[ad_1]
نظرية جديدة: الزمن لا يتدفق بنفس الوتيرة في جميع أنحاء الكون
يفترض فريق من علماء الكونيات أن الكون ليس مجرد بنية مكانية تتوزع فيها المجرات على شكل خيوط تفصل بينها فراغات شاسعة، بل إنه يتمتع أيضًا ببنية زمنية، حيث لا يتدفق الزمن بنفس المعدل في جميع الأماكن، بل يختلف من منطقة لأخرى. هذه الفكرة تُعد خروجًا جذريًا عن المفاهيم التقليدية التي لطالما افترضت أن الزمن يسير بوتيرة ثابتة على المقاييس الكونية الكبيرة.
ووفقًا لهذا النموذج، المعروف باسم “علم الكونيات الزمني”، فإن هناك مناطق شاسعة في الكون حيث يتدفق الزمن بمعدل أسرع مما كان يُعتقد سابقًا، مما يعني أن تلك المناطق قد شهدت مليارات السنين الإضافية مقارنةً بتقديراتنا الحالية.
قد تبدو هذه الفرضية غير مألوفة، لكنها تكتسب جاذبية بين بعض الفيزيائيين نظرًا لبساطتها وعدم حاجتها إلى فرضيات فيزيائية غريبة. بل إنها تنبثق مباشرةً من نظرية النسبية العامة، وفقًا لما صرح به ديفيد ويلتشير، عالم الفيزياء من جامعة كانتربري في نيوزيلندا، حيث أوضح أن هذه الفكرة كانت دائمًا جزءًا من النسبية العامة، لكنها ببساطة لم تكن ضمن التصورات السائدة لدى العلماء.
هذه النظرية قد تفتح الباب أمام حل أحد أعقد الألغاز في الفيزياء، بل وقد تُحدث تحولًا جوهريًا في الطريقة التي يفهم بها علماء الفلك بنية الكون. ومع تزايد البيانات القادمة من عمليات المسح الفلكي، بدأت تظهر دلائل تشير إلى أن هذه الفرضية قد تكون صحيحة، مما يجعلها واحدة من أكثر الأفكار إثارةً للجدل في علم الكونيات الحديث.

نموذج “لامدا- سي دي إم”: هل يحتاج علم الكونيات إلى إعادة نظر؟
منذ ما يقرب من قرن، أدرك علماء الفلك أن الكون في حالة تمدد مستمر، حيث تبتعد المجرات غير المرتبطة جاذبيًا عن بعضها البعض. وكان هذا متوقعًا بناءً على نظرية الانفجار العظيم، التي تشير إلى أن الكون نشأ من نقطة كثيفة وساخنة وبدأ بالتوسع منذ ذلك الحين. لكن في منتصف التسعينيات، أحدثت دراستان مستقلتان ثورة في علم الكونيات عندما اكتشفتا أن تمدد الكون لا يحدث بوتيرة ثابتة، بل إنه يتسارع بمرور الوقت، وهو ما منح أصحاب الاكتشاف جائزة نوبل.
لغز الطاقة المظلمة
لم يكن هناك تفسير واضح لهذه الظاهرة، مما دفع علماء الكونيات إلى افتراض وجود “طاقة مظلمة” غير مرئية، تُسهم في دفع الكون نحو التوسع المتسارع. لكن رغم مرور عقود من البحث، لم يتمكن العلماء من تقديم تفسير دقيق لطبيعة هذه الطاقة أو آلية عملها. ومع ذلك، أصبحت الطاقة المظلمة مكونًا أساسيًا في النموذج الكوني القياسي.
يُعرف هذا النموذج باسم “لامدا- سي دي إم” (ΛCDM)، وهو اختصار يرمز إلى “الطاقة المظلمة” (Λ) والمادة المظلمة الباردة (CDM)، حيث يفترض أن المادة المظلمة تتكون من جسيمات ثقيلة وبطيئة، بينما تمثل الطاقة المظلمة مجال طاقة ثابتًا مسؤولًا عن التوسع المتسارع.
هل الكون متجانس حقًا؟
يعتمد نموذج لامدا- سي دي إم على فرضية رئيسية تُعرف بـ “المبدأ الكوني”، والذي قدمه عالم الفيزياء الفلكية إدوارد آرثر ميلن عام 1933. ينص هذا المبدأ على أن الكون يبدو متشابهًا في كل مكان، أي أنه لا توجد منطقة مميزة عن الأخرى. بمعنى آخر، لو كنا في مجرة بعيدة بدلًا من الأرض، فسنرى الكون بالطريقة نفسها.
لكن هناك مشكلة في هذا الافتراض؛ فعلى المقاييس الكبيرة (أكثر من 400 مليون سنة ضوئية)، يبدو الكون متجانسًا، لكن عند النظر إلى المقاييس الأصغر، تتغير الصورة تمامًا. هناك مناطق تحتوي على تجمعات ضخمة من المجرات مترابطة بفعل الجاذبية، بينما توجد مناطق أخرى تُعرف بـ “الفراغات الكونية”، وهي مناطق تكاد تخلو تمامًا من المادة، مما يسمح لها بالتمدد بمعدل مختلف.
تمدد الزمن الجذبوي: هل نفهم الزمن بشكل خاطئ؟
في عام 2007، قدّم الفيزيائي ديفيد ويلتشير من جامعة كانتربري في نيوزيلندا نموذج “المشهد الزمني”، الذي يعيد النظر في كيفية تدفق الزمن في مختلف مناطق الكون. يستند هذا النموذج إلى مفهوم معروف في النسبية العامة يُعرف بـ “تمدد الزمن الجذبوي”، والذي يشير إلى أن الجاذبية القوية تبطئ مرور الزمن. فمثلًا، بالقرب من الأجسام الضخمة مثل المجرات، يمر الزمن أبطأ مقارنة بالمناطق ذات الجاذبية الضعيفة، مثل الفراغات الكونية.
في نموذج المشهد الزمني، لا تُلغى هذه التأثيرات عند النظر إلى الكون ككل، بل إنها تُحدث فرقًا جوهريًا في فهمنا للتمدد الكوني. فمثلًا، يرى العلماء أن الفراغات الكونية قد تكون أقدم من التجمعات المجرية بحوالي 4 مليارات سنة، مما يعني أن عمر الكون ليس رقمًا ثابتًا، بل يختلف بناءً على المكان الذي يتم القياس منه.
هل يمكن الاستغناء عن الطاقة المظلمة؟
إذا كان الزمن يتدفق بمعدلات مختلفة عبر مناطق الكون، فقد يكون التفسير الحقيقي للتوسع المتسارع هو الاختلافات في مرور الزمن، وليس وجود طاقة مظلمة غامضة. ووفقًا لفريق ويلتشير، عند تعديل الحسابات لأخذ هذه الفروق الزمنية في الاعتبار، يختفي تمامًا افتراض الحاجة إلى الطاقة المظلمة.
ورغم أن هذه الفكرة لم تحظَ بقبول واسع في المجتمع العلمي حتى الآن، فإنها تُعد واحدة من المحاولات الرائدة لإعادة النظر في النموذج الكوني السائد. ومع تزايد البيانات الفلكية المتاحة من التلسكوبات الحديثة، قد يكون المستقبل حافلًا بمفاجآت علمية تغير الطريقة التي نفهم بها الكون.
نموذج “لامدا- سي دي إم”: هل يحتاج علم الكونيات إلى إعادة نظر؟
منذ قرابة قرن، اكتشف العلماء أن الكون في حالة توسع مستمر، حيث تبتعد المجرات غير المرتبطة جاذبيًا عن بعضها البعض. وقد دعمت نظرية الانفجار العظيم هذه الفكرة، حيث تشير إلى أن الكون نشأ من نقطة كثيفة وساخنة ثم بدأ في التوسع. لكن في أواخر التسعينيات، أحدثت دراستان ثوريتان تحولًا في علم الكونيات عندما كشفتا أن هذا التوسع لا يحدث بوتيرة ثابتة، بل يتسارع بمرور الزمن، وهو ما منح مكتشفيه جائزة نوبل في الفيزياء.
لغز الطاقة المظلمة
لم يكن هناك تفسير واضح لهذا التسارع، مما دفع العلماء إلى افتراض وجود “طاقة مظلمة” غير مرئية تُسبب هذه الظاهرة. لكن رغم عقود من الأبحاث، لم يتمكن العلماء من فهم طبيعتها أو كيفية عملها، ومع ذلك، أصبحت الطاقة المظلمة جزءًا أساسيًا من النموذج الكوني القياسي المعروف باسم “لامدا- سي دي إم” (ΛCDM)، والذي يعتمد على افتراض أن الكون يحتوي على المادة المظلمة والطاقة المظلمة التي تُفسر التوسع المتسارع.
هل الكون متجانس فعلًا؟
يرتكز هذا النموذج على فرضية “المبدأ الكوني”، الذي ينص على أن الكون يبدو متجانسًا على نطاق واسع، أي أن أي مراقب من أي نقطة في الكون سيراه بنفس الشكل. ولكن عند دراسة التفاصيل الدقيقة، نجد أن الكون يتكون من بنى كونية ضخمة تشمل تجمعات مجرية هائلة، بالإضافة إلى فراغات كونية تمتد على مساحات شاسعة، وتكاد تخلو من المادة، مما يجعلها تتمدد بمعدلات مختلفة.
تمدد الزمن الجذبوي: هل نفهم الزمن بشكل خاطئ؟
في عام 2007، قدم الفيزيائي ديفيد ويلتشير من جامعة كانتربري في نيوزيلندا نموذج “المشهد الزمني”، الذي يفترض أن الزمن يتدفق بمعدلات مختلفة في مناطق الكون تبعًا لكثافة المادة والجاذبية. فالمناطق ذات الكثافة العالية، مثل العناقيد المجرية، تشهد مرورًا أبطأ للزمن مقارنة بالفراغات الكونية. ووفقًا لهذا النموذج، يمكن أن يفسر هذا التفاوت في الزمن التسارع الظاهري للكون دون الحاجة إلى افتراض وجود طاقة مظلمة.
الفراغات المتمددة والتحديات العلمية
لا يزال بعض العلماء غير مقتنعين بهذه الفكرة، ومن بينهم فريمان، الذي يؤكد أن معظم الأبحاث تشير إلى أن تأثيرات عدم التجانس غير كافية لاستبدال مفهوم الطاقة المظلمة. لكن ويلتشير يرى أن معظم النماذج غير المتجانسة السابقة كانت ناقصة لأنها افترضت أن للكون عمرًا ثابتًا في جميع أنحائه.
وقد حصل ويلتشير على فرصة جديدة لاختبار نظريته بفضل بيانات “بانثيون+”، التي تشمل ملاحظات عن 1535 مستعرًا أعظم (سوبرنوفا) من النوع 1 إيه، والتي تُستخدم لقياس تمدد الكون بدقة. ووفقًا لتحليل فريقه، توفر هذه البيانات أدلة قوية تدعم نموذج المشهد الزمني مقارنة بالنموذج القياسي.
التذبذبات الصوتية: هل تثبت صحة النموذج الكوني القياسي؟
ورغم النتائج التي تدعم نموذج ويلتشير، فإن قياسات تذبذبات باريون الصوتية (BAO) لا تزال تُعزز النموذج القياسي. إذ كشفت دراسة أجراها فريق رايان كاميليري من جامعة كوينزلاند أن بيانات هذه التذبذبات تتوافق أكثر مع النموذج القياسي، مما يزيد من التحديات التي تواجه نموذج المشهد الزمني.
لغز “توتر هابل” وأثره على علم الكونيات
يواجه النموذج القياسي مشكلة أخرى تُعرف باسم “توتر هابل”، حيث تعطي طريقتان مختلفتان لقياس معدل تمدد الكون نتائج متباينة. فالطريقة التي تعتمد على ملاحظات المستعرات العظمى تعطي قيمة تبلغ 73 كم/ث لكل ميغا فرسخ فلكي، في حين أن الطريقة التي تستند إلى إشعاع الخلفية الكونية تعطي قيمة 67.7 كم/ث لكل ميغا فرسخ فلكي، مما يشير إلى وجود خلل محتمل في النموذج القياسي.
ويرى ويلتشير أن نموذج المشهد الزمني قد يكون الحل لهذا التوتر، إذ إنه يأخذ في الاعتبار تطور البنية الكونية وتأثير الفراغات المتمددة على معدل التوسع، مما قد يفسر الفرق في القيم.
مستقبل علم الكونيات: ماذا بعد؟
خلال السنوات الخمس القادمة، ستتوفر بيانات أكثر دقة من مشاريع مثل “أداة التحليل الطيفي للطاقة المظلمة” و**”تلسكوب إقليدس الفضائي”** و**”تلسكوب فيرا روبين”**. ستساعد هذه البيانات في حسم الجدل بين النموذج القياسي ونموذج المشهد الزمني، ومعرفة ما إذا كنا بحاجة فعلًا إلى إعادة النظر في فهمنا للكون.
يقول ويلتشير: “بعد عشرين عامًا من العمل على هذا النموذج، أنا مستعد للانتظار بضع سنوات أخرى لرؤية ما إذا كان قد اكتشف سرًا كونيًا غفل عنه الآخرون”. ويختم قائلاً: “بحلول نهاية هذا العقد، سنحصل على الإجابة النهائية”.

الفراغات المتمددة
ما زال بعض العلماء غير مقتنعين بهذه الفكرة ومن بينهم فريمان الذي يقول معلِّقًا على ذلك: “توجد أبحاث كثيرة حول نظريات الكون غير المتجانسة. وعند أخذ هذه البُنى الكونية الضخمة في الاعتبار، هل يُمكن أن تُؤثّر فعليًّا في توسّع الكون بطريقةٍ تُحاكي تأثيرات الطاقة المظلمة؟ من وجهة نظري، تُشير غالبية الأبحاث إلى أن هذا ليس هو الحال، مما يعني أن تأثير عدم التجانس في بنية الكون لا يبدو كافيًا لاستبدال فكرة الطاقة المظلمة”.
كما أن فريمان ليس الوحيد الذي يشكك في هذه الفكرة، إذ يرى ويلتشير أيضًا أن المحاولات السابقة لبناء نماذج كونية غير متجانسة لم تكن كاملة، لأن الباحثين استمروا في افتراض أن للكون عمرًا ثابتًا في كل مكان.
ويؤكد ويلتشير أن ما لم يُدركه الكثيرون هو أن نموذج المشهد الزمني يختلف عن تلك النماذج السابقة، لأنه يأخذ في الاعتبار تفاوت عمر الكون من مكان لآخر. وهذا ما يجعل الفكرة أكثر منطقية، وذلك لسماحها بتمدد الفراغات الكونية لمليارات السنين أكثر مما كنا نتوقع عند الاعتماد على الحسابات المحلية. ويضيف ويلتشير: “عندما تجتمع هذه التأثيرات على مدى مليارات السنين، تصبح الفروق هائلة”.
قد تكون لدى ويلتشير الآن فرصة جديدة لإقناع زملائه بوجهة نظره، وذلك بفضل مجموعة بيانات جديدة تُعرف باسم “بانثيون+”. تحتوي هذه البيانات على ملاحظات خاصة بـ1535 مستعرًا أعظم (سوبرنوفا) من نوع خاص يُعرف باسم المستعر الأعظم من “النوع 1 إيه”. وتتميز هذه النجوم المتفجرة بأنها تُطلق نفس كمية الطاقة تقريبا، لذا فإن أي اختلاف في سطوعها هو نتيجة بعدها عن الأرض. وبفضل هذه الخاصية، تُعد هذه المستعرات العظمى أداة دقيقة جدًّا لقياس تمدد الكون.
وتكمن القيمة الحقيقية لمجموعة بيانات ويلتشير في أن جميع عمليات الرصد قد فُحصت بدقة لإزالة أي أخطاء محتملة ناتجة عن تسجيل المستعرات العظمى باستخدام تلسكوبات مختلفة. وبفضل هذا الحجم الكبير والدقة العالية للبيانات، أصبح من الممكن إجراء مقارنة حقيقية بين نموذج المشهد الزمني، والنموذج الكوني القياسي (مما قد يساعد في تقييم مدى صحة الفرضية التي تقترح عدم الحاجة إلى الطاقة المظلمة*).
وفي يناير/كانون الثاني 2025، نشر ويلتشير وزملاؤه أحدث تحليل لهم استخدموا خلاله بيانات المستعرات العظمى من “بانثيون+” لمقارنة مدى توافق النموذج الكوني القياسي مع البيانات، مقابل نموذج المشهد الزمني.
ويؤكد الباحثون أن التحليل الإحصائي الذي أجروه يُقدّم “أدلة قوية جدًّا لصالح نموذج المشهد الزمني مقارنة بالنموذج القياسي”؛ مما قد يشير إلى إمكانية الاستغناء عن فرضية الطاقة المظلمة إذا كان هذا النموذج صحيحًا.
ومع ذلك، فإن هذا التطور الأخير لا يزال غير كافٍ لإقناع فريمان، الذي يشغل منصب مدير مشروع التحليل الطيفي للطاقة المظلمة، وهو مشروع تعاوني يضم أكثر من 400 عالم من مختلف أنحاء العالم. تكمن المفارقة في أن بيانات مشروع التحليل الطيفي للطاقة المظلمة الخاصة بالمستعرات العظمى، التي جُمعت بين 2013 و2019، أظهرتْ تفضيلًا لنموذج الزمن المتغير على حساب النموذج القياسي، تمامًا مثل نتائج ويلتشير.
غير أن السبب وراء استمرار شكوك فريمان، يكمن في قياسات ظاهرة كونية أخرى تُعرف باسم تذبذبات باريون الصوتية. فقد أجرى مشروع التحليل الطيفي للطاقة المظلمة أيضًا قياسات لهذه التذبذبات، وعندما دُمجت مع بيانات المستعرات العظمى، جاءت النتائج معاكسة تمامًا، حيث فضلّت النموذج القياسي على نموذج المشهد الزمني.
يمكن التفكير في تذبذبات باريون الصوتية على أنها تموجات في البنية الكونية واسعة النطاق. وهي مرتبطة بالموجات الصوتية التي انتشرت في البلازما البدائية، وهي الحوض الكوني الساخن الذي احتوى على جسيمات شديدة الحرارة ملأت الكون في مراحله الأولى، قبل أن تبرد تدريجيًّا وتندمج لتشكل المجرات التي نراها اليوم.
وقد تركت هذه الموجات اختلافات في الكثافة؛ مما أدى إلى تشكيل أنماط مميزة في توزيع تجمعات المادة والفراغات الكونية. وسرعان ما أصبحت هذه التفاوتات في الكثافة هي المخطط الأساسي الذي يُحدد الشكل العام لبنية الكون، بما في ذلك أماكن تكتل المجرات والفراغات الواسعة التي نراها اليوم.
عندما استخرج رايان كاميليري من جامعة كوينزلاند بأستراليا وزملاؤه بيانات تذبذبات باريون الصوتية من ملاحظات مشروع التحليل الطيفي للطاقة المظلمة، وقارنوا هذه البيانات بتوقعات كل من النموذج الكوني القياسي، ونموذج المشهد الزمني، توصلوا إلى أن النموذج القياسي تفوق بوضوح. ومع ذلك، لا يزال فريق ويلتشير غير مقتنع تمامًا بهذه النتيجة، ويرغب في التحقق منها بدرجة أعمق.
وعن ذلك، يقول رايان ريدن-هاربر، أحد أعضاء الفريق: “أهم ما يمكننا فعله حاليًّا هو إعادة النظر في مسألة تذبذبات باريون الصوتية، والتحقق مما إذا كان صحيحًا أن النموذج القياسي لعلم الكونيات يتفوق بطبيعته على هذا النموذج الجديد”.
ترتبط الموجات التي تركت هذه البصمة الكونية بسرعة الصوت في البلازما البدائية، التي حُسبتْ بدقة شديدة ضمن النموذج القياسي، لكنها لم تُحسب بعد لنموذج المشهد الزمني. لهذا يعمل ويلتشير وفريقه حاليًّا على هذه الحسابات لمحاولة اختبار مدى دقة نموذجهم في تفسير البيانات.
إن الوصول إلى الإجابة الصحيحة أمر في غاية الأهمية، لأن هناك الكثير مما يمكن أن يتأثر بناءً على هذه النتيجة. يُعتبر النموذج القياسي لعلم الكونيات الأساس الذي نبني عليه فهمنا للكون، ورغم أنه حقق نجاحات كبيرة بلا شك، فإنه مع ذلك يواجه عدة تحديات ظهرت من أبحاث علم الكونيات الحديثة، ولا تقتصر هذه التحديات على نموذج المشهد الزمني فحسب.
مستقبل علم الكونيات
الخلاصة هي أن النموذج القياسي لعلم الكونيات لم يعد يتوافق مع جميع ملاحظاتنا الكونية. ففي عام 2005، بدأ آدم ريس من جامعة جونز هوبكنز في ماريلاند -وهو أحد العلماء الذين حصلوا على جائزة نوبل لاكتشاف الطاقة المظلمة- تسليط الضوء على لغز علمي يُعرف باسم “توتر هابل”.
يشير هذا اللغز إلى أن الطريقتين الرئيسيتين لحساب معدل التمدد الحالي للكون، المعروف باسم “ثابت هابل” لا تعطيان النتيجة ذاتها. فمثلًا تُعطي الطريقة الأولى، التي تعتمد على ملاحظات المستعرات العظمى في الكون القريب نسبيًّا، قيمة تبلغ حوالي 73 كيلومترًا في الثانية لكل ميغا فرسخ فلكي (وهو وحدة قياس المسافات الكبيرة في الفضاء ويساوي 3.26 سنوات ضوئية*).
أما الطريقة الأخرى لحساب ثابت هابل فتعتمد على رصد إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، وهو الإشعاع الخافت الباقي من الانفجار العظيم، ومن ثم استخدام النموذج القياسي لتتبع تطور الكون على مدى 13 مليار سنة وصولًا إلى قيمته الحالية.
وفقًا لهذه الطريقة، ينبغي أن يكون ثابت هابل اليوم 67.7 كيلومترًا في الثانية لكل ميغا فرسخ فلكي. لكن التباين بين هذه النتيجة والنتيجة التي نحصل عليها من ملاحظات المستعرات العظمى يمثل مشكلة كبيرة. ويرى ريس أن هذا الاختلاف قد يكون “إشارة إلى وجود خلل ما في النموذج الكوني القياسي”.
يعتقد ويلتشير أن نموذج المشهد الزمني قد يكون الحل لمشكلة “توتر هابل”. فعندما انبعث إشعاع الخلفية الكونية الميكروي بعد حوالي 380,000 سنة من الانفجار العظيم، كانت البلازما البدائية التي ملأت الكون متجانسة تقريبًا. ولكن مع مرور الوقت، أدت الجاذبية إلى تجمع المادة؛ مما خلق بنية غير متجانسة تتألف من عناقيد مجرية وفراغات كونية.
إضافة إلى أن ما يميز نموذج المشهد الزمني هو أنه يأخذ هذا التطور في الحسبان، في حين أن النموذج الكوني القياسي لا يفعل ذلك بدرجة كافية. والنتيجة هي أن النموذج الجديد يتوقع ثابت هابل أعلى مما يتوقعه النموذج القياسي، لأن الفراغات الكونية قد توسعت أكثر مما يفترضه النموذج القياسي.
إن الوقت الحاسم لنموذج المشهد الزمني يقترب بسرعة. فخلال السنوات الخمس القادمة، ستتوفر بيانات أدق وأفضل لعلماء الكونيات. في السياق ذاته، يقول ويلتشير إن هذه البيانات ستكون قادرة على حسم الجدل نهائيًّا بين هذا النموذج الجديد والنموذج القياسي. وتشمل هذه البيانات المنتظرة نتائج من أداة التحليل الطيفي للطاقة المظلمة في أريزونا، التي تعمل على إنشاء خريطة للكون من المتوقع اكتمالها بحلول عام 2026. كما أننا في انتظار بيانات جديدة من تلسكوب “إقليدس” الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، وكذلك من التلسكوب العملاق “فيرا روبين” في تشيلي.
أما تلسكوب روبين الذي سيعمل على اكتشاف المستعرات العظمى، فمن المفترض أن يبدأ مسحه السماوي الواسع هذا العام. وعن ذلك، تقول إيموجين ويتام من جامعة أكسفورد، التي تبحث في تطور المجرات: “هذان المسباران سيُحدثان نقلة نوعية في مجال مسوحات المجرات الكونية، وسيمثلان نقلة نوعية في هذا المجال”.
تتمحور وظيفة تلسكوب إقليدس حول رسم خريطة ثلاثية الأبعاد لبنية المجرات؛ مما سيوفر معلومات أكثر تفصيلًا حول تذبذبات باريون الصوتية BAO (وهي آثار لموجات الصوت البدائية التي ساعدت في تشكيل بنية الكون*).
أما تلسكوب روبين، الذي سيبدأ مسحه الشامل للسماء هذا العام، فسيكون بمثابة آلة لاكتشاف المستعرات العظمى (السوبرنوفا). وعن ذلك، تقول إيموجين ويتهام، الباحثة في جامعة أكسفورد والمتخصصة في تطور المجرات: “هذان التلسكوبان سيغيران قواعد اللعبة، فهما يمثلان قفزة نوعية كبيرة في هذا المجال”.
كل هذا يعني أن مستقبل علم الكونيات لا يزال غير محسوم. لكن ويلتشير لا يمانع في الانتظار، فقد قضى ما يقرب من عشرين عامًا في تطوير فرضية “المشهد الزمني”، وهو على استعداد للانتظار بضع سنوات أخرى لمعرفة ما إذا كان قد اكتشف سرًّا من أسرار الكون التي تجاهلها الآخرون. وفي النهاية يختتم حديثه قائلًا: “بحلول نهاية هذا العقد، سنعرف حتمًا الإجابات”.
[ad_2]