مفاوضات نووية وسط أجواء متوترة
شهدت العاصمة الإيطالية روما الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران حول البرنامج النووي الإيراني. ورغم أنها وُصفت بأنها “الأكثر مهنية” من قبل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فإنها لم تسفر عن اتفاق نهائي.
جرت المحادثات في مقر سفارة سلطنة عمان في روما، بحضور المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، بالتزامن مع لقاءاته مع مسؤولين إسرائيليين قبل بدء الجولة. هذا التزامن أعاد الجدل بشأن دور إسرائيل وتأثيرها المحتمل على مسار مفاوضات واشنطن وطهران.
حق إيران في التخصيب.. عقدة المفاوضات
أشارت أستاذة العلاقات الدولية في جامعة كامبردج، روكسان فارمان فارمايان، إلى أن وصف الجولة بالمهنية يعكس التزام الطرفين، لكنها كشفت عن تحول في الموقف الأميركي. طرحت واشنطن لأول مرة مطلبًا حازمًا بوقف إيران الكامل لتخصيب اليورانيوم. هذا الشرط اعتبرته طهران خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه.
وترى فارمايان أن هذا المطلب يقلص فرص الحلول الوسط. وأكدت أن إيران لا تقبل أي اتفاق لا يعترف بحقها في التخصيب، مما يكرّس التباين الجوهري في مواقف الطرفين.
ضغوط إسرائيلية وتهديدات بتصعيد عسكري
يرى الدكتور خليل العناني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز، أن المفاوضات تعكس رغبة في تجنب الصدام. لكنه أشار إلى أن كلا الطرفين يتمسك بخطوط حمراء، أبرزها مستوى التخصيب ونطاقه.
وأوضح العناني أن الإدارة الأميركية تعاني من انقسام داخلي. فبينما يطالب تيار متشدد بتفكيك البرنامج الإيراني تمامًا، تقبل أطراف أخرى بالتخصيب السلمي المحدود وفق اتفاق 2015، مع مراقبة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
في المقابل، تطالب إيران بضمانات قانونية تمنع انسحاب واشنطن من أي اتفاق، كما حدث عام 2018. وأكد العناني أن انعدام الثقة بين الجانبين لا يزال من أبرز العقبات.
إسرائيل تصعد.. وترامب يناور
بحسب فارمايان، بدأت إسرائيل اتخاذ خطوات ميدانية استعدادًا لضرب المنشآت النووية الإيرانية. وأكدت أن هذا التصعيد يضع ضغوطًا إضافية على مفاوضات واشنطن وطهران، رغم التقدم الجزئي.
وأشارت إلى أن إسرائيل باتت على قناعة بأن المفاوضات لن تؤدي لتفكيك البرنامج النووي. تزامن ذلك مع إعلان طهران عن تطوير طائرات مسيرة قادرة على استهداف إسرائيل وقواعد أميركية في المنطقة.
يرى العناني أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى لصياغة اتفاق جديد يمنحه مكاسب سياسية داخلية. كما يهدف إلى تجنب مواجهة عسكرية، في ظل الانتشار الأميركي في الشرق الأوسط.
الكونغرس والعقبات السياسية
تواجه الإدارة الأميركية تحديًا آخر داخل الكونغرس، حيث يرفض تيار قوي موالٍ لإسرائيل أي اتفاق لا يضمن وقف التخصيب بالكامل. وترجّح فارمايان أن يتجه ترامب لتوقيع الاتفاق بصفة تنفيذية دون عرضه على الكونغرس، لتجنب التعقيدات.
ورغم المخاطر المحتملة، قد يستخدم ترامب الاتفاق كإنجاز سياسي، يتفوق فيه على سلفه باراك أوباما. لكن هذا النهج يهدد استمرارية الاتفاق إذا تغيرت الإدارة لاحقًا.
هل التوافق لا يزال ممكنًا؟
يعتقد العناني أن الظروف الحالية أكثر نضجًا من مفاوضات عام 2015. وأوضح أن هناك توافقًا متزايدًا داخل إدارة ترامب بشأن ضرورة الاتفاق. هذا الاتفاق يجب أن يبعد خيار الحرب، ويحتوي التهديد النووي الإيراني ضمن ضوابط قابلة للتنفيذ.
لكن فارمايان حذّرت من احتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية لإيران دون تنسيق مسبق مع واشنطن. وأشارت إلى اتصالات جرت بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب مقتل دبلوماسيين إسرائيليين في واشنطن، قد تعكس تنسيقًا أمنيًا جديدًا.
وشدد العناني على أن ما تطالب به إسرائيل، وهو تفكيك البرنامج بالكامل، يُعد إهانة للسيادة الإيرانية. وأكد أن واشنطن لا تتبنى هذا الطرح المتشدد حتى الآن.
واختتم العناني بالتأكيد على أن الحل ممكن إذا تم تثبيت نقطتين أساسيتين: قبول تخصيب محدود للأغراض السلمية، وضمان عدم انسحاب أميركي مستقبلي من الاتفاق. هذه الأرضية قد تتيح مسارًا سياسيًا مستقرًا للمفاوضات في المستقبل.