ورافق بداية الكشف عن هذه المقترحات نقاش سياسي حول أهمية الإصلاحات، ودور الدولة والأحزاب والمواطنين، في ربح رهانات سياسية وتحديات ديمقراطية، خاصة في ما تعلق بتجديد الثقة في المؤسسات المنتخبة، وتعزيز المشاركة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد الانتخابي.
ويبدو من خلال استقراء أولي للمذكرات، أن الفرقاء السياسيين يضعون نزاهة وشفافية الاستحقاقات التشريعية لعام 2026 في سلم الأولويات، ويؤكدون عزمهم على الانخراط الفعال من أجل إنجاح هذه التجربة الديمقراطية بروح من المسؤولية، كما يبرز ذلك أستاذ العلوم السياسية عبد الغني السرار للجزيرة نت.
لكن المتحدث يلاحظ أنه “في الوقت الذي تطالب فيه جميع الهيئات السياسية وزارة الداخلية بتوسيع دائرة النقاش العمومي وبإشراكها الفعلي، نجدها في المقابل تبنت منهجية أحادية في صياغة مذكراتها”، حسب قوله.
مقترحات مفيدة
ركزت مذكرات الأحزاب على ضرورة تحسين الحياة العامة، وتعزيزها بكافة الضمانات السياسية والقانونية والإدارية والقضائية.
فمن جهته، أكد حزب التقدم والاشتراكية (معارض) ضرورة تحسين التقطيع الانتخابي، بما يضمن التمثيل النسبي العادل، ويعزز التعددية والكفاءة داخل مجلس النواب.
كما شدد على تحفيز المشاركة الانتخابية عبر حملات توعوية، وتسهيل إجراءات التصويت، وتشجيع الشباب والنساء ومغاربة الخارج على الانخراط الفعلي.
وبدوره، دعا حزب الاستقلال (أغلبية) إلى رفع عدد المقاعد المخصصة للنساء في اللوائح الجهوية، وفرض نسبة إلزامية للشباب في اللوائح المحلية لتعزيز تمثيلية متوازنة.
وشدد على تحديد مسؤولية الأحزاب السياسية في موافاة المجلس الأعلى للحسابات بوثائق تثبت تسليم الدعم العمومي للمترشحين، وإلزام المخالفين بإرجاع المبالغ المتحصلة واتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة لذلك.
بينما دعا حزب العدالة والتنمية (معارض) إلى مراجعة شاملة للوائح الانتخابية لضمان شموليتها وسلامتها، معتبرا أن تطوير التقطيع الانتخابي يساهم في تحقيق عدالة التمثيل وتوزيع المقاعد بما يتماشى مع التغيرات الديمغرافية.
كما أكد الحزب على أهمية اعتماد ميثاق شرف ملزم للأحزاب يمنع تزكية الشخصيات الانتخابية المشبوهة بالفساد، ويحظر شراء الأصوات واستعمال المال السياسي.
وهو ما ذهب إليه حزب الأصالة والمعاصرة (أغلبية)، مبرزا دور الميثاق في عدم تزكية المشتبه فيهم قضائيا، مع احترام قرينة البراءة، ومحاصرة حملات التضليل عبر منصات التواصل الاجتماعي.

مدخل سياسي
يؤكد أستاذ القانون الدستوري عبد الحفيظ اليونسي، في تعليق للجزيرة نت، أن لكل إصلاح في قانون انتخابي مدخلا سياسيا، يضمن بالنسبة للدولة قدرا معتبرا من المشاركة الانتخابية، لأن فيه تدعيما لشرعيتها ومشروعية فعل مؤسساتها، ولكن أيضا لها رهانا آخر هو القدرة على ضبط مخرجات العملية الانتخابية، دون وجود مفاجآت قد تربك حساباتها المستقبلية.
وتحضر المصلحة الانتخابية عند الأحزاب السياسية، بغض النظر عن عقلنة المشهد الحزبي ودعم التراكم الديمقراطي انتخابيا، بينما يراهن المجتمع على قدرة المؤسسات على الوفاء بعهودها والقدرة على التغيير الإيجابي في حياتهم وحياة أسرهم.
كما يؤكد أستاذ العلوم السياسية إسماعيل حمودي، في تصريح للجزيرة نت، أن شرط المدخل السياسي الأساس هو توفر الإرادة السياسية لدى الأطراف الرئيسية في العملية الانتخابية، وهي وزارة الداخلية بحيادها الإيجابي، والأحزاب السياسية بتحمل بعض مسؤوليتها عن الفساد الانتخابي، والقضاء الانتخابي بتدخله العاجل والتلقائي.
ويضيف أن في حال ضمان انتخابات مقبلة نزيهة وشفافة وذات مصداقية، وتحظى بالاحترام من طرف المغاربة، بمختلف قناعاتهم، فإن جميع النقائص والعيوب القانونية والتقنية التي أفضت إليها انتخابات 2021 يمكن تجاوزها وتصحيح الأوضاع المترتبة عنها.

تمثيلية متجددة
يمثل موضوع التمثيلية ونمط الاقتراع محورا أساسيا في النقاش حول إصلاح المنظومة الانتخابية بالمغرب، إذ يتصل مباشرة بمدى قدرة المواطن على التعبير عن إرادته السياسية وثقته في العملية الانتخابية.
ويشير المحلل السياسي عبد الغني السرار إلى أن نمط الاقتراع يرتبط بشكل مباشر بالتقطيع الانتخابي، الذي لاقى بدوره انتقادات حادة من لدن المعارضة السياسية، التي كانت ترى فيه أداة بيد الإدارة، تستعمله كتقنية من أجل تقوية حظوظ حزب سياسي على آخر، وكانت تنظر له لا على أساس عملية إجرائية فحسب، بل تقنية سياسية لا تسمح لها بتشكيل أغلبية مريحة ومنسجمة.
بينما يؤكد رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية جواد الشفدي أن “لوائح الكوتا (التمثيلية المضمونة) التي وضعت لتجديد النخب تحولت إلى آلية لتوزيع الامتيازات على المقربين، وأن التزكيات بقيت حكرا على الأعيان بدل أن تكون فضاء للمناضلين والكفاءات”.
ويضيف للجزيرة نت أن المطلوب ليس فقط إعادة النظر في الآليات، بل في الفلسفة التي تؤطرها، “فإن النقاش حول التمثيلية سيبقى مجرد ذريعة تقنية تخفي مأزقا أخطر يتمثل في الانهيار المستمر في شرعية العملية السياسية”، حسب قوله.

استعادة الثقة
تعتبر المشاركة السياسية واستعادة ثقة المواطن محورا حيويا لإصلاح المنظومة الانتخابية بالمغرب، إذ إن غياب الثقة ينعكس مباشرة على عزوف الناخبين وانخفاض نسبة المشاركة، ويضعف شرعية العملية الديمقراطية.
ويذهب المحلل السياسي الشفدي إلى أن المذكرات التي قدمتها الأحزاب تطرح تعديلات تقنية على القانون الانتخابي، بينما يظل التحدي الأكبر هو استعادة ثقة المواطن الذي بات يرى العملية الانتخابية بلا معنى.
ويضيف أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في مواد القانون بقدر ما تكمن في عجز الأحزاب عن تجديد نخبها، وعن مصارحة نفسها بمسؤوليتها في تكريس مشهد سياسي عقيم، إذ إن الناخبين أنهكتهم سنوات من الوعود المتكررة، ومن إعادة تدوير نفس الوجوه، واحتكار التزكيات من طرف الأعيان، حتى صارت السياسة بالنسبة لهم لعبة مغلقة لا مكان فيها للكفاءات.
بدوره، يؤكد الأكاديمي السرار أن بعض مطالب الأحزاب السياسية الرامية لمحاربة المال والفساد وشراء الذمم خاصة أثناء الحملات الانتخابية، “تبقى مسألة وشأنا داخليا قبل أن يكون من مسؤولية الإدارة الترابية”.
ويضيف أن هذه التنظيمات الحزبية هي المسؤولة عن تدبير ومنح التزكيات الانتخابية، “التي للأسف ما زالت تحكمها وتؤطرها العديد من الممارسات التقليدية، ولم تلحق بها أي تغييرات في أفق تدبيرها وفق معايير الكفاءة والاستحقاق التي تقتضيها الظرفية السياسية”.
مقترحات حزب التقدم والاشتراكية لتعزيز حضور النساء والشباب والأطر ومغاربة العالم. pic.twitter.com/RbSw8zEpYV
— PPS – حزب التقدم والاشتراكية (@PPSofficiel) September 2, 2025
شفافية مالية
تعد الشفافية المالية في الانتخابات إحدى الركائز الأساسية لضمان نزاهة العملية الديمقراطية، وتدعو الأحزاب إلى زيادة الدعم العمومي السنوي، والدعم الخاص بتمويل الحملات الانتخابية.
ويعتقد الأكاديمي حمودي أن هذين المطلبين مشروعان، لكنهما قد لا يحدان من الفساد المالي في الانتخابات، لصعوبة ضبط الأحزاب نفقاتها بالتمام، بوجود أعيان ينفقون من مالهم الخاص.
في المقابل، يبرز أن اتفاق الأحزاب على منع ترشيح من تحوم حولهم شبهات الفساد الانتخابي مدخل جيد قد يحد من الظاهرة نسبيا، وهو ما يمكن أن يقوم به أيضا تفعيل دور القضاء الانتخابي، والحياد الإيجابي لوزارة الداخلية.
لكن للبعد المالي في الانتخابات النيابية المغربية وجها آخر وهو عدم التكافؤ في القدرات المالية واللوجستية بين الأحزاب السياسية، مرده الأساسي عدم التوازن بين التمثيلية الانتخابية والحضور المجتمعي، كما يبرز المحلل السياسي اليونسي.
ويعتقد المتحدث أن ربط تمويل الدولة بعدد الأصوات ليس دقيقا ولا يحقق مقصد التنافسية الانتخابية، ولذلك لا بد من إضافة معايير جديدة من قبيل حضور النساء والشباب في اللوائح المحلية والأداء بمجلس النواب، لأن عدم التكافؤ له وجه آخر، هو أن بعض الأحزاب تعتمد على الأعيان الذين يموّلون انتخاباتهم من مالهم الخاص وليس من ميزانية أحزابهم.