ويرى المحلل السياسي عبد الفتاح الفاتيحي أن الجزائر “تضيق ذرعا بعوائد دبلوماسيتها الخائبة” في العديد من ملفاتها، بما في ذلك تدبير قضايا الجوار أو سبل الحوار مع شركائها الإقليميين والدوليين. ولهذا السبب، فإن أي حوار غالبا ما يتحول إلى “مدخل للصراع مع الأطراف” عبر إثارة قضايا تعتبرها الجزائر جزءا من عقيدتها في الصراعات الإقليمية والجيوسياسية، مثل الانتصار لحق تقرير مصير الشعوب والدفاع عن الأقليات.
ويضيف الفاتيحي ضمن تصريح لجريدة العمق أنه مهما ادعت الجزائر، بشكل وصف بالعبثي، تعليق مواقفها على مبادئ عامة، فإنه “لا يخفى استعمال هذه المبادئ للتدخل في الشؤون الداخلية للدول”، كما هو الحال في نزاع الصحراء ودعم الانفصال في شمال مالي، واليوم “حشر أنفها في قضايا تخص فرنسا”.
ويخلص الفاتيحي إلى أن دعم هذه المبادئ “توظفه الجزائر كآلية لتدبير صراعها مع الدول”. فبعد صراعها الإقليمي مع المغرب على ريادة الاتحاد المغاربي وشمال أفريقيا، تقوم الآن بالعمل ذاته في سياق “احترابها مع فرنسا”، بدعوى احتضان باريس لما تسميه الجزائر “حكومة جمهورية القبائل” المعلنة من قبل نشطاء قبايليين.
من جانبه، يعتبر المعارض الجزائري والناشط الإعلامي وليد كبير، في تصريح لجريدة “العمق”، أن النظام الجزائري يعكس “حالة الأزمة التي يعيشها من خلال عبث غير مسبوق”. ويشير إلى أن قناة “كنال ألجيري” الرسمية قدمت مؤخرا تقريرين مثيرين للجدل، الأول عن منطقة بريتاني شمال غرب فرنسا، والثاني عن جزيرة غوادلوب.
ويوضح كبير أنه في غضون 24 ساعة تقريبا، صدر تقريران يتحدث فيهما النظام الجزائري، أو بالأحرى يدافع من خلالهما، عن انفصال هذين الإقليمين عن فرنسا. ويرى أن النظام الجزائري “يسعى وكأنه يريد خلق ‘بوليساريو’ أخرى لفرنسا”، الدولة التي لم تتوافق معه بشأن ملف الصحراء المغربية، واصفا هذا النظام بأنه “هو الذي يذكي النزعة الانفصالية في البلدان التي يختلف معها سياسيا، ويحاول تقسيم هذه البلدان التي يراها عدوة للجزائر”.
وفيما يتعلق بوضع منطقة بريتاني، يلفت كبير إلى “الغريب في الأمر” المتمثل في استضافة شخص قيل إنه رئيس حزب، يتمتع بهامش كبير من الحرية بحكم أن فرنسا بلد ديمقراطي، وقد تحدث هذا الشخص عن وجود اختلاف بين تلك المنطقة وفرنسا، وقام التلفزيون الجزائري بالترويج لوجهة نظره. ثم انتقل التلفزيون الجزائري إلى جزيرة غوادلوب، ونقل بعض المسيرات وأحداث أخرى.
وانتقد المتحدث تناسي التلفزيون الجزائري أن سكان جزيرة غوادلوب يتمتعون بنصيب فردي من الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا يتجاوز 22 ألف يورو، بينما لا يتجاوز نصيب الفرد الجزائري 5000 دولار، متسائلا بسخرية عما إذا كان النظام الجزائري ينظّر لهؤلاء للانفصال عن فرنسا “لكي يصبح لديهم نفس مستوى الدخل الموجود في الجزائر!”. ويضيف أنه لو لم تنل الجزائر استقلالها عام 1962، لكان مستوى الدخل فيها مرتفعا بكثير عن مستوى الدخل في غوادلوب، بالنظر إلى غنى الجزائر واتساع رقعتها.
ويختم وليد كبير بالقول إن الوضعية التي يعيشها النظام الجزائري “كارثية بكل المقاييس”، وتؤكد أنه “لا يحسن إدارة أزماته مع الدول، وهي الأزمات التي يفتعلها بنفسه”، وأن مشاكله مع الجميع هي من صنع يده. ويعيد إلى الأذهان سخريته السابقة من أن الانفصاليين في بريتاني قد يتفاهمون مع الجزائر لإرجاع مدفع بابا مرزوق. ويؤكد أن النظام الجزائري “فقد بوصلته ويعيش حالة من التيه”، وأنه “ليس صادقا في رفعه لشعار حق تقرير مصير الشعوب”، بل هي ورقة يستعملها ضد الدول التي يختلف معها، وأن تبعات ما يقوم به ستلقي بظلالها على الجزائر مستقبلا.