|
في مقابلة مع برنامج “لقاء خاص” على نيوز عربي الإنجليزية، تحدث الرئيس الكيني وليام روتو بصراحة عن التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه بلاده، في ظل موجة احتجاجات شعبية غير مسبوقة، واتهامات متزايدة بانتهاك حقوق الإنسان، مؤكدًا أن الديمقراطية الكينية لا تزال قائمة، وأنه لن يتراجع عن برنامجه الإصلاحي رغم الضغوط الداخلية والخارجية.
احتجاجات دامية وانتفاضة شبابية
خلال الأشهر الماضية، شهدت كينيا احتجاجات واسعة النطاق، قادها الشباب رفضًا لسياسات اقتصادية تقشفية فرضتها حكومة روتو، شملت زيادات ضريبية ورفع الدعم عن بعض السلع والخدمات.
وأسفرت هذه الاحتجاجات عن سقوط عشرات القتلى، وسط اتهامات للشرطة باستخدام القوة المفرطة وارتكاب انتهاكات جسيمة، بينها حالات اختفاء قسري.
روتو نفى هذه الاتهامات، مؤكدًا أن قوات الأمن تصرفت وفق القانون، وأن بعض أعمال العنف كانت نتيجة “تحريض سياسي” من جهات تسعى إلى زعزعة الاستقرار.
وأكد الرئيس الكيني أنه ليس نادمًا على توجيهاته المثيرة للجدل للشرطة بإطلاق النار على أرجل بعض المحتجين خلال مظاهرات يونيو، موضحًا أن الهدف كان الحفاظ على النظام العام في مواجهة عناصر وصفها بـ”الإجرامية” التي استغلت الاحتجاجات للتخريب والنهب.
كما أشار إلى أن بعض حالات العنف التي وقعت كانت نتيجة “عناصر مارقة” داخل جهاز الشرطة، مؤكدًا أن المسؤولين عنها، مثل قضية مقتل المدرّس ألبرت أوجوانغ، قد أُحيلوا إلى القضاء.
من “مجتمع الكادحين” إلى خصم المتظاهرين
الرئيس الكيني، الذي صعد إلى الحكم عام 2022 بشعار “مجتمع الكادحين”، واجه انتقادات حادة من نفس القاعدة الشعبية التي دعمته، بعد أن شعر كثيرون بخيبة أمل من سياساته الاقتصادية التي أثقلت كاهلهم.

ويبدو أن روتو يحاول اليوم إعادة ضبط العلاقة مع الشارع، عبر خطاب يجمع بين الحزم والانفتاح، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي دون التراجع عن برنامجه الإصلاحي.
وفي المقابلة، أقر روتو بأن بعض تصريحاته السابقة كانت “صارمة”، لكنه أكد أن الهدف منها كان حماية الدولة من الانهيار، وليس قمع الشعب. وأضاف “أنا مستعد للاستماع، لكن لا يمكن أن تُدار البلاد عبر الاحتجاجات فقط. هناك دستور ومؤسسات يجب احترامها”.
السلطة والشرعية السياسية
روتو شدد على أنه انتُخب ديمقراطيًا، وأنه لا يزال يحظى بشرعية شعبية رغم التحديات. ورفض دعوات المعارضة للاستقالة أو إجراء انتخابات مبكرة، معتبرًا أن الحل يكمن في الحوار واحترام المؤسسات الدستورية.
وقال إن حكومته منفتحة على الحوار مع جميع الأطراف، شرط أن يكون في إطار القانون والدستور، داعيًا الشباب إلى الانخراط في العمل السياسي والمساهمة في بناء مستقبل البلاد بدلًا من الاكتفاء بالغضب.
الديمقراطية تحت المجهر
في ظل تصاعد الانتقادات المحلية والدولية، أكد روتو أن الديمقراطية الكينية لم تنهَر، بل تواجه اختبارًا حقيقيًا. وقال إن الإعلام يتمتع بحرية واسعة، وإن المعارضة تمارس نشاطها دون قيود، لكنه انتقد بعض الجهات التي “تستغل الديمقراطية لتأجيج الشارع”.

وأضاف “الديمقراطية لا تعني الفوضى، ولا تعني أن كل من يختلف مع الحكومة يحق له أن يشل البلاد. هناك طرق قانونية للتعبير، ونحن نحترمها”.
التراجع عن الموازنة تحت الضغط
أمام تصاعد الغضب الشعبي، اضطر روتو إلى سحب مشروع قانون الموازنة لعام 2024-2025، الذي كان يتضمن زيادات ضريبية جديدة. وجاء هذا التراجع بعد 3 مظاهرات حاشدة خلال 8 أيام، تحولت إلى أعمال عنف دامية.
وقال روتو إن حكومته ستعيد النظر في السياسات المالية بما يراعي مطالب الشعب دون الإخلال بالاستقرار الاقتصادي.

وأكد أن الإصلاحات التي أطلقها ضرورية لإنقاذ البلاد من أزمة ديون خانقة، وأنه لن يتراجع عنها رغم الضغوط. وأوضح أن رفع الضرائب وتقليص الدعم الحكومي جزء من خطة شاملة لإعادة هيكلة الاقتصاد وتقليل الاعتماد على القروض الخارجية.
تدخلات كينيا الإقليمية
وفي الملف السوداني، نفى روتو الاتهامات بتزويد قوات الدعم السريع في السودان بالأسلحة، معتبرًا أن طرفي النزاع هناك يتعاملان مع أزمة حكم بوسائل عسكرية غير مجدية.
كما صرّح بأن الأزمة السودانية لا يمكن حلّها عبر القيادات العسكرية وحدها، سواء من قوات الدعم السريع أو الجيش السوداني، مؤكدًا أن الجنرالات ليسوا الحل للأزمة السياسية العميقة في البلاد، بل إن الحل يكمن في عملية سياسية شاملة تُشرك المدنيين وتؤسس لحكم ديمقراطي مستقر.
كما تطرّق روتو أيضًا إلى ملفات دبلوماسية، حيث شكّك روتو في نزاهة الانتخابات التنزانية التي انتهت بنسبة فوز بلغت 96%، لكنه رفض التعليق المباشر على نتائجها.
كما أشار إلى تقدم نسبي في محادثات السلام في الكونغو الديمقراطية، رغم استمرار التوتر بين الحكومة والمتمردين.


