بعض مكونات المعارضة داخل مجلس النواب، عبّرت بدورها عن رفضها للتعديلات التي جاء بها مشروع قانون المسطرة الجنائية، معتبرة أن المادتين 3 و 7 تضيقان الخناق على الجمعيات الجادة، وتحولان دون قيامها بدورها الرقابي، خصوصاً في ما يتصل بملفات تبديد المال العام والفساد الإداري. النائبة “طيفة الصغيري”، عن فريق التقدم والاشتراكية، صرحت خلال مناقشة المشروع بأن هناك توجهاً مقلقاً نحو تقييد مساهمة المجتمع المدني، معتبرة أن تخوف الوزارة من بعض حالات الابتزاز لا يُبرر سحب صلاحيات التبليغ من جميع الجمعيات.
وفي السياق ذاته، شددت منظمات حقوقية مهتمة بحماية المال العام على أن مشروع التعديل، بصيغته الحالية، لا يكرس ضمانات المحاكمة العادلة، بل يُضعف دور الجمعيات في التصدي للفساد، ويحدّ من حق المواطنين في اللجوء إلى القانون متى توفرت لهم المعطيات الكافية. واعتبرت أن سحب هذا الدور تحت مبرر “الابتزاز الجمعوي” هو تعميم غير مبرر يفتح الباب أمام الإفلات من العقاب، بدل تشجيع المواطنين والمجتمع المدني على الانخراط في تخليق الحياة العامة.
وبينما تؤكد الوزارة أن الهدف من التعديلات هو ضبط المسطرة الجنائية وتقنين طرق التبليغ، ترى المعارضة أن المشروع يفتقر إلى البُعد الحقوقي، ويتناقض مع روح الدستور، ويُعطي الانطباع بأن هناك جهات تحاول تحصين المنتخبين من المساءلة، تحت غطاء محاربة التجاوزات الفردية.
المحتجون على تعديلات “وهبي” يرون أيضا أن النقاش الدائر اليوم، في جوهره، يتجاوز مسألة تقنية مرتبطة بمضامين قانونية، ليمس فلسفة تدبير العدالة الجنائية في البلاد، مشددين على أن هذه العدالة إما أن تكون منفتحة، دامجة لكل الأصوات، ضامنة لحقوق المجتمع في الرقابة والمساءلة؛ وإما أن تنغلق خلف مبررات سياسية لا تخدم سوى تعزيز مناخ الحصانة والصمت.
كما أكدوا أيضا أنه في ظل ارتفاع منسوب وعي المواطن، لا يمكن مواجهة النقد والشكايات بالتشكيك في نوايا أصحابها، بل بتقوية ثقة المواطنين في المؤسسات، وضمان أن كل تبليغ، متى كان مستنداً إلى معطيات واقعية، يجد طريقه إلى التقصي والتحقيق والمحاكمة عند الاقتضاء، مشددين على أن مسؤولية وزارة العدل ليست حماية المنتخبين من النقد، بل حماية القانون من الانتقائية، وضمان أن العدالة تبقى متاحة للجميع، دون استثناء.