المولد والنشأة
وُلد عمير دعنا (أبو سلام) في مدينة القدس عام 1929، وكان يقطن في باب السلسلة في البلدة القديمة.
بدأ حياته المهنية مبكرا في سن السابعة، إذ اضطرته ظروف الفقر القاسية إلى العمل في هذا العمر الصغير بعد اعتقال السلطات البريطانية والده عطا دعنا وثلاثة من أشقائه عقب اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936.
وقد أُلقي القبض على والده، في حين حُكم على أحد إخوته بالإعدام، وزج الإنجليز بآخر في السجن خمس سنوات، في حين أمضى الثالث سنوات طويلة في الأسر.
تزوج من أم سلام، ابنة الشهيد علي طه، أحد القادة الفدائيين البارزين والذي كان المسؤول الأول عن تنفيذ اختطاف طائرة “سابينا” عام 1972 برفقة ثلاثة من عناصر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).
وقد هدفت العملية إلى لفت أنظار العالم إلى قضية الشعب الفلسطيني، وحقه في الأرض والاعتراف بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية، فضلا عن السعي لتحرير الأسرى. وقد اشترط الفدائيون آنذاك الإفراج عن الأسرى في غضون ست ساعات وإلا سيتم تفجير الطائرة.
أنجب عمير دعنا خمسة أبناء، من بينهم أربعة أطباء، وهم: سلام ومازن وسامر، إضافة إلى نادر الحاصل على ماجستير في المختبرات الطبية، وابنة واحدة.
الدراسة والتكوين
لم تُتح لعمير دعنا فرصة الالتحاق بالمدرسة، إلا أنه علم نفسه القراءة والكتابة باللغتين العربية والإنجليزية، مستعينا برجالات المقهى الذين كان يبيع لهم الجرائد.
وقد عبّر عن تجربته هذه في مقابلات منشورة بقوله “كنت أنظر إلى الأطفال يحملون حقائبهم ويذهبون إلى المدرسة، وكنت أتألم. لكن شوقي للتعليم دفعني لأن أعلّم نفسي”.
بعد اندلاع الثورة الفلسطينية عام 1936، رأت والدة عمير دعنا أنه من الضروري أن يعمل هو وشقيقه للمساهمة في إعالة الأسرة، وكان حينها في السابعة من عمره.
بدأ الاثنان العمل مياومين (عتالين) إلى أن التقيا صدفة بموزع جرائد يُدعى يعقوب الجولاني، فأخذ كل منهما خمس نسخ من صحيفة فلسطين، التي كان يصدرها عيسى العيسى، وشرعا في بيعها في الشوارع، ثم في المقاهي مقابل نصف قرش لكل نسخة.
كان عمير يستغل فرصة بيعه الصحف ليسأل الزبائن عن الحروف والكلمات، فيدوّنها ثم يحفظها، فكانت هذه طريقته لتعلم القراءة والكتابة.
كما كان حريصا على التحدث مع السياح الأجانب الذين يمرون من باب العامود قاصدين الأماكن المقدسة في البلدة القديمة؛ فإذا سأله أحدهم عن موقع ما، كان يجيبه ويفتح معه حوارا ليتمكن من التحدث باللغات الأجنبية، وبهذه الطريقة أتقن عدة لغات منها الإنجليزية والعبرية والألمانية والفرنسية.
ومع مرور الوقت، وبعد إتقانه القراءة والكتابة، بدأ يراسل المجلات الفنية المصرية، ويكتب أخبار الفن والحركة الثقافية في فلسطين.
لاحقا اختار زاوية مقابلة لباب العامود في القدس، وجعل منها منصته الخاصة، وكان يعرض فيها الصحف المحلية والكتب والمجلات الثقافية والإبداعية، التي لم يكن الكثيرون يجرؤون على تداولها أو عرضها علنا.

التوجه الفكري
كان أبو سلام يحمل توجها فكريا شيوعيا، مما شكّل أحد الأسباب التي قوبل بسببها بالرفض من بعض العائلات عندما كان يتقدّم لطلب الزواج من بناتها.
التجربة السياسية
انخرط أبو سلام في العمل السياسي مبكرا، ففي أربعينيات القرن العشرين انضم إلى “رابطة المثقفين العرب” في باب الخليل بالقدس.
ومع مرور الوقت تبيّن له أن الرابطة لم تكن مجرد إطار ثقافي، بل كانت واجهة للحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي تبنّى الدفاع عن حقوق العمال والفقراء وناهض الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية. وقد وجد دعنا نفسه منسجما مع هذه المبادئ، فانضم إلى الحزب.
غير أنه في عام 1948 قرر الانسحاب من الحزب احتجاجا على قبوله بـقرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، وهو ما رآه دعنا تنازلا مرفوضا عن الحق الفلسطيني.
لاحقا انضم إلى “اللجنة القومية”، ثم خدم 13 شهرا في صفوف جيش التحرير، لكن بسبب ضعف الإمكانيات وعدم قدرة الجيش على دفع رواتب مجنديه، أصبح تحت إمرة الجيش الأردني، الذي خصص لكل مجند راتبا شهريا قدره 10 دنانير.
شارك أثناء هذه الفترة في معارك عدة، من بينها معركة في منطقة “الجيعة” قرب بلدة نحالين، وفيها أُصيب إثر انفجار لغم.
رغم انشغاله بالنشاط السياسي، لم يتوقف أبو سلام عن بيع الصحف، وفي مرحلة لاحقة عاد إلى صفوف الحزب الشيوعي بعد أن تراجع الأخير عن موقفه السابق تجاه قرار التقسيم، وتحولت “بسطة الكتب” التي كان يديرها أمام باب العامود إلى مركز غير رسمي للحزب، الذي كان محظورا آنذاك.

ومن خلال هذه البسطة، كانت توزّع مناشير الحزب، وتُعلن قراراته وتُنظّم المهام الحزبية، لكن سرعان ما كُشف أمره، وأصبح تحت رقابة مشددة من السلطات.
ولم يخلُ نشاطه السياسي من الاعتقال، إذ اعتُقل في السجون الأردنية، وأمضى فيها نحو سنة ونصف السنة، وفي تلك الفترة تعرّف على عدد من المثقفين وأعضاء الأحزاب الشيوعية والتقدمية، من بينهم يعقوب زيادين الذي كان يزوّده بالكتب بشكل منتظم.
وقد بلغ عدد الكتب التي قرأها في السجن نحو 600 كتاب، أسهمت بشكل كبير في توسيع معارفه الثقافية، حيث تعرّف من خلالها على الأديان السماوية ومعتقدات الأحزاب المختلفة، مما عمّق رؤيته الفكرية والسياسية.
كما اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي مرات عدة، ورغم هذه التضييقات، كان يتمتع بروح مرحة وطيبة قلب، وعُرف بحسّه الفكاهي وخفة دمه، مما جعل العديد من الشباب ينجذبون إلى الحزب من خلاله.
وكان يُدرّس سبع خلايا حزبية أسبوعيا، بمعدل خلية كل ليلة، مواظبا على التثقيف السياسي ونشر الوعي بين الشباب.
مؤلفاته
إلى جانب مراسلاته مع المجلات الفنية المصرية، كتب العديد من القصص القصيرة، من بينها قصة بعنوان “القرش” وأخرى بعنوان “الليرات العشر”.
وكان يعرض مؤلفاته ويشارك بها في اللقاءات والندوات التي جمعت المثقفين في القدس، إلى جانب نشرها في الصحف.
الوفاة
توفي عمير دعنا (أبو سلام) يوم 25 فبراير/شباط 2015 عن عمر ناهز 86 عاما، وبعد وفاته بعشرين يوما، أزالت بلدية الاحتلال بسطة الكتب التي كانت بمثابة معلم بارز في القدس وباب العمود، والتي ظل يعمل فيها أبو سلام أكثر من سبعة عقود.