الخبر سرعان ما تحول إلى موجة تضامن واسعة، شارك فيها سياسيون محليون وصفحات إخبارية إقليمية، وحظيت أخبار الحدث بآلاف التفاعلات.
كما انتشرت صور ومقاطع مصاحبة تزعم أن عمليات الإنقاذ جارية، في حين روجت حسابات أن القرية “طُمرت بالكامل”.
كيف بدأ الادعاء؟
في الأول من سبتمبر/أيلول الجاري، أعلنت السلطة المدنية التابعة لحركة جيش تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور، في بيان رسمي، أن الانزلاق الأرضي الناجم عن الأمطار الغزيرة في قرية ترسين أسفر عن “أكثر من ألف ضحية”، مطالبة الأمم المتحدة بتدخل عاجل.
وأضاف البيان أن المعلومات الأولية أشارت إلى أن جميع سكان قرية ترسين قد قضوا جراء الانهيار، وأن عددهم يقدر بأكثر من ألف شخص، ولم ينج منهم سوى فرد واحد فقط، وأن القرية، التي تعرف في جبل مرة بإنتاج الموالح، “سويت بالأرض تماما”.
وبالتزامن مع بيان الحركة، أصدرت جهات محلية ودولية بيانات نعي، من بينها حكومة السودان عبر مجلس السيادة ورئيس الوزراء كامل إدريس، مؤكدين حشد الدعم والإغاثة للمنطقة المنكوبة، كما وصف حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، الكارثة بأنها “مأساة إنسانية تفوق حدود الإقليم”.
وانتشرت على منصات التواصل تغريدات ومنشورات تزعم أن قرية ترسين محيت بالكامل، وأن جميع سكانها البالغ عددهم أكثر من ألف شخص قضوا تحت الأنقاض ولم ينج سوى فرد واحد، وهي رواية حصدت تفاعلات واسعة وتعاطفا كبيرا.
خبر من السودان قبل قليل…
قرية اسمها “ترسين” غرب السودان حصل فيها انهيارات أرضية ضخمة جداً لدرجة أن القرية طُمرت بالكامل ومات جميع سكانها البالغ عددهم أكثر من 1000 شخص وأصبحوا تحت التراب، هناك شخص واحد فقط تمكن من النجاة بحياته.
حالياً هناك نداءات استغاثة لتدخل الأمم المتحدة… pic.twitter.com/7u3UrYKNhB
— إياد الحمود (@Eyaaaad) September 1, 2025
أرقام بلا أدلة
أظهرت مراجعة بيانات الأطراف المختلفة تفاوتا كبيرا في الأرقام وغياب أي أدلة ملموسة تدعمها، فبعد أن أعلنت حركة جيش تحرير السودان سقوط أكثر من ألف قتيل، عاد متحدثها الرسمي بعد 24 ساعة ليؤكد انتشال نحو 100 جثة فقط من القرية.
ورغم خطورة الرقم الأول، لم تنشر أي صور أو مقاطع مصورة توثق عمليات انتشال بهذا الحجم أو تظهر دمارا يوازي حجم الفاجعة المعلنة.
وفي المقابل، صرح رئيس السلطة المدنية التابعة للحركة، فور وصوله إلى موقع الحادث يوم الثالث من سبتمبر/أيلول الجاري، أن عدد الضحايا “يفوق الألف” مع تسجيل نفوق أعداد كبيرة من الماشية.
لكن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA) أكد في بيان أنه من الصعب التحقق من حصيلة دقيقة، مشيرا إلى أن بعض المصادر المحلية تحدثت عن ألف قتيل، في حين قدم الشركاء الإنسانيون تقديرات أقل بكثير، وأعلن المكتب عزمه إرسال فريق ميداني للتقييم.
كما نفى منسق الشؤون الإنسانية في دارفور صحة الأرقام المتداولة عن “ألف قتيل”، مؤكدا أن القرية تضم بين 17و20 منزلا وعدد سكانها بين 150 و200 شخص.
كما أصدرت وزارة الصحة الاتحادية بيانا رسميا أوضحت فيه أن القرية سجلت حالتي وفاة فقط مع نفوق أعداد من الماشية، وهو ما رفضته مجددا الحركة متهمة الوزارة بـ”تسييس الكارثة”.
صور الأقمار الاصطناعية
حللت وكالة سند للتحقق صورا ملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية لقرية ترسين، وأظهرت أن مساحتها لا تتجاوز 2.7 كيلومتر مربع تقريبا، مما يعزز تقديرات بأن عدد سكانها لا يزيد عن 200 شخص، وهو رقم يتناقض مع ادعاءات سقوط “ألف قتيل”.
كما يظهر البحث في المصادر المفتوحة شهادات مختلفة ورواية مغايرة للحادثة، حيث كتب عدد من سكان القرية والقرى المجاورة عن الحادثة، مؤكدين أنها لم تصل إلى ما صورته البيانات المتداولة.
ونشر مواطن من منطقة جبل مرة عبر حسابه على تيك توك بلغتهم المحلية أن عدد الضحايا لا يتجاوز شخصين فقط، مشيرا إلى أن الانهيار وقع في وقت كان معظم الأهالي خارج منازلهم للعمل في الزراعة.
وبثت فضائية جبل مرة تقريرا تحدثت فيه عن “ضحيتين فقط”، دون أي إشارة إلى أعداد بالمئات أو الآلاف.
@mstr.bkhta#الشعب_الصيني_ماله_حل #الشعب_الصيني_ماله_حل #مشاهير_تيك_توك ♬ الصوت الأصلي – Mstr Bkhta
وبالمثل، تداول سكان محليون مقاطع مصورة تظهر أن الانهيار ضرب مزرعة واحدة وليس القرية بأكملها، حيث تحدث أحد الأهالي في الفيديو عن مصرع اثنين وإصابة شخص ثالث بجروح.
وهكذا تكشف الأدلة من شهادات محلية وصور الأقمار الاصطناعية والمصادر الإعلامية الإقليمية أن الكارثة في ترسين حقيقية بالفعل، لكنها لم تسفر عن سقوط “أكثر من ألف ضحية” كما ادعت بيانات أولية، وأن الأرقام المتداولة مبالغ فيها بشكل كبير، وتجاوزت قدرة القرية الصغيرة على استيعاب هذا الحجم من الخسائر البشرية.