دور غير متوقع لسكر الغلوكوز في بناء الأنسجة

دراسة حديثة تكشف دور سكر الغلوكوز في تمايز الأنسجة

كشفت دراسة جديدة أن سكر الغلوكوز (سكر الدم) يلعب دورًا رئيسيًا كمنظم لتمايز الأنسجة، وهي عملية تُنتج خلالها الخلايا الجذعية خلايا متخصصة في جميع أنحاء الجسم.

وأُجريت هذه الدراسة في كلية الطب بجامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، ونُشرت نتائجها في مجلة “سيل ستيم سيل” (Cell Stem Cell) بتاريخ 21 مارس/آذار 2025، بحسب ما أفاد موقع “يوريك أليرت”.

اكتشاف غير متوقع

لم يكن الغلوكوز هو الهدف الأساسي للباحثين في البداية، إذ بدأوا دراستهم للبحث عن الجزيئات التي تُحفز التمايز الخلوي. فقد أجروا تجارب مكثفة على خلايا جذعية مأخوذة من الجلد البشري، والتي تتحول إلى خلايا كيراتينية ناضجة، وهي الخلايا السائدة في الطبقة الخارجية من الجلد. استخدم الباحثون تقنيات متقدمة لقياس التقلبات في تركيزات الجزيئات الحيوية أثناء عملية التمايز.

واكتشفوا أن الجزيئات التي تزداد بشكل ملحوظ أثناء عملية التمايز قد تكون مسؤولة عن هذا التحول الخلوي. وبعد تحليل النتائج، تحديدوا 193 جزيئًا مشتبها فيه، ولكن ما فاجأهم هو زيادة مستويات الغلوكوز بدلاً من انخفاضها، مع تقدم عملية التمايز.

دور الغلوكوز في تمايز الأنسجة

أدى هذا الاكتشاف إلى إعادة تقييم دور الغلوكوز في عملية التمايز الخلوي. باستخدام نظائر غلوكوز فلورية أو مشعة، تمكن الفريق من تصوير ديناميكيات الغلوكوز داخل الخلايا أثناء عملية التمايز. وتبين أن مستويات الغلوكوز تزداد بشكل ملحوظ مع تقدم الخلايا في عملية التمايز، مما يدل على أن الغلوكوز يعمل كإشارة أساسية تحفز عملية التمايز.

وأظهرت الدراسة أن الغلوكوز ليس فقط عاملاً محوريًا في تمايز خلايا الجلد، بل يمتد تأثيره ليشمل تمايز الأنسجة في جميع أنحاء الجسم. إذ أظهرت دراسات أخرى على خلايا دهنية وعظمية وخلايا دم بيضاء نامية نمطًا مشابهًا، مما يعزز من دور الغلوكوز في تنظيم عملية التمايز في خلايا مختلفة من الجسم.

الغلوكوز: أكثر من مجرد مصدر للطاقة في تمايز الخلايا

أثارت نتائج دراسة حديثة اهتمام الباحثين في مجال البيولوجيا الخلوية، حيث أظهرت أن سكر الغلوكوز لا يقتصر فقط على كونه مصدرًا للطاقة، بل له دور حيوي في تنظيم عملية تمايز الخلايا، بما في ذلك الخلايا الكيراتينية. وأكد الباحثون أن الغلوكوز يلعب دورًا محوريًا في التحولات الخلوية التي تحدث في الأنسجة المختلفة، وهو ما قد يفتح أفقًا جديدًا في فهم عمليات النمو والتمايز في الخلايا البشرية.

الغلوكوز وتأثيره في التمايز الخلوي

عكف العلماء على دراسة تأثير مستويات الغلوكوز على تمايز الخلايا الكيراتينية في ظروف متنوعة. واكتشفوا أن أنسجة الجلد البشرية، التي تم هندستها وزراعتها في سائل يحاكي التركيب الخلوي للجلد الطبيعي، لم تتمكن من التمايز بشكل سليم عندما كانت مستويات الغلوكوز أقل من المعدل الطبيعي. وقد تم حل هذه المشكلة ببساطة عن طريق إدخال نظير غلوكوز غير قابل للتحلل، مما يعزز فكرة أن الغلوكوز لا يعمل فقط كمصدر للطاقة، بل يلعب دورًا رئيسيًا في عملية التمايز.

تأثير الغلوكوز على العمليات الخلوية

قال الدكتور بول خافاري، رئيس قسم الأمراض الجلدية في كلية الطب بجامعة ستانفورد، “كانت تلك لحظة صدمة بالنسبة لنا. كنا نعتقد أن الغلوكوز لا يعدو كونه مصدرًا للطاقة فحسب. لكن نظائر الغلوكوز التي استخدمناها دعمت عملية التمايز تمامًا كما يفعل الغلوكوز العادي”.

ويأمل الباحثون أن تسهم هذه النتائج في تعزيز فهمهم لكيفية تأثير الغلوكوز على الخلايا السليمة والمريضة، وهو ما قد يساعد في معالجة الاختلالات المرتبطة بتنظيم الغلوكوز في مرض السكري، بالإضافة إلى علاقته بتطور السرطان. يعد السرطان أحد الأمراض المرتبطة بنمو خلايا غير متمايزة وتكاثر خلوي غير منضبط.

مستقبل الأبحاث في بيولوجيا الغلوكوز

تمهد هذه الدراسة الطريق أمام المزيد من الأبحاث المستقبلية، حيث تُظهر أهمية الغلوكوز كجزء أساسي من العمليات الخلوية في الجسم. ومن خلال إعادة النظر في دور الغلوكوز في البيولوجيا الخلوية، يتضح بشكل متزايد أن الجزيئات البسيطة مثل الغلوكوز قد تكون لها وظائف غير متوقعة تؤثر على صحة الإنسان.

هذه الاكتشافات قد تفتح المجال لدراسات أعمق في جزيئات أخرى قد تلعب أدوارًا مشابهة، مما يعزز فهمنا لآلية عمل الخلايا البشرية وكيفية تأثير البيئة الخلوية في تنظيم وظائف الجسم.

المصدر: نيوز عربي