• Home  
  • كندا: الحي الصيني يروي قرنا ونصفا من الهجرة والصمود في قلب كالغاري
- أبعاد - ثقافة

كندا: الحي الصيني يروي قرنا ونصفا من الهجرة والصمود في قلب كالغاري

كالغاري- في قلب شارع “سنتر ستريت” النابض وبالقرب من نهر بو، وسط مدينة كالغاري بمقاطعة ألبرتا الكندية، تتفتح أبواب الحي الصيني كأنها نافذة على قارة أخرى، هنا، تمتزج رائحة الشاي الصيني العتيق بعبق الأطباق التقليدية التي تتصاعد من المطاعم، وتتشابك ألوان اللافتات الحمراء والذهبية المكتوبة بخطوط صينية مهيبة مع إيقاع الحياة الكندية التي توازن بين […]

كندا: الحي الصيني يروي قرنا ونصفا من الهجرة والصمود في قلب كالغاري
كالغاري- في قلب شارع “سنتر ستريت” النابض وبالقرب من نهر بو، وسط مدينة كالغاري بمقاطعة ألبرتا الكندية، تتفتح أبواب الحي الصيني كأنها نافذة على قارة أخرى، هنا، تمتزج رائحة الشاي الصيني العتيق بعبق الأطباق التقليدية التي تتصاعد من المطاعم، وتتشابك ألوان اللافتات الحمراء والذهبية المكتوبة بخطوط صينية مهيبة مع إيقاع الحياة الكندية التي توازن بين العصرية والحداثة.الحي ليس مجرد مجموعة من المحلات والمطاعم، وإنما هو أرشيف حي لذاكرة جماعية بدأت فصولها قبل 160 عاما، حين وطئت أقدام المهاجرين الصينيين أرض كندا بحثا عن الذهب، ثم وجدوا أنفسهم يبنون خطوط السكك الحديدية التي ربطت البلاد من شرقها إلى غربها، قبل أن تتحول إلى حجر أساس في نسيج المجتمع الكندي.

“توني وونغ” الرئيس السابق للمركز الثقافي الصيني في كالغاري (نيوز عربي)

من حمّى الذهب إلى شوارع كالغاري

يستعيد توني وونغ، الرئيس السابق للمركز الثقافي الصيني في كالغاري، جذور الحكاية قائلا “في عام 1860، كان نهر فريزر في كولومبيا البريطانية مسرحا لحمى البحث عن الذهب، فجذب آلاف المهاجرين الصينيين، لكن بعد أن انطفأ بريق الذهب، احتاجت الحكومة الكندية إلى أيد عاملة لبناء خط السكة الحديدية حتى ساحل فانكوفر، فاستقدمت عمالا من الصين مباشرة”.

في عام 1885 اكتمل المشروع، لكن الأوامر كانت قاسية بالاستغناء عن جميع العمال فجأة، حيث وجد نحو 17 ألف عامل صيني أنفسهم بلا عمل ولا لغة، ومع ذلك شقوا طريقهم بـ3 مهن أساسية: غسيل الملابس، فتح المطاعم، وتأسيس متاجر البقالة.

على طول خطوط السكة الحديدية، مشى بعضهم حتى وصل إلى مدينة كالغاري، حيث ظهرت أول “تشاينا تاون” في ثمانينيات القرن التاسع عشر، لتبدأ رحلة استقرار امتدت عبر 3 مواقع مختلفة داخل المدينة، انتقلت معها الجالية مرارا بفعل ضغوط التمييز العنصري وارتفاع أسعار الأراضي.

سقف قبة المركز الثقافي من الداخل مطرزا بألوان الأزرق والأصفر والأخضر
سقف قبة المركز الثقافي من الداخل مطرزا بألوان الأزرق والأصفر والأخضر (نيوز عربي)

قلب نابض بالثقافة

اليوم، يقف المركز الثقافي الصيني في قلب الحي، مهيبا بقبة زرقاء مستوحاة من “معبد السماء” في بكين الذي يعود تاريخه إلى 600 عام.

في الداخل، تمتد الزخارف الزرقاء والصفراء والخضراء على السقف، فيما تصطف الصور التاريخية والمجسمات والتحف على الجدران كأنها صفحات مفتوحة من كتاب الهجرة الصينية.

يقول وونغ “لدينا صور تعود إلى مطلع القرن العشرين تظهر مشاركة الصينيين في مهرجان كالغاري ستامبيد قبل أكثر من 130 عاما، وهذا دليل على التفاعل المبكر بين الثقافة الشرقية والغربية”.

ويضيف، هذه الروابط لم تكن ثقافية فقط، بل إن الجالية الصينية ساهمت في جمع التبرعات خلال الكوارث، وشارك أبناؤها في صفوف الجيش الكندي خلال الحرب العالمية الثانية.

شخصيات صينية اعتبارية وأخرى من مختلف الثقافات ونائب برلمان خلال افتتاح المهرجان
شخصيات صينية اعتبارية وأخرى من مختلف الثقافات ونائب برلمان خلال افتتاح المهرجان (نيوز عربي)

مهرجانات وجسور إنسانية

رأس السنة الصينية هو العيد الأبرز، حيث تمتلئ القاعات والشوارع المجاورة بالرقصات التقليدية والتنانين الحمراء العملاقة، ويشارك فيه ممثلون عن الحكومات المحلية والفدرالية، وسط حضور جماهيري وإعلامي لافت.

ولا يقتصر نشاط المركز على هذه المناسبة، بل يشمل مهرجان “تشينغ مينغ” في أبريل/نيسان و”مهرجان التنين” في يونيو/حزيران و”مهرجان منتصف الخريف” في سبتمبر/أيلول إضافة إلى عروض الأوبرا الصينية والفعاليات الثقافية والتعليمية على مدار العام.

في صباح يوم 16 أغسطس/آب 2025، انطلقت فعاليات مهرجان الحي الصيني في قلب الحي بمدينة كالغاري النابض بالحياة، بحضور نخبة من الشخصيات السياسية والمجتمعية، إلى جانب مئات المواطنين من خلفيات ثقافية متنوعة، وسط أجواء احتفالية مفعمة بالبهجة.

وتضمّن المهرجان مجموعة من الأنشطة التي تجسد الثقافة الصينية، مثل عروض رقصات التنين والأسد التقليدية، وورش عمل لتعليم فن الخط الصيني وصناعة الفوانيس الورقية، إضافة إلى عروض موسيقية تعزف على آلات تقليدية مثل الإرهو والغوزينغ.

كما شهد المهرجان سوقا مفتوحا يضم أكشاكا تقدم أطباقا صينية تقليدية، مثل الديم سام والزلابية المقلية وغيره الكثير، مما أضفى نكهة خاصة على التجربة.

مايك جينينغز (كندي الأصل) عبر عن سروره وسعادته بزيارة مهرجان الحي الصيني
مايك جينينغز (كندي الأصل) عبر عن سروره وسعادته بزيارة مهرجان الحي الصيني (نيوز عربي)

ترويج للأعمال وتعزيز التواصل

وتجولت نيوز عربي في أروقة المهرجان، واستطلعت آراء مواطنين، حيث عبر الزائر مايك جينينغز (كندي الأصل) عن سروره وسعادته بزيارة مهرجان الحي الصيني، قائلا: “إنه رائع هناك الكثير من الناس من خلفيات مختلفة، وهذا أمر جميل جدا، أنا وشريكتي نهتم حقا بمعرفة ما يجري في الثقافات الأخرى حول العالم.

ويضيف للجزيرة نت “نحن نحضر جميع المهرجانات الثقافية التي تقام في المدينة خلال فصل الصيف، وأعتقد أن على الجميع زيارة هذه المهرجانات ليروا كيف تحتفل الثقافات الأخرى.”

رائد الأعمال الناشئ، هاري لي (فيتنامي الأصل)، مشارك في مهرجان الحي الصيني، قال إنه جاء اليوم لعرض منتجات مستوردة من فيتنام والفلبين، مثل خشب “الإيغا” والبخور الطبيعي.

هاري لي (فيتنامي الأصل) خلال مشاركته في مهرجان الحي الصيني، جاء لعرض منتجات مستوردة من فيتنام والفلبين
هاري لي (فيتنامي الأصل) خلال مشاركته في مهرجان الحي الصيني، جاء لعرض منتجات مستوردة من فيتنام والفلبين (نيوز عربي)

وأضاف في حديثه لـ”نيوز عربي” أنه اختار المشاركة في المهرجان الصيني تحديدا لضخامته، حيث يستقطب عددا كبيرا من الزوار، مشيرا إلى أن هذه مشاركته الثانية بعد حضوره العام الماضي، معربا عن سعادته بالإقبال الكبير من الزوار واهتمامهم بمنتجاته.

وأوضح هاري أنه يعمل عادة عبر الإنترنت، لكن حضوره في المهرجان يتيح له فرصة التعريف بمنتجاته مباشرة أمام الزوار والتواصل الشخصي مع زبائنه، معربا عن رغبته في الاستمرار بالمشاركة في السنوات المقبلة متى سنحت له الفرصة.

ويجذب الحي زوارا من الولايات المتحدة والصين وأوروبا وأفريقيا، يجدون في شوارعه فرصة لتذوق نكهات آسيا وتاريخها دون مغادرة كندا، العمارة الفريدة للمركز، المستوحاة من إرث عمره قرون، تجعل منه محطة رئيسية في مسارات السياحة الثقافية.

أنشطة ترفيهية وفقرات موسيقية تعكس الثقافة الصينية
أنشطة ترفيهية وفقرات موسيقية تعكس الثقافة الصينية (نيوز عربي)

تحديات معاصرة وذاكرة حية

ورغم الاستقرار فإن التحديات لم تغب، فقد واجه المجتمع الصيني موجة من الكراهية العنصرية خلال جائحة كورونا، مما أعاد التأكيد على أهمية التعريف بالثقافة الصينية وتعزيز التواصل مع المجتمعات الأخرى، كما أن الجيل الجديد يواجه اختبار الحفاظ على الإرث الثقافي في عالم يتغير بوتيرة متسارعة.

في كالغاري، لا يُختزل الحي الصيني في مبان ومحلات، بل في حكايات العابرين والجالسين على طاولات الشاي، وفي صور قديمة تروي كيف أصبح مجتمع صغير مهاجر جزءا أصيلا من نسيج مدينة كندية كبرى، يمتزج فيها صوت الماضي مع إيقاع الحاضر، ويستمر الحي كجسر يربط الشرق بالغرب، حاملا رسالة أن الثقافة مهما ابتعدت جغرافيا، قادرة على أن تجد بيتا جديدا وتبقى حياة للأجيال القادمة.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من نحن

“نحن في موقع نيوز عربي نولي اهتمامًا كبيرًا بتجربة المستخدم، حيث يتم تحسين المحتوى والعروض الترويجية بناءً على تحليلات دقيقة لاحتياجات الزوار، مما يسهم في تقديم تجربة تصفح سلسة ومخصصة.”

البريد الالكتروني: [email protected]

رقم الهاتف: +5-784-8894-678