وهذه الأجسام -التي أُطلق عليها مجازًا اسم “قواطع الكون”- تهدد بإعادة كتابة قصة نشوء المجرات والثقوب السوداء العملاقة.
وعندما وجه الباحثون من جامعة بنسلفانيا وفِرَق دولية عدسات تلسكوب جيمس وب نحو مناطق بعيدة من الكون، لاحظوا نقاطًا شديدة الاحمرار. وفي البداية، اعتُقد أنها مجرات مبكرة مكتملة بشكل مفاجئ، لكن عند تحليل الطيف الضوئي تبين أن الضوء الصادر عنها لا يتطابق مع بصمة المجرات العادية.
وإحدى هذه الأجسام -التي لُقبت بـ”الجرف”- أظهرت خصائص مثيرة للدهشة، فهي كتلة غازية ضخمة تبعث إشعاعات قوية، وكأنها نجم عملاق، لكن في مركزها دلائل على وجود ثقب أسود فائق الكتلة.
ما سبب وجود هذه القواطع الكونية؟
النموذج الذي يطرحه العلماء الآن -حسب دراسة نشرت مؤخرا بدورية “أسترونومي آند أستروفيزكس”- يقول إن هذه الأجسام قد تكون نوعا جديدًا من “النجوم” لكن لا تعتمد على الاندماج النووي مثل شمسنا.
وبدلا من ذلك، فإن مصدر طاقة هذه النجوم هو ثقب أسود في المركز، يجذب الغاز المحيط ويطلق كميات هائلة من الإشعاع، والنتيجة كيان هجين يتكون من غلاف غازي متوهج يحيط بنواة مظلمة بالغة الكثافة.
وإذا تأكدت الفرضية، فهذا يفسر لغزا طالما حيّر العلماء يتمثل في سؤال بسيط: كيف ظهرت ثقوب سوداء عملاقة بكتل تعادل مليارات الشموس في وقت مبكر جدًا من عمر الكون؟
وقد تمثل هذه الأجسام المرحلة الانتقالية التي مكّنت الثقوب السوداء من النمو السريع، كما أن هذا يعيد النظر في النماذج التقليدية لنشوء المجرات، فما ظنناه “مجرات مكتملة” قد يكون شيئا مختلفا تماما يعتمد على هذه النجوم الغريبة.

تبقى الشكوك
رغم الحماس، تبقى الشكوك قائمة، فهذه الأجسام لم يؤكد بالفعل أنها “نجوم ثقوب سوداء” وربما تكون مجرد مجمعات نجمية غريبة أو مجرات صغيرة مضغوطة. وحتى بفرض التأكد من وجودها، فإن الدور الذي لعبتها في نمو الكون المبكر ليصل إلى ما نحن عليه الآن يظل أشد غموضا، كما يوضح بيان صحفي رسمي من جامعة بنسلفانيا المشاركة في الدراسة.
لكن ما هو مؤكد -حتى الآن- أن مرصد جيمس وب يفتح عيوننا على كون أكثر غرابة وتعقيدا مما رسمته النماذج القديمة، فالنقاط الحمراء ليست إلا قطعة صغيرة في أحجية كبرى ظهرت بوضوح ملامحها منذ أعلن المرصد عن أولى نتائجه.
بل وربما نعيش الآن -بسبب جيمس ويب ورفاقه من التلسكوبات الدقيقة الأحدث- ظروفا شبه تلك التي سبقت ظهور نظريات كبرى مثل النسبيتين الخاصة والعامة لألبرت أينشتاين.