عاد بافيت عام 1965 إلى مسقط رأسه في أوماها، وأسس شركته الاستثمارية الخاصة “بافيت بارتنرشيب المحدودة”، التي استحوذت لاحقا على شركة “بيركشاير هاثاواي” لتصنيع المنسوجات، وحوّلها تدريجيا إلى شركة قابضة وإمبراطورية استثمارية مترامية الأطراف.

منذ عام 1970، ظل بافيت يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي والمساهم الأكبر في مجموعة “بيركشاير هاثاواي”، التي أصبحت على مر السنين واحدة من أكبر الشركات القابضة في الولايات المتحدة والعالم.
وفي خطوة مفاجئة، أعلن بافيت في مايو/أيار 2025 عزمه التنحي بحلول نهاية العام نفسه عن منصب الرئيس التنفيذي للشركة وتسليمه إلى غريغ إيبل، الذي شغل عام 2018 منصب نائب رئيس مجلس الإدارة.
وأكد بافيت أنه لن يبيع سهما واحدا من أسهم “بيركشاير هاثاواي”، مشددا على أن له “الكلمة الأخيرة” في الشركة، وأنه سيبقى رئيسا لمجلس الإدارة إلى أن يُسلم هذا المنصب لاحقا إلى ابنه هوارد بافيت عند وفاته.
إنجازات اقتصادية
قاد بافيت مدة 55 عاما مجموعة “بيركشاير هاثاواي”، التي حققت تحت إشرافه نموا كبيرا، إذ أشرف على اختيار الاستحواذات والأسهم لمحفظة الشركة.
وعلى مدى عقود، توسعت مساهمات المجموعة وأنشطتها لتضم نحو 60 شركة، من بينها “بيركشاير هاثاواي إنيرجي”، وعدد كبير من الشركات الصناعية، إضافة إلى شركة وساطة عقارية كبرى وشركات للبيع بالتجزئة مثل ديري كوين، وفروت أوف ذا لوم، وشركة غيكو للتأمين، ودوراسيل، وسيز كانديز.
وفي عام 2024، ارتفعت أسهم “بيركشاير هاثاواي” بنسبة 25%، لتصل القيمة السوقية للشركة إلى 974.3 مليار دولار أميركي، بعدما تجاوزت حاجز التريليون دولار أول مرة في 28 أغسطس/آب 2024.

أعمال خيرية
إلى جانب نجاحه الكبير في عالم المال والأعمال، يُوصف بافيت بأنه من أبرز فاعلي الخير في الولايات المتحدة، وقد تعهد بالتبرع بمعظم ثروته للأعمال الخيرية.
قدم بافيت تبرعات ضخمة لمؤسسة بيل وميليندا غيتس ومؤسسات عائلته، وشارك في تأسيس مبادرة “تعهد العطاء” مع بيل وميليندا غيتس، وهي مبادرة تشجع أصحاب المليارات على التبرع بجزء كبير من ثرواتهم للأعمال الخيرية.
وفي الموقع الإلكتروني للمبادرة، تعهد بافيت قائلا إن “أكثر من 99% من ثروتي سوف تذهب إلى الأعمال الخيرية أثناء حياتي أو بعد وفاتي”.
ورغم ثروته الكبيرة، يتبع بافيت أسلوبا متواضعا في حياته واستثماراته، إذ لا يزال يعيش في المنزل نفسه الذي اشتراه بمدينة أوماها عام 1958 مقابل 31.5 ألف دولار.
مواقف سياسية
على الصعيد السياسي، ورغم أن والده كان عضوا في الكونغرس عن الحزب الجمهوري، لم يؤيد بافيت في الانتخابات الرئاسية عام 2024 أيا من المرشحين، لا الديمقراطي ولا الجمهوري.
وفي انتخابات الرئاسة عام 2016، شارك بافيت في حملة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في مواجهة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وسابقا بدأ حملات لجمع التبرعات لصالح المرشح الديمقراطي باراك أوباما، الذي فاز بولايتين رئاسيتين (2008-2016).

وينظر إلى بافيت على أنه من أبرز المنتقدين للسياسات التجارية للرئيس ترامب، معتبرا أن فرض رسوم جمركية عقابية على بقية العالم “خطأ فادح”.
وفي اجتماع مساهمي شركته عام 2025، صرح بافيت بأنه “لا ينبغي أن تكون التجارة سلاحا. لن يكون ذلك على حسابنا، وأعتقد أنه كلما ازدهر بقية العالم، ازدهرنا نحن أيضا وشعرنا وأطفالنا بالأمان”.
وأضاف بافيت أن التجارة والتعريفات الجمركية “يمكن أن تكون من قبيل الأعمال الحربية، وأعتقد أنهما أدتا إلى نتائج سيئة، فقط بسبب المواقف التي أثارتها. وفي الولايات المتحدة، يجب أن نسعى إلى التجارة مع بقية العالم، وأن نفعل ما نجيده، وأن يفعلوا ما يجيدونه”.