ولا تزال طاجيكستان الدولة الوحيدة في آسيا الوسطى التي لم تُقم علاقات دبلوماسية مع حكومة طالبان منذ سيطرتها على السلطة في أغسطس/آب 2021.
ويؤكد السفير الأفغاني السابق لدى طاجيكستان وحيد الله محمودي، أن طاجكستان كانت الدولة الوحيدة التي اتبعت نهج التسعينيات من القرن الماضي، باستضافة معارضي الحكومة الأفغانية الحالية، وظلّت العاصمة دوشنبه ثابتة على هذا النهج السياسي قرابة ثلاث سنوات حتى عام 2024.
وأضاف مستدركا في حديثه للجزيرة نت، “لكن طاجيكستان غيّرت من نهجها في بداية عام 2025 بقبول طالبان سلطة الأمر الواقع، ويضيف لوحظت تغييرات في سياسة طاجيكستان الخارجية بشأن أفغانستان وتتجلى هذه التغييرات خاصة في توجهات الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمان، كما استأنفت السلطات الطاجيكية العمل في خمس أسواق حدودية مع أفغانستان”.
عزلة إقليمية
واحتلت العاصمة دوشنبه المرتبة الأولى بين الدول التي قدمت مساعدات للمتضررين الأفغان من حيث الحجم بعد الزلزال المدمر الذي ضرب ولاية كونر شرقي أفغانستان، حيث بلغ حجم المساعدات 3000 طن من المواد الغذائية والإغاثية؛ وهو إجراء يمكن تفسيره في إطار الدبلوماسية الإنسانية كوسيلة لإرسال رسالة حسن نية إلى كابل.
وعن ذلك يقول السفير الطاجيكي في أفغانستان جعفر سيدي “المجتمع الدولي، وطاجيكستان يريدان أن تكون أفغانستان آمنة، لا تشكل تهديدا لجيرانها، وتقوم حركة طالبان بتشكيل حكومة تمثل كافة الشعب الأفغاني”.
وقال في حديثه للجزيرة نت، “نحاول مساعدة الشعب الأفغاني بكل ما نملك، ونريد أن نساهم في بناء هذا البلد، وتلوح في الأفق تطورات إيجابية ونحن نرحب بها، واستقرار أفغانستان من استقرار طاجيكستان والمنطقة”.
ويرى الباحث الطاجيكي وحيد الدين عمروف أن “الخطاب الرسمي تغيّر فعلا، في السنوات الأولى بعد وصول طالبان إلى السلطة، كانت طاجيكستان تتعامل مع حركة طالبان كتهديد مباشر، لكنها اليوم تتحدث عن ضرورة التعاون معها لأسباب أمنية”.
ويضيف عمروف للجزيرة نت، أن السلطات الطاجيكية وجدت نفسها في عزلة إقليمية بعد انخراط أوزبكستان، وكازاخستان وتركمانستان في علاقات مباشرة مع كابل، وهو ما دفعها إلى مراجعة سياستها المتشددة.
حدود مشتركة
في حين تتزايد علاقات روسيا ودول آسيا الوسطى مع حكومة حركة طالبان، أدركت طاجيكستان أيضا أن معارضة السياسة الإقليمية ستؤدي إلى نتائج عكسية، ولعل هذا ما دفع طاجيكستان، إلى مواءمة سياستها الخارجية تجاه أفغانستان مع التوافق الإقليمي.
ويوضح الباحث في الشؤون الأمنية عبد الكريم خليل، “تشكّل الحدود الممتدة لأكثر من 1300 كيلومتر بين أفغانستان وطاجيكستان أبرز مصدر قلق للأخيرة، والتهديدات على الحدود حقيقة، وطاجيكستان لا تستطيع مواجهتها وحدها، فطالبان أصبحت سلطة الأمر الواقع، والتعاون معها في ضبط الحدود ضرورة أمنية وليست خيارا سياسيا فقط”.
ويضيف خليلي في حديثه للجزيرة نت، أن “التنسيق الميداني بين الطرفين منذ أشهر ساهم في تقليص عمليات التهريب وتسلل المسلحين، لكنه لا يلغي قلق السلطات الطاجيكية رغم التزام الحكومة الأفغانية بضبط الوضع الأمني”.
ويقول وكيل وزارة الدفاع الأفغانية السابق شاه محمود، للجزيرة نت، إن التقارب بين كابل وواشنطن سيؤدي إلى خسارة المعارضة المسلحة الحضانة ومراكز إيواء، حيث أدركت طاجيكستان أن المعارضة لم تكسب خلال أربع سنوات أي تقدم على الأرض وأن توفير الملاذ لها مكْلف ولا تستطيع طاجيكستان القيام به وحدها، في حين أن بقية دول آسيا الوسطى تتعامل اقتصاديا وتجاريا مع حركة طالبان.
ولعب سلوك حكومة حركة طالبان تجاه الدول المجاورة، بما فيها طاجيكستان، دورا محوريا في تغيير سياستها الخارجية، ولم تُظهر طالبان أي عداء تجاه طاجيكستان، وسعت جاهدة لإثبات حسن نيتها تجاه دول المنطقة، وهذا يدل على أن السياسة الخارجية لحركة طالبان تلعب دورا حاسما في سياسة الدول المجاورة تجاه كابل.
علاقات متقدمة
يقول المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد “طاجيكستان هي جارتنا، ونريد بناء علاقات متقدمة معها، وسياستنا هي تصفير المشاكل مع الجيران، وقدمنا للمجتمع الدولي ضمن اتفاق الدوحة بأننا لن نسمح لأحد باستخدام الأراضي الأفغانية ضد الآخرين، ومنذ فترة قام المسؤولون الأفغان والطاجيك بزيارات متبادلة، لمناقشة تعزيز العلاقات الثنائية، ويمكن حل القضايا العالقة بالحوار فقط”.
ووفق مجاهد في تصريح للجزيرة نت “يعكس التحول في سياسات آسيا الوسطى تجاه حركة طالبان براغماتية أكثر منه تقاربا أيديولوجيا، إذ تبقى طاجيكستان الاستثناء الأكثر تعقيدا، أما باقي الجمهوريات مثل تركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان فتسعى إلى موازنة بين مصالحها الاقتصادية والقيود الأمنية”.
وفي رأيه فإنه لا يُتوقع اعتراف إقليمي شامل، لكن “التطبيع المحدود” قد يرسخ نفسه خيارا وحيدا أمام جيران أفغانستان، خلال السنوات الأربع الماضية، ركزت السياسة الخارجية لطاجيكستان على مواجهة طالبان، بينما لعبت أربع دول مجاورة أخرى لطاجيكستان دورا فاعلا في أفغانستان الجديدة، بتوقيع عقود واتفاقيات رئيسية للوصول إلى جنوب آسيا عبر أفغانستان.
ويضع الأكاديمي محمد سعيد، هذا التحول في سياق أوسع بالتأكيد على أن “طاجيكستان لا تستطيع عزل نفسها عن أفغانستان، فالجغرافيا أقوى من السياسة”.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت، “بعد انسحاب القوات الأميركية وصعود الدور الصيني والروسي وجدت طاجيكستان نفسها مضطرة للبحث عن توازن في علاقتها مع كابل”، ويرى سعيد أن هذا الانفتاح لا يزال محدودا، لكنه يعكس إدراكا لدى طاجيكستان بأن رفض بناء العلاقات مع طالبان لم يعد واقعيا.