وجاء ذلك بعد فشل الاتصال بقمريها السابقين “كوثر” و”هدهد” اللذين أُطلقا في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وسط تلميح رسمي من الشركة لاحتمال تدخل خارجي في تعطل أحدهما.
وقال المدير التنفيذي لشركة “أُميد فضا” حسين شهرابي للجزيرة نت إن القمرين أُطلقا في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ونجحا في اجتياز معظم فقرات قوائم التحقق التشغيلية، إلا أن بعض البنود لم تتحقق بالكامل، ما أثر على أدائهما النهائي.
وأوضح أن القمر “كوثر” حقق نحو 70% من أهداف الاختبار، بينما تجاوز “هدهد” 90%، لكن النتائج النهائية لم تصل إلى مرحلة إنتاج الصور المقررة من “كوثر” رغم اجتيازه معظم مراحل التحقق بنجاح.
ايران
فقد القمران الصناعيان الإيرانيان “كوثر” و”هدهد” الاتصال بمركزي التحكم. وانقطاع الاتصال بهما، بسبب “أمر مجهول”
___— عرفات العامرى (@ArafatAmeri) October 6, 2025
أوامر مجهولة
وأشار شهرابي إلى أن العطل في “كوثر” ناتج عن ارتباط غير مقصود بين نظامي التحكم في الاتجاه ونظام امتصاص الطاقة الشمسية، مما صعّب تحسين وضع القمر في مداره وتشغيل الحمولة البصرية للحصول على الصور.
وأضاف أن كل شيء كان جاهزا في مدار القمر، و”استطعنا تلقي إشارات محدودة عند تعرضه لأشعة الشمس، لكننا لم ننجح في استلام أي صور حتى الآن”.
أما القمر “هدهد”، فقد كان أداؤه مستقرا حتى نحو أسبوعين قبل اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل في يونيو/حزيران الماضي، لكنه تلقى أوامر غير معروفة المصدر من خارج منظومة القيادة، وظهرت بوضوح في بيانات التتبع مما أدى إلى انقطاع الاتصال بالكامل وفقدان السيطرة عليه.
وأضاف شهرابي أن القمر بدأ في تنفيذ عمليات تشغيل وإيقاف متكررة ما حال دون استعادة السيطرة عليه، وأدى إلى فقدان الفريق القدرة على التواصل معه حتى بالمستوى المحدود الذي احتفظ به مع “كوثر”.
ورغم تزامن الحادثة مع التصعيد الإقليمي والحرب بين طهران وتل أبيب، شدد على أن فريقه لا يمتلك أدلة قاطعة على تدخل خارجي، لكنه أقر بوجود مؤشرات تثير الريبة، مشيرا إلى وجود غموضين لافتين:
- الأول: تزامن العطل مع اندلاع الحرب.
- الثاني: تلقي القمر أوامر لم يصدرها فريق التشغيل.
وأكد شهرابي “لا أريد ربط هذا مباشرة بالحرب، لكن وقوع هذه الأحداث قبل اندلاعها بفترة قصيرة واستلام أوامر لم نصدرها يجعلنا ندرس أيضا احتمال تدخل خارجي، رغم أن ظننا الأكبر يظل نحو خلل فني داخلي”.
وأشار إلى أن البيانات المسجلة في أنظمة التتبع أظهرت زيادة غير مبررة في عدد الأوامر المرسلة، وما زال الفريق يحلل الأمر لتحديد ما إذا كان ناجما عن خلل تقني داخلي أو تدخل خارجي محتمل، من دون تبني أي فرضية حتى الآن، وهو ما يفتح الباب لتفسيرات سياسية وأمنية تحيط بمصير القمرين.
🟥 رئيس منظمة الفضاء الايرانية حسن سالاريه:
إيران ستطلق 3 أقمار الصناعية قريباً، وهي: ظفر، بايا، والنموذج الثاني من قمر كوثر، بهدف تسهيل حصول طهران على بيانات تصويرية دقيقة ومتنوّعة زمنياً pic.twitter.com/yX6a1sqwjF
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) August 22, 2025
حرب الفضاء
يأتي هذا الإعلان في وقت تسعى فيه طهران إلى تعزيز حضورها في مجال الفضاء رغم العقبات التقنية والتحديات السياسية.
ويشير محللون إلى أن الغموض حول أعطال “كوثر” و”هدهد” وظهور أوامر غريبة يعكس أبعادا سياسية وأمنية ويطرح تساؤلات حول احتمال تدخل خارجي، مما يجعل الفضاء ميدانا جديدا للصراع الإستراتيجي الإقليمي، وتحديدا في مواجهة نفوذ إسرائيل وتنافسها على القدرات الفضائية العسكرية والمدنية في المنطقة.
وفي هذا الإطار، قالت المحللة السياسية الإيرانية عفيفة عابدي إن الحرب التي استمرت 12 يوما كشفت عن أبعاد جديدة من الصراعات الحديثة، حيث أصبح التنافس على الوصول إلى البيانات الفضائية جزءا أساسيا من ميدان المواجهة غير التقليدية بين إيران وإسرائيل.
وأضافت عابدي للجزيرة نت أن مصادر غربية أقرت بأن تل أبيب استخدمت منظومة واسعة من الأقمار الصناعية الاستطلاعية والاستخبارية، مدعومة بالدعم الفني وتبادل البيانات مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، من أجل رصد مواقع وتحركات الأهداف الإستراتيجية الإيرانية بشكل مستمر أثناء الحرب.
ووفقا لها، فإن هذا الرصد الفضائي لم يتوقف بانتهاء العمليات العسكرية، بل استمر في إطار منظومة المراقبة الإستراتيجية طويلة الأمد التي باتت تشكل جزءا من معادلة الردع والمعلومات بين طهران وتل أبيب.
وختمت المحللة السياسية بأن القدرة على الوصول إلى بيانات الأقمار الصناعية عالية الدقة تمثل اليوم عاملا حاسما في التنبؤ بالتطورات الميدانية، وكشف التهديدات المحتملة، وفهم أنماط سلوك الخصم قبل وقوع الأحداث، مشددة على أن الفضاء أصبح جبهة أمنية جديدة لا تقل أهمية عن الأرض.
ومع تصاعد الغموض حول مصير قمري “كوثر” و”هدهد”، يبدو أن معركة السيطرة على الفضاء لم تعد مجرد سباق علمي، بل هي ميدان جديد لصراع النفوذ بين إيران وإسرائيل.
القمر الجديد
في سياق متصل، أعلن المدير التنفيذي لشركة “أُميد فضا” حسين شهرابي عن بدء العمل على القمر الجديد “دونماي-1″، الذي يُعد أول قمر إيراني يجمع بين مهام الاستشعار عن بُعد والاتصالات الفضائية، ويعتبر نسخة مطورة من أقمار “كوثر” و”هدهد”، وهو مسجل رسميا لدى الاتحاد الدولي للاتصالات باسم الإصدار 1.5 من سلسلة “كوثر”.
وأوضح أن المشروع الجديد يستند إلى الخبرات المكتسبة من القمرين السابقين مع معالجة مشكلاتهما التقنية، حيث تم فصل نظام التحكم عن نظام الطاقة بالكامل وزيادة عدد الخلايا الشمسية لتحسين الأداء والكفاءة التشغيلية.
وأضاف أن الفريق الهندسي اختبر عدة روابط اتصال واختار الأفضل، مع إضافة وصلة “إس باند” (S-Band) لتعديل برمجيات القمر من المحطة الأرضية عند الحاجة، كما تم تحسين الحمولة البصرية للقمر الجديد لتصل دقة الصور إلى نحو 3.5 أمتار، مع تحسين “جي آر دي” (GRD) ليقارب “جي إس دي” (GSD)، ما يعكس تحديث العدسات وتحسين تصميم الحمولة.
وحسب شهرابي، يمتد المشروع إلى التطبيقات العملية للأقمار في الزراعة، وإدارة الموارد المائية، والبيئة، والاتصالات الطارئة، وتسعى الشركة إلى توقيع اتفاقيات دولية للاستفادة من بيانات “دونماي-1” لأغراض علمية مشتركة، بما يعزز موقع إيران في التعاون الفضائي المدني.
وكشف أن القمر لم يُرسل بعد إلى منصة الإطلاق، لكنه سيكون جاهزا للنقل خلال أقل من شهر، ومن المقرر إطلاقه في ديسمبر/كانون الأول المقبل بواسطة صاروخ أجنبي.