اختتمت في العاصمة الروسية موسكو جولة مشاورات ثلاثية على مستوى الخبراء، جمعت ممثلي كل من إيران وروسيا والصين، لمناقشة تطورات البرنامج النووي الإيراني. ووصفت جميع الأطراف اللقاء بأنه “بناء ومثمر”، رغم عدم الإفصاح عن تفاصيل محددة بشأن مخرجات الحوار.
تأتي هذه المشاورات في ظل تصاعد التوترات عقب التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي أعرب عن رغبته في التوصل إلى اتفاق مع طهران إما من خلال المفاوضات أو عبر “قصف غير مسبوق” — على حد تعبيره.
وكان مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، قد رفض العرض الأميركي لإجراء محادثات مباشرة، واصفًا إياه بأنه “لا طائل منه”، في إشارة إلى فقدان الثقة بين الطرفين بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018.
ومن المنتظر أن تُعقد جولة محادثات جديدة بين طهران وواشنطن في سلطنة عُمان في 12 أبريل/نيسان الجاري، وسط حالة من الغموض بشأن فرص التوصل إلى اتفاق فعلي يعيد إحياء الاتفاق النووي.
وفي السياق ذاته، أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن روسيا تبذل جهوداً حثيثة لحل الأزمة النووية الإيرانية من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية، مشددًا على أهمية مواصلة الحوار للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.

“فرصة أخيرة” لتفادي التصعيد العسكري
يرى محللون روس أن هذه المشاورات جاءت للتوصل إلى مقاربة تفاوضية موحدة بين الدول المشاركة في الاتفاق النووي، والتي تضم بجانب إيران والولايات المتحدة كلاً من روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا وألمانيا.
ويرجّح مراقبون أن تكون التحركات الحالية بمثابة “الفرصة الأخيرة” لتفادي انزلاق الأزمة نحو مواجهة عسكرية مباشرة، خاصة مع الإصرار الأميركي والإسرائيلي على منع إيران من تطوير سلاح نووي.
وأوضح ديمتري كيم، الباحث في الشؤون الدولية، لـ نيوز عربي أن نجاح المحادثات بين إيران وأميركا في عمان سيكون مكسباً لجميع الأطراف، مشيراً إلى أن طهران قد تحصل على تنازلات اقتصادية وعسكرية من روسيا والصين في حال تخلّت عن تطوير برنامجها النووي.
كما أشار إلى أن التصعيد اللفظي عشية المفاوضات أمر مألوف، مستشهداً برسالة ترامب التي أرسلها لطهران قبل شهر، والتي منحها فيها مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق جديد، مهدداً بالحرب في حال رفضت.
في المقابل، تركت إيران “الباب مفتوحاً”، لكنها عززت موقفها بإعلان حالة التأهب القصوى لقواتها المسلحة وتجهيز الصواريخ تحسباً لأي مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة في المنطقة.
إيران وموسكو… لعبة التوازن
يرى كيم أن إيران تنتهج استراتيجية دبلوماسية متعددة الجبهات لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، سواء لرفع العقوبات أو لتجنب الحرب، بينما تسعى موسكو لاستثمار دورها كوسيط فعال دون الإضرار بعلاقاتها مع واشنطن، خاصة بشأن الملف الأوكراني.
لكن طهران تظل حذرة من الدور الروسي، خوفاً من أن تُستخدم كورقة تفاوض لتحسين العلاقات الروسية الأميركية، وهو ما دفعها لإظهار استعدادها لعقد اتفاق جديد بشروط تحفظ مصالحها.
تعقيدات المفاوضات وخيار التسوية
من جانبه، يرى دينيس كركودينوف، مدير مركز التنبؤات السياسية، أن المطالب الأميركية الحالية، والتي تتجاوز البرنامج النووي إلى دور إيران الإقليمي، قد تؤدي إلى طريق مسدود وتُفاقم احتمالات التصعيد العسكري.
وأشار إلى أن المفاوضات السابقة، والتي استمرت ثلاث سنوات وأنتجت اتفاقاً من 159 صفحة، تم الانسحاب منها عام 2018. واليوم، يُصر ترامب على إدراج قيود سياسية إضافية في الاتفاق الجديد، ما قد يعرقل العملية برمتها أو يدفع نحو سيناريو الحرب.
وأضاف أن إيران أصبحت أكثر ميلاً للتسوية في ضوء التحولات الجيوسياسية، مثل تراجع نفوذها في سوريا، وخسارة طرق الإمداد لحزب الله، وتزايد الضغوط الأميركية على الحوثيين.
ومع ذلك، يرى كركودينوف أن إيران مستعدة للأسوأ، معتبرة أن أي مواجهة مع واشنطن ستكون “وجودية ومصيرية”.
العامل الاقتصادي يشعل التوتر
تزداد الضغوط الاقتصادية على إيران مع تصاعد العقوبات الأميركية، خاصة على ناقلات النفط. ويشير كركودينوف إلى أن طهران باتت تتنافس بقوة مع صادرات النفط الروسي والفنزويلي، ما يُعقّد الموقف الاقتصادي أكثر.
رغم ذلك، فإن ما وصفه بـ “أخوة العقوبات” بين روسيا وإيران ما يزال قائماً، ويُترجم بتعاون ثنائي في مجالات الطاقة والدفاع، بما في ذلك تطوير حقول النفط والغاز.
كما عززت طهران حجم تبادلاتها النفطية مع موسكو عبر بحر قزوين، في مسعى منها للحفاظ على خطوط التصدير والتعامل خارج نظام الدولار، بما يخفف من وطأة العقوبات الأميركية.
خلاصة
تُعد المشاورات الثلاثية في موسكو محطة محورية في مستقبل الاتفاق النووي الإيراني، وسط تصاعد في لغة التصعيد من واشنطن وتحركات دبلوماسية حذرة من طهران. وبينما تلوح فرصة ضيقة لتفادي الحرب، فإن الواقع الميداني والسياسي يُبقي كل السيناريوهات مفتوحة.