“تيلستار”: كيف غيّر قمر صناعي شكل كرة القدم إلى الأبد؟
قد يعتقد البعض أن دخول التكنولوجيا إلى عالم كرة القدم بدأ مع تقنية الفيديو “VAR” أو حساسات التسلل. لكن الحقيقة أن العلاقة بين اللعبة والتكنولوجيا بدأت قبل عقود، وتحديدًا من خلال تصميم الكرة نفسها.
فكرة “تيلستار”، التي طوّرتها شركة أديداس في أواخر الستينيات، تُعدّ مثالًا مبكرًا وبارزًا لهذا التداخل بين الرياضة والتقنية.
“تيلستار”: من قمر صناعي إلى رمز كروي
لم يكن اسم “تيلستار” اعتباطيًا، بل جاء مستوحًى من قمر الاتصالات الصناعي الأميركي “Telstar”، الذي أطلق عام 1962.
وقد طوّرته مختبرات “بيل” لصالح شركة “AT&T”، ليصبح أول قمر صناعي نشط للاتصالات في العالم.
بفضله، حدث أول بث تلفزيوني مباشر عبر المحيط الأطلسي، بالإضافة إلى إرسال أول مكالمات هاتفية وصور فاكس عبر الفضاء.
شكل القمر الصناعي الكروي، والمغطى بألواح شمسية، ألهم مصممي شركة أديداس لتطوير كرة ذات طابع بصري تكنولوجي.
في ذلك الوقت، كانت كرات القدم تُصنع من جلد بني اللون، يصعب تمييزه على شاشات التلفاز الأبيض والأسود المنتشرة آنذاك.
كرة “تيلستار”: البداية التقنية للكرة الحديثة
ظهرت الكرة لأول مرة تحت اسم “تيلستار إيلاست” (Telstar Elast) خلال بطولة أوروبا عام 1968.
لكن شهرتها الحقيقية بدأت في كأس العالم 1970 بالمكسيك، مع اعتماد النسخة المطوّرة “تيلستار دورلاست” (Telstar Durlast) رسميًا لأول مرة في تاريخ المونديال.
ما ميّز هذه الكرة كان تصميمها المكوّن من 32 لوحة جلدية: 12 خماسية الشكل سوداء، و20 سداسية بيضاء.
استُوحي هذا الشكل من مجسم هندسي يُعرف بـ”العشرينيّ المقطوع” (truncated icosahedron)، وكان الهدف منه تحسين رؤية الكرة على الشاشات.
رمز عالمي لكرة القدم
لم يقتصر تأثير “تيلستار” على الملاعب فقط، بل تحوّل تصميمها إلى رمز عالمي لكرة القدم.
ظهر شكلها في الرسوم المتحركة، والملصقات الرياضية، وحتى في ألعاب الفيديو، لتصبح الصورة الذهنية الأشهر للكرة حول العالم.

الشركة المصمّمة وفكرة الابتكار
قامت شركة أديداس بتصميم الكرة، لكنها استندت في الأساس إلى مفهوم هندسي ظهر لأول مرة عبر شركة “سيلكت سبورت” (Select Sport) الدانماركية عام 1962، التي استخدمت التركيبة المكونة من 32 لوحة لأول مرة في كرة رياضية. اعتمدت أديداس التصميم وأضافت إليه طلاء “دورلاست” (Durlast) البوليميري، الذي وفّر مقاومة للماء وخدوش الملاعب.
وكان الابتكار الأبرز هو جعل الكرة أداة بصرية متكاملة تتماشى مع البث التلفزيوني، ما عزز من تجربة المشاهدة ورفع من جودة التغطية الإعلامية للبطولات.
النسخ المختلفة من تيلستار
مرت كرة تيلستار بعدة نسخ وتعديلات عبر السنوات، أبرزها:
تيلستار إلاست (Telstar Elast) بطولة أوروبا إيطاليا (1968): وهي أول نسخة تجريبية للكرة الأيقونية ظهرت في بطولة أوروبا.
تيلستار دورلاست (Telstar Durlast) كأس العالم المكسيك (1970): أول نسخة رسمية في كأس العالم، بيضاء وسوداء بطِلاء مقاوم للماء.
شيلي دورلاست (Chile Durlast) كأس العالم ألمانيا (1974): استخدمت في مونديال ألمانيا.
تيلستار 18 (Telstar 18) كأس العالم في روسيا (2018): نسخة حديثة استخدمت في كأس العالم بروسيا، احتفظت بالشكل العام لكن مع لمسات رقمية وتصميم أكثر حداثة، شمل رقاقات “إن إف سي” (NFC) داخل الكرة لتوفير بيانات عن الأداء.
أيقونة عالمية
رغم أن كرات اليوم تتميز بتقنيات متطورة وتصاميم معقدة، تبقى تيلستار حتى اليوم رمزًا عالميًا لكرة القدم. فصورها تُستخدم في الكتب، والقصص المصوّرة، والإعلانات، وحتى في إيموجي كرة القدم على الهواتف، لتذكّرنا دومًا بأن التكنولوجيا كانت -ولا تزال- لاعبًا أساسيًا في تاريخ هذه اللعبة الشعبية.