وأفادت مصادر محلية للجزيرة نت بأن سكان المخيم فروا من جميع “المربعات” -وهي التسمية المحلية لأحياء المخيم- وسط دمار واسع طال منازلهم البسيطة، وانعدام تام لوسائل النقل، مما اضطر آلاف النازحين إلى السير على الأقدام لمسافات طويلة تحت لهيب الشمس، أو استخدام عربات بدائية تجرها الحمير.
ووفقا لشهود عيان، اندلعت اشتباكات عنيفة في الأيام الماضية عندما توغلت قوات الدعم السريع في المناطق المحيطة بالمخيم، ما دفع السكان للفرار إلى مناطق يُعتقد أنها أكثر أمانا.
وأكد الشهود سقوط قذائف هاون داخل أحياء المخيم المكتظة، ما تسبب في سقوط ضحايا مدنيين وإشعال النيران في عدد من المنازل المبنية بالطين والقش، مع إفراغ سوق المخيم من الباعة تماما.
وأكدت مصادر طبية وتقارير ميدانية أن الهجوم على المخيم أسفر عن مقتل نحو 20 مدنيا من سكانه.
قصف المسجد
وفي حدث متزامن، أكدت مصادر طبية ومحلية مقتل رئيس الإدارة الأهلية للمخيم، العمدة آدم عبد الله شرف (المعروف محليا بـ”ود الشيخ”) مع قرابة 70 من المصلين، إثر استهداف مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع مسجدا في مدينة الفاشر يوم الجمعة، في هجوم أثار موجة غضب واسعة داخليا وخارجيا.
وأدانت السعودية وقطر والولايات المتحدة قصف المسجد في الفاشر. وقال مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط مسعد بولس، في تصريح صحفي، إن الولايات المتحدة “تدين بشدة الهجوم المروع على المصلين الذين تجمعوا للصلاة في مسجد بالفاشر”.
وأضاف بولس أن هذا القصف يعد تذكيرا بالحاجة الملحة إلى السلام والاستقرار في السودان.
وفي هجوم آخر، قالت مصادر طبية للجزيرة نت إن المستشفى الوحيد العامل في الفاشر استقبل مساء أمس السبت جثامين 5 مدنيين، بينهم الأمين العام لحكومة الولاية (نائب الوالي) محمداي عبد الله آدم خاطر وزوجته، اللذان قُتلا بمنزلهما في حي الدرجة الأولى إثر قصف بطائرة مسيرة، في تطور يثير تساؤلات حول استهداف الكوادر الحكومية.
ويأتي هذا التصعيد في إطار النزاع المستمر للسيطرة على مدينة الفاشر، العاصمة الإدارية لولاية شمال دارفور، التي تعد أحد أبرز المعاقل التاريخية للجيش السوداني.
تحول خطير
ويرى مراقبون محليون أن استهداف مخيمات النزوح، التي لطالما اعتُبرت خارج دائرة الاشتباكات المباشرة، يشكل منعطفا خطيرا في مسار الحرب، إذ بات المدنيون ومناطق سكنهم في قلب العمليات العسكرية، ضمن تكتيك يُرجح أنه يسعى لتحقيق مكاسب ميدانية أو رمزية على حساب سلامة السكان.
ويُعد مخيم أبو شوك من أكبر تجمعات النازحين في شمال دارفور، ويقع على بعد نحو 4 كيلومترات شمال مدينة الفاشر، وقد أنشئ في 20 أبريل/نيسان 2004 ليكون مأوى مؤقتا للنازحين الفارين من الحرب التي اندلعت في دارفور عام 2003.
ومع مرور الوقت، تحول إلى حي سكني مكتظ، حيث كان يضم منذ بداية تأسيسه أكثر من 47 ألف نازح من مناطق جبل مرة وطويلة وشنقل طوباي، ما جعله جزءا من النسيج العمراني والاجتماعي للمدينة.
انهيار شامل
وقال مسؤول الإعلام بغرفة طوارئ مخيم أبو شوك محمد آدم في تصريح للجزيرة نت إن نحو 95% من سكان المخيم اضطروا إلى الفرار جراء القصف المدفعي المكثف، وتفاقم أزمة المياه، وانعدام المواد الغذائية الأساسية.
وأوضح أن الغالبية توجهوا إلى أحياء الدرجة الأولى بمدينة الفاشر بينما غامر آخرون بمحاولة الوصول إلى منطقة طويلة بحثا عن ملاذ آمن.
وذكر آدم أن إحصاءات الغرفة تشير إلى أن المخيم فقد منذ اندلاع الحرب أكثر من 256 ألف أسرة، فيما تجاوز عدد المصابين 1700 شخص، تتراوح إصاباتهم بين الطفيفة والبالغة.
وقبل 6 أيام، أعلن برنامج الأغذية العالمي حصوله على الموافقة اللازمة من مفوضية العون الإنساني الحكومية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الفاشر. وأشار إلى أنه لا يزال ينتظر تأكيد دعم قوات الدعم السريع لفرض وقف إنساني للقتال يسمح بمرور المساعدات.
وفي 9 سبتمبر/أيلول الجاري، ذكرت المنظمة أن أي هدنة إنسانية لن تنجح إلا بعد توافق جميع الأطراف على وقف القتال، وأوضحت أن مدينتي كادقلي والفاشر تعانيان من حصار شديد وعزلة كبيرة تمنع وصول المساعدات إليهما.
وتمثل هذه التطورات امتدادا مأساويا لمعاناة المدنيين في مدينة الفاشر المحاصرة، وسط صراع متصاعد لا تلوح نهايته في الأفق.
وتثير مشاهد النزوح والموت المتكرر تساؤلات حادة حول فاعلية المواقف الدولية، وإمكانية التوصل إلى حل عاجل يوقف نزيف الدماء ويضع حدا لانهيار الوضع الإنساني في السودان.
ويشهد السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 حربا دامية بين الجيش وقوات الدعم السريع، أودت بحياة أكثر من 20 ألف شخص، وأجبرت نحو 15 مليونا على النزوح واللجوء، وفق بيانات الأمم المتحدة.