الدوحة – “لا بد من صنعاء وإن طال السفر” كان عنوان أول ديوان للشاعر اليمني عبد العزيز المقالح، الذي أقعده المرض عن حضور فعالية مكتبة قطر الوطنية مساء أمس الأحد احتفاء بمرور 51 عاما على صدور باكورة دوواينه، وذلك على هامش احتفاء المكتبة بالتراث الثقافي والأدبي اليمني.
وتضمنت الفعالية، التى شهدها كل من وزير الدولة القطري ورئيس مكتبة قطر الوطنية الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، وسفير جمهورية اليمن لدى دولة قطر راجح حسين بادي، عرض فيلم قصير عن المقالح، وكلمة للروائي التونسي نزار شقرون، فضلا عن أنشطة ثقافية وفنية أخرى، منها قراءات في شعر المقالح وعزف منفرد على العود.
ويأتي الاحتفاء بالشاعر اليمني على هامش المعرض الثقافي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، والذي يسلّط الضوء على تقاليد هذه الدول عبر برنامج حافل بالفقرات والفعاليات واللقاءات الحوارية والأنشطة اليدوية للزائرين.
وأكد الدكتور حمد الكواري في كلمته بالفعالية أن المقالح يعد صوتا استثنائيا للشعرية العربية، فقلمه لصيق بوطنه، وقد حمل منذ صباه ليس أوجاع اليمن فقط، بل أوجاع أوطان العرب جميعا، موضحا أن المقالح استطاع أن يحفر مجرى نهره الخاص في الشعر العربي، فعبرت شعريته عن حاجات الإنسان وآماله بلغة جديدة ومتجذرة في بيئته المحلية ومتجاوزة لها في آن واحد لاتصالها بمحن الإنسان العربي.
علامة مضيئة في الوطن العربي
وأضاف في حديث للجزيرة نت، أنه لا يمكن لأي مثقف عربي أن ينكر فضل الشاعر والناقد اليمني الكبير على الشعر والثقافة العربية حتى أصبح علامة مضيئة في الوطن العربي، مشيرا إلى أن تكريم المقالح يأتي بمناسبة مرور أكثر من نصف قرن على أول كتاب صدر له، وبمناسبة إهدائه مؤلفاته لمكتبة قطر الوطنية.
وأوضح الكواري أن هذا الاحتفال في حد ذاته هو أحد دلائل الصداقة، خاصة في هذه الأيام التي تعيشها قطر، وأنه على الرغم من التركيز على استحقاق كأس العالم، فإن الحياة مستمرة في جميع المجالات ومنها المجال الثقافي.
وأشار إلى أن الاحتفاء ليس مقصورا على العرب فقط، فمنذ أيام قليلة تم الاحتفاء بشعراء من آسيا الوسطى وأفريقيا وأميركا اللاتينية، موضحا أن الصروح الكبيرة مثل مكتبة قطر بنيت من أجل رسالة هامة، وهي أن تكون الدوحة عاصمة أبدية للثقافة العربية.
وأضاف أن الأمم تتفاخر وتزهو بأدبائها ومفكريها أكثر من مواردها وثرواتها واقتصادها، موضحا أن هذا الأمر جزء أصيل من رسالة المكتبة ورؤيتها.
المقالح وحد الشعراء
من جهته أكد السفير اليمني بالدوحة راجح بادي للجزيرة نت أن الشاعر عبد العزيز المقالح لم يحمل هموم اليمن فقط، بل حمل هموم العرب جميعا منذ بدايته في نظم الشعر قبل أكثر من نصف قرن، موضحا أن المقالح دائما ما يعبر في كلماته عن الحب والتقدير لكل ما هو عربي.
وأشار إلى أن المقالح لم يكن يمنيا فقط، بل كان عربيا خالصا، “فقد استطاع توحيد الشعراء وجعل صنعاء قبلة المثقفين والشعراء العرب الكبار أمثال محمود درويش وأحمد علي سعيد (أدونيس) وغيرهما من الكثيرين الذين عشقوا صنعاء حبا في الشاعر عبد العزيز المقالح”.
وأضاف السفير اليمني أن المقالح ظُلم إعلاميا في السنوات الأخيرة التي مرت بها اليمن ويمكن أن نطلق عليها العشرية السوداء، والتي تسببت في عدم معرفة الأجيال العربية الجديدة بالدكتور المقالح جيدا.
وتابع “لكن المؤكد أنه قامة عربية كبيرة وينتمي لجيل الكبار، فلا يكاد يوجد شاعر أو مثقف عربي لا يعلم من هو المقالح ولا يعرف إضافاته للشعر العربي وللمكتبة الثقافية اليمنية والعربية، ولكن الظروف التي مر بها اليمن أثرت كثيرا على حضور الشاعر الكبير في المحافل الدولية”.
رائد في القصيدة الحديثة
وقال الشاعر والأديب المستشار بوزارة الثقافة القطرية نزار شقرون للجزيرة نت إن الحديث عن الشعر اليمني بشكل خاص والعربي بصفة عامة لا يستقيم إلا بذكر الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح، الذي كان شعره للوطن وللعروبة، وكان شاعرا مجددا في تجربة الشعر العربي الحديث، فهو إضافة لانتمائه إلى حركة رواد الشعر في القصيدة الحديثة، فقد استطاع أن يبني لنفسه أسلوبا شعريا خاصا، وأن يحرر القصيدة التقليدية بحيث يبني من خلالها عالما شعريا قابلا للتأقلم مع السياقات الاجتماعية والحضارية الجديدة.
وأضاف أن انتماء المقالح إلى حركة الشعر العربي هو انتماء الثائر، لأنه كان في تصوره للشعر ثوريا، وبقدر ما كان يؤمن بأهمية الإيقاع والموسيقى والوزن في القصيدة والصورة، فلم يكن منغلقا على الشعرية الجديدة، فقد استطاع أن يرسم أفقا جديدا للشعرية العربية.
وأشار إلى أن المزية في عبد العزيز المقالح هي قدرته على نقل الشعر اليمني نقلة كبيرة إلى شعر الحداثة، إذ أصبحت المعاني الشعرية حديثة في مستوى القضايا، ولكنها في مستوى الشكل والأسلوب بقيت على وفائها قدر الاستطاعة للشعرية العربية القديمة، ولذلك فإن شعره قريب لقارئه.
وأكد شقرون أن أثر وفضل المقالح على الثقافة والشعر العربي كبير، وسيظل الشاعر الكبير قدوة لكثير من الشعراء الذين يؤمنون بأن الشعر لا يمكن أن يقطع مع الأجيال، وأن الشعر هو بناء وليس طاقة هدم، وأنه تقريب للشقة أكثر من زرع للفتنة.
وأضاف أن المقالح كان يؤمن بالدور النقدي، فلم يتراخ أو يجلس في كهف الشعر، بل كان مناضلا في الميدان، وأيقونة من أيقونات الثورة اليمنية، كما واصل جهده الجامعي الأكاديمي والثقافي، فهو يعطي صورة للمثقف العربي الذي لا يتخلى عن مسؤولياته.
مشعل الحداثة الشعرية فى الوطن العربي
ورأى الأديب والأكاديمي الجزائري عز الدين جلاوجي -في تصريح للجزيرة نت- أنه يمكن اعتبار المقالح أحد أقطاب الجيل الشعري الذي تلا جيل النهضة العربية الأولى، موضحا أنه انفتح على التجارب الغربية والعالمية، مما مكنه من حمل مشعل الحداثة الشعرية في الوطن العربي.
وأشار إلى أن المضمار كان مكتظا والسباق محموما، وأفرز قامات مثل السياب ونازك وعبد الصبور والبردوني، ولا شك في أن عبد العزيز المقالح كان واحدا منهم بما امتلكه من أدوات فتحت أمامه الباب واسعا، فهو إضافة إلى موهبة المبدع لديه، ناقد عميق النظر في المنجز الشعري العربي.
وأضاف أن المقالح له إسهامات مهمة منها “الشعر بين الرؤيا والتشكيل” و”أزمة القصيدة الجديدة”، وقد تشكلت لديه بفعل تكوينه الأكاديمي الرصين، ومتابعاته الذكية للقصيدة العربية التي شهدت آنذاك تخلقاتها العميقة وتحولاتها الكبرى.
وأشار إلى أنه ظل بما امتلك من حس إبداعي يتقلب في رحم التجديد يتتبع مساره بوعي عميق، متنقلا كما النحلة بين القصيدة الكلاسيكة التي امتلك أدواتها والقصيدة المعاصرة في هندستها ولغتها وصورها وكل خصائصها، دون أن يغفل عن استدعاء الموروث من خلال رموزه التي تجلت حتى في عتبات دوايينه.
وأكد أن المقالح تجاوز القصيدة العربية الكلاسيكية التي ظلت سيدة المشهد حتى مع شعراء النهضة العربية الأولى، إضافة للمضامين الفكرية التي اكتنزت بها نصوصه، فقد كان يؤمن بأن الشعر رسالة في الرؤية، فارتبط شعره بقضايا الإنسان عموما والعربي خصوصا.
المصدر : الجزيرة