• Home  
  • “تسونامي” الاعترافات بفلسطين.. لماذا يجب ألا نفرط في التفاؤل؟ | سياسة
- اقتصاد - غزة

“تسونامي” الاعترافات بفلسطين.. لماذا يجب ألا نفرط في التفاؤل؟ | سياسة

ينقسم المراقبون والرأي العام العربي، بين مؤيد متفائل، بالاعترافات الدولية المتتالية بالدولة الفلسطينية، باعتبارها توطئة ضرورية، بل وقفزة على طريق الانتقال بهذه الدولة من “حبر القرارات” إلى أرض الواقع.. وآخر متحفظ، ينحو للتشاؤم، ينظر للمسألة كخطوة رمزية للغاية، متأخرة كثيرا، لن تحدث فرقا في حياة الفلسطينيين. والأهم، أنها تأتي تعويضا عن عجز المجتمع الدولي عن […]

"تسونامي" الاعترافات بفلسطين.. لماذا يجب ألا نفرط في التفاؤل؟ | سياسة

ينقسم المراقبون والرأي العام العربي، بين مؤيد متفائل، بالاعترافات الدولية المتتالية بالدولة الفلسطينية، باعتبارها توطئة ضرورية، بل وقفزة على طريق الانتقال بهذه الدولة من “حبر القرارات” إلى أرض الواقع.. وآخر متحفظ، ينحو للتشاؤم، ينظر للمسألة كخطوة رمزية للغاية، متأخرة كثيرا، لن تحدث فرقا في حياة الفلسطينيين.

والأهم، أنها تأتي تعويضا عن عجز المجتمع الدولي عن وقف المذبحة، وكبح الاستباحة الإسرائيلية، وإبراء الذمة والضمير، أمام مشاهد القتل والترويع والتجويع المستمرة لما يقرب من عامين.

لماذا لا نفرط في التفاؤل؟

في ظني، أن “الحقيقة” تقع في منزلة بين هاتين المنزلتين، وقد تكون بشكل من الأشكال، حاصل جمعهما معا.

فلا يمكن لعاقل أن يُفرط بالتفاؤل حيال النتائج والتداعيات المترتبة على “تسونامي” الاعترافات بالدولة الفلسطينية، والذي جرف في طريقه مؤخرا، ثلاثا من دول التحالف الأنجلو-ساكسوني: (بريطانيا، أستراليا وكندا)، ويمكن أن نعزو هذا الحذر، إلى أربعة أسباب رئيسة:

  • أولها؛ أنه جاء “قليلا جدا ومتأخرا جدا- Too little Too late”: “قليلا جدا”، بمعنى أن الاعتراف لم يقترن بإجراءات عقابية صارمة على إسرائيل، أقله لوقف “المقتلة” المستمرة منذ عامين، ووقف الزحف الاستيطاني المُتفلت من كل عقال، ومن أجل وضع حد لعربدة الدولة الوحيدة المارقة في هذا الإقليم، بل وفي العالم بأسره.. و”متأخرا جدا”، لأن الاعتراف بدولة للفلسطينيين، جاء بعد أكثر من مئة عام على وعد بلفور المشؤوم، المنشئ لدولة الكيان على أنقاض سكان البلاد الأصليين.

وبعد أزيد من ثلاثة أرباع القرن، على قيامه ضاربا عرض الحائط بخرائط التقسيم والقرار 181، وبعد أزيد من نصف قرن على احتلال “إقليم هذه الدولة”: الضفة، القطاع والقدس الشرقية، وبعد أزيد من ثلث قرن، على بدء مسار مدريد وإبرام اتفاق أوسلو.

والأهم من كل هذا وذاك، أن هذه الاعترافات تتالى، فيما حكومة اليمين الفاشي في تل أبيب، تقضي على نحو منهجي منظم، على أية فرصة لقيام دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة، دع عنك، سيّدة ومستقلة.

ويتصدر “التهجير القسري” جدول أعمال هذا الكيان، ليس في غزة فحسب، وإنما في الضفة والقدس كذلك.. أركان الدولة ثلاثة كما يقول طلاب العلوم السياسية: الأرض (الإقليم)، الشعب، والنظام السياسي، وإسرائيل لا تترك لحظة تمر، دون العمل على تقويض هذه الأركان مجتمعة.

  • ثانيها؛ أن هذه الاعترافات، كثرة منها على الأقل، جاءت محمّلة بالشروط المسبقة، إذ تبارى “المُعترفون” في تدبيج “دفاتر الشروط”، فمنهم من اقترح إصلاحات جذرية في بنية وهياكل السلطة، ودائما بما يعزز دورها الأمني خدمة لإسرائيل واستهدافا لكل أشكال مقاومة احتلالها.

ومنهم من اشترط إنهاء حماس وإخراجها من الحكم والسياسة والجغرافيا، وجعلها نسيا منسيا، وآخرون زجّوا بقضية الرهائن العشرين، كشرط مسبق لتجسيد هذا الاعتراف، وكأن حياة أكثر من 11 ألفا من الأسرى الفلسطينيين، الذين يسامون مختلف صنوف العذاب والإذلال والتجويع، لا قيمة لها من منظور “عواصم حقوق الانسان”.

خلاصة هذه الاعترافات، بعضها على الأقل: نمنحكم دولة مقابل إعادة صياغة نظامكم وإنسانكم وتاريخكم وذاكرتكم ومستقبلكم.

  • ثالثها؛ أن مسلسل الاعترافات، ما كادت حلقاته لتتوالى، لولا هذا الانقلاب في الرأي العام العالمي، انقلاب على صورة إسرائيل “المتخيّلة” وسرديتها المستندة إلى الخرافة والأسطورة.

وهو إذ يأتي تعبيرا عن “براغماتية” تظهرها الأحزاب الحاكمة في هذه الدولة في التعامل مع حسابات “صناديق الاقتراع”، فإنه ينهض شاهدا على إصرار هذه الدول على عدم فعل أي شيء عملي لوقف العدوان البربري ومعاقبة إسرائيل ومقاطعتها.. فكرة “التعويض” هنا، أكبر وأهم من مفاعيل “صحوة الضمير”، وهذا لا ينتقص من أهمية هذا التحول على أية حال، بل قد يكسبه ديمومة مستندة إلى قواعد شعبية راسخة، وجيل جديد متحرر من سطوة “التفوق الأخلاقي” لإسرائيل وعقدة “اللاسامية”.

  • رابعها؛ أن كثرة من هذه الاعترافات بالدولة، لم تقترن كذلك، بتعريف حدودها وخرائطها المُرسّمة في “إعلان الاستقلال” 1988، ولا بموقف من مستقبل الاستيطان القائم والقادم الذي يلتهم إقليمها ويتهدد شعبها.

في نهاية المطاف، يمكن تمرير فكرة “الدولة” منقوصة السيادة والجغرافيا، حتى على بعض أوساط اليمين الإسرائيلي والأميركي، دولة معازل على جزء من الضفة الغربية، شريطة أن تضم العدد الأكبر من السكان، والمساحة الصغرى من الأرض، ومن دون المساس بفكرة “العاصمة الأبدية الموحدة” لدولة إسرائيل.

الفلسطينيون في إعلان استقلالهم قبل ثلاثة عقود، رسّموا حدود دولتهم بالأراضي المحتلة عام 1967، قلة فقط من الدول المعترفة حديثا بدولة للفلسطينيين، أشارت إلى هذه الحدود، ما يُبقي “الملف” مفتوحا لجولات قادمة من الصراع.

نعم هناك فرصة، ولكن!

في المقابل، يذهب المفرطون في تفاؤلهم، حد القول إنه “يوم تاريخي”، وإن القضية الفلسطينية بعده لن تظل كما كانت قبله.. يذهبون في الرهان على هذه التحولات إلى أبعد مدى، ويسوقون في معرض البرهنة على صحة تقديراتهم، جملة من الأسباب، منها:

  • أولا؛ ترفيع مكانة فلسطين من مجرد بعثات وممثليات، إلى سفارات بكامل امتيازاتها الدبلوماسية، بعد أن تكون قد حصلت على اعتراف ما يقرب من 80 بالمئة من دول العالم، وبما يفوق عدد الدول المعترفة بإسرائيل.
  • ثانيا؛ أننا سنكون أمام وضعية “دولة تحت الاحتلال” بدل “شعب تحت الاحتلال”، مع أن وضعية “سلطة تحت الاحتلال”، لم تستحدث فرقا في أحوال الفلسطينيين، بل زادتها سوءا على سوء، ولا أحد لديه ضمانة، بأن وضعهم سيختلف إن حصل ما يتمناه المتفائلون.
  • ثالثا؛ أن “تسونامي” الاعترافات، سيعمق عزلة إسرائيل، واستتباعا، حاميتها الرئيسة: الولايات المتحدة، وسيدفع بهما، وإن بعد حين، للانحناء أمام العاصفة الأممية، لا سيما مع تنامي الضيق العالمي، بحرب الإبادة والتطهير والتهجير، وجرائم الحرب الموصوفة التي باتت موثقة في المحافل الأممية.

والحقيقة، أنه لا بد من الإقرار بأن ما يحدث هو “خطوة في الاتجاه الصحيح” يتعين أن تتبعها خطوات، وتطور إيجابي يتكشف عن “فرصة” يتعين استثمارها، وهو مسار سياسي- دبلوماسي- حقوقي- مقاوم، يتعين أن يبدأ بنسبة الفضل لأصحابه، وأصحاب هذا الفضل، هم أهل غزة أولا، الذين صمدوا لعامين في ظروف تعجز الجبال عن تحملها.

الفضل يعود لدماء أزيد من ربع مليون شهيد وجريح ومفقود وأسير، الفضل يُنسب لمقاومين أبوا رفع الراية البيضاء، وظلوا على عهد الصمود والبسالة، برغم طوفان النار الذي يلفهم، والهوّة السحيقة في توازنات القوى وموازينها، بعد ذلك، وبعد ذلك فقط، يأتي دور الدبلوماسية والدبلوماسيين، ولنا أن نتخيّل سيناريو “سقوط غزة” بعد أيام أو أسابيع قلائل من سيوف نتنياهو الحديدية، أو رضوخ أهلها لمخطط التهجير، ما الذي كان بمقدور الدبلوماسية أن تفعله، وما الذي كان سيتوفر عليه الدبلوماسيون؟

والاستثمار بالفرصة بالمتاحة، ينطلق ثانيا، من الحلقة الفلسطينية، فالنظام الفلسطيني المتهرئ لا يمكن أن يكون رافعةً من روافع تجسيد الدولة، بل سببا في جعلها أبعد منالا، والإصلاح المطلوب، يتعين أن ينطلق من الأولويات الوطنية الفلسطينية، وليس من رغبات وأوامر الدولة المانحة المحكومة بـ”دفتر الشروط” الإسرائيلية.

أداء السلطة، وتفرُّدها، ونهجها الإقصائي ونزوعها للتكيف مع مندرجات الحل الإسرائيلي ومخرجاته، ورهاناتها المفرطة على “الخارج” بدل “الداخل”، كل ذلك لا يشي بأن “العامل الفلسطيني” يساعد على اغتنام السانحة والبناء عليها.

هنا نفتح قوسين لنشير إلى حاجة حماس بشكل خاص، لوقفة مع المرحلة الفلسطينية الجديدة، لإعادة رسم صورتها وموقعها ودورها، بعد أن تضع الحرب أوزارها.. يصعب انتظار الكثير من الحركة التي أطلقت “الطوفان”، أولا، لأن الحرب لم تضع أوزارها بعد، ولا أحد يعرف متى ستنتهي أو كيف، وثانيا، لأن الشرط الأمني المحيط بالحركة وقيادتها، يعقّد من مهمة التفاعلات والمشاورات والمراجعات.

لكنها مهمة ضاغطة، تتعدى في أهميتها، مستقبل الحركة ومكانتها، إلى مستقبل الشعب الفلسطيني ومكانة قضيته.. نحن توّاقون لمعرفة كيف تفكر الحركة في مرحلة ما بعد الحرب، وليس لدينا- الآن- ما نقدمه من قراءات ومقترحات، لها وللمشروع الوطني الفلسطيني، فالمهمة تتجاوز قدرات “العقل الفردي”، ويتعين على “العقل الجماعي” الفلسطيني، أن يجترحها.

والاستثمار في “الفرصة” القائمة، يملي على الدائرة العربية تحركا من نوع مختلف.. النظام الرسمي العربي، أخفق في اجتياز “امتحان الدوحة”، عدوانا وقمة طارئة، وآن أوان الاستناد لهذه الصحوة الدولية، لتقديم نموذج ومثال في التعامل مع “الدولة المارقة”، من خلال خطوات عملية، تنهي مسارات التطبيع المجاني، وتغلق الأجواء في وجه طيران العدو، وتفرض العقوبات والمقاطعة، على كيان الفصل العنصري والإبادة الجماعية والتطهير العرقي و”الترانسفير”.

ليس الوقت ملائما لمنافسات تملأ الشاشات هذه الأيام، حول أي من العواصم العربية كان لها الفضل في حفز “تسونامي الاعترافات”، في إعادة شوهاء لتنافس مماثل حول أي من هذه العواصم، قدّم القسط الأوفر من المساعدات الإنسانية لغزة وأهلها.

لا وقت للتلاوم والمزاحمة، بل لتنسيق الجهد، بين الدول الفاعلة لعزل إسرائيل و”تدفيعها” الثمن، وضمان عدم إفلاتها من العقاب، تلكم هي الطريق المختصرة، لنقل “المنجز الرمزي” إلى حيز التنفيذ، وبخلاف ذلك، سنكون أمام فرصة ضائعة أخرى.

واستثمار “الفرصة” على الساحة الأممية، يبدأ من كسر مفاعيل “الفيتو” الأميركي، الذي استخدم ست مرات، لوقف المقتلة وإنجاز التهدئة.

التوجه للجمعية العامة، من مدخل “الاتحاد من أجل السلام”، والسعي لانتزاع قرار منها، باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. إسرائيل تعيد إنتاج سيرة “نظام الأبارتايد” في جنوب أفريقيا على نحو أكثر همجية وتوحشا، ويجب أن توضع في سلته، سلة مهملات التاريخ.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة نيوز عربي.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

من نحن

“نحن في موقع نيوز عربي نولي اهتمامًا كبيرًا بتجربة المستخدم، حيث يتم تحسين المحتوى والعروض الترويجية بناءً على تحليلات دقيقة لاحتياجات الزوار، مما يسهم في تقديم تجربة تصفح سلسة ومخصصة.”

البريد الالكتروني: [email protected]

رقم الهاتف: +5-784-8894-678