تحركات نحو تحقيق الاستقلال الاقتصادي
تأسس “تحالف دول الساحل” بموجب ميثاق ليبتاكو-غورما، وتشمل أولوياته الدفاع المشترك، وتجميع الموارد لمواجهة انعدام الأمن، كما يوفر لأعضائه الثلاث إطارا إقليميا لمعالجة الفقر والتلاعب الخارجي، ومواجهة العقوبات من المؤسسات التي تعتبرها دولها الأعضاء خاضعة لهيمنة الغرب.
وكل هذه الخطوات تمهد الطريق نحو السيادة الاقتصادية والاستقلال، كما تعكس الإحباط من القوى الاستعمارية السابقة والرغبة في بدائل متعددة الأقطاب، بما في ذلك تعميق العلاقات مع روسيا والصين.
ولتحقيق ما سبق، بدأت دول التحالف نقاشات حول طرح عملة إقليمية جديدة لتحل محل الفرنك الأفريقي، وذلك لتعزيز السيادة النقدية، وتقليل الاعتماد على الهياكل المالية الاستعمارية السابقة.
كما أعلنت في مايو/أيار 2025 عن إنشاء بنك الكونفدرالية للاستثمار والتنمية “BCID-AES”، برأسمال أولي قدره 500 مليار فرنك أفريقي، بهدف تمويل البنية التحتية والتنمية بشكل مستقل، وتجنب الاعتماد على المانحين الدوليين.
وهناك تحركات لتوحيد أطر السفر، مثل جهود جواز السفر المشترك بين دول التحالف، والذي طرح في 29 يناير/كانون الثاني 2025؛ لتسهيل الحركة وتقليل الحواجز بين الدول الأعضاء. كما تم فرض رسوم جمركية موحدة (0.5% رسوم استيراد) على البضائع الواردة من الدول غير الأعضاء، وألغيت رسوم التجوال بين دول التحالف، مما سيعزز تكامل الأسواق والترابط داخل الكتلة.
إلى جانب ما سبق، يشهد قطاعا الطاقة والتعدين تطورات هامة، بما في ذلك إلغاء التراخيص وتطبيق سياسات تعطي الأولوية للمصالح الوطنية (سياسة تأميم الموارد) في قطاع التعدين والقطاعات الرئيسية، محولة التركيز من استغلال الموارد من قبل القوى الخارجية إلى التصنيع المحلي وإضافة القيمة.
وقد اجتمع منظمو الطاقة في التحالف في مايو/أيار 2025 لتنسيق السياسات، مع التركيز على تعزيز الطاقة المتجددة والاكتفاء الذاتي.
وأطلق “تحالف دول الساحل” برامج بنية تحتية مشتركة، وخاصة في قطاع الزراعة، وطبق ضوابط على تصدير الحبوب؛ لضمان الأمن الغذائي في المنطقة. كما أنشأ تحالف منتجي البذور الزراعية في منطقة الساحل “APSA-Sahel” كخطوة إستراتيجية موازية لتعزيز السيادة الغذائية من خلال تشجيع استخدام أصناف البذور المحلية وتطويرها.
وهذه الخطوة تقلل الاعتماد على المدخلات الزراعية المستوردة وتعزز مرونة النظم الغذائية في المنطقة، حيث إن الاهتمام بالبذور المحلية وتطويرها يحسنان الإنتاجية الزراعية، ويضمنان سيطرة أكبر على سلاسل الإمداد الغذائي.
ويضاف إلى ما سبق أن قادة “تحالف دول الساحل” ووزراء ماليته قد أكدوا في مساعيهم وتصريحاتهم على تنويع الشراكات الخارجية، والسعي إلى استقطاب استثمارات ودعم إستراتيجي من دول البريكس والصين وصناديق الثروة السيادية الأفريقية، مع إعادة التفاوض على الشروط مع المانحين الغربيين التقليديين.
مؤشرات اقتصادات دول التحالف
من السابق لأوانه الجزم بنجاح “تحالف دول الساحل” أو فشلها في تحقيق أهدافها الاقتصادية، نظرا للتحديات الهائلة التي أدت إلى الانقلابات الأخيرة، وتفاقم المشاكل الاقتصادية والتنموية؛ بسبب العقوبات الدولية والأزمات الأمنية الوطنية والإقليمية.
إضافة إلى أن بعض الإصلاحات الاقتصادية والمبادرات التنموية قد لا يشعر بها المواطنون إلا بعد فترة حتى لو كانت البيانات والإحصاءات تؤيد فاعلية تلك الإصلاحات. ومع ذلك، وبالنظر إلى التقارير الأخيرة حول كل دولة في الكونفدرالية، يلاحظ أن جميعها تقدم نظرة إيجابية عامة.
حالة دولة مالي:
بدأ اقتصاد مالي يتعافى ببطء بعد الركود الذي شهده في 2020؛ إذ قدر نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبلاد بنسبة 3.7% في 2022، ليتسارع إلى 4.5% في 2023. وقد توقع وصوله إلى 4.7% في 2024، و5.0% في 2025. وكانت القطاعات الرئيسية الدافعة للنمو هي: الزراعة، والخدمات، إلى جانب الاستخراج الجديد لليثيوم مؤخرا.
ومما يعزز اقتصاد مالي أن البلاد اعتمدت في 2023 قانونا جديدا للتعدين، زاد بشكل ملحوظ حصة الدولة في مشاريع التعدين من 20% إلى 35%، بما في ذلك حصة حكومية إلزامية مجانية بنسبة 10%، وخيار الحصول على 2% إضافية خلال عامين من الإنتاج التجاري.
كما خصصت حصة 5% إضافية للمصالح الخاصة المحلية. وأكدت المراسيم التنفيذية الجديدة الصادرة في 2024 على سيطرة الدولة، ومتطلبات المحتوى المحلي، والرقابة الصارمة على عمليات نقل الملكية، مع إعطاء الأولوية لموافقات الحكومة والحد من الاحتكار من خلال وضع حد أقصى لتصاريح الاستكشاف.
وقد ألغى قانون التعدين بعض الإعفاءات الضريبية، وأدخل رسوما بنسبة 7.5% على مبيعات الذهب التي تزيد عن 1500 دولار للأونصة، ويلزم شركات التعدين بتخصيص جزء من دخلها لصندوق التنمية المحلية للتعدين الذي يدعم المشاريع المجتمعية.
إضافة إلى إجراءات أخرى تعزز بناء القدرات المحلية والاستدامة البيئية في مجال التعدين الحِرفي، بما في ذلك التخلص من المواد الكيميائية الضارة. وبلغت الإيرادات المستردة من خلال عمليات التدقيق والمفاوضات حوالي 750 مليار فرنك أفريقي (حوالي 1.2 مليار دولار أميركي) في أوائل 2025، مما عزز خزائن الدولة.
وفي حين انخفض إنتاج الذهب بنسبة 23% في 2024؛ نتيجة التحديات الانتقالية الناجمة عن تغييرات السياسات؛ فإن هناك توقعات بأن يصبح الليثيوم الذي بدأ استخراجه في 2024 سلعة تصدير رئيسية جديدة لمالي، مما قد يعوض جزئيا عن خسائر عائدات الذهب.
وقد أطلقت وزارة المعادن في مالي صناديق لتمويل البنية التحتية في قطاعي الطاقة والنقل لدعم قطاع التعدين. كما تركز الجهود على توسيع البنية التحتية لضمان إمدادات الطاقة اللازمة للنمو الصناعي والتعديني، وهو أمر ضروري في ظل نقص الطاقة الذي يؤثر على الأنشطة الاقتصادية.
ويضاف إلى ما سبق أن الإنتاج الزراعي القوي يواصل دعم النمو والأمن الغذائي؛ إذ ساهمت صادرات القطن وتحسن شروط التبادل التجاري في تضييق عجز الحساب الجاري للبلاد واستقرار الأسعار.
وقد ركزت حكومة مالي أيضا على توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين تحصيل الإيرادات، وتعزيز الرقابة على الإنفاق العام، وخاصة على الشركات المملوكة للدولة وشركة الكهرباء.
كما شهد قطاع الاتصالات نموا مع توسع الاستثمارات، مما يساهم في تنويع الاقتصاد. وأدت رقمنة إدارة الضرائب وتحسين الجمارك إلى ضبط أوضاع المالية العامة، مما خفض العجز إلى 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024.
ومع ذلك، من المتوقع أن يتسع العجز المالي مجددا (3.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2025)؛ بسبب الإنفاق المتعلق بالفيضانات وانخفاض عائدات التعدين. كما ارتفع الدين العام بشكل طفيف، حيث يقدر بنحو 52- 55% من الناتج المحلي الإجمالي، مع تصنيف خطر ضائقة الديون على أنه معتدل.
حالة بوركينا فاسو
انتعش النمو الاقتصادي في بوركينا فاسو من تباطؤ بلغ 1.7% في 2022 إلى 3.6% في 2023، ثم تسارع إلى ما يقدر بنحو 4.9% في 2024، حيث إن قطاعي الخدمات والزراعة هما المحركان الرئيسيان لهذا النمو، وذلك لاستفادة الزراعة من الطقس الملائم والدعم الحكومي، وعودة المزارعين إلى الأراضي المهجورة سابقا.
وهناك دور ثانوي ملحوظ لتعدين الذهب في اقتصاد البلاد، على الرغم من انعدام الأمن الذي تسبب في اضطرابات متقطعة وإغلاق المناجم، وخاصة منجم بونغو للذهب.
وهناك تحركات إصلاحية لحكومة البلاد لتحسين تحصيل الضرائب وإدارة التعدين وتعزيز الفوائد المحلية من التعدين. وهناك مساعٍ لإصلاح قطاع التعدين الحِرفي (أو التعدين صغير النطاق)؛ لتحسين السلامة وإضفاء الطابع الرسمي على عملياته.
وقد سلطت البيانات المرتبطة باقتصاد بوركينا فاسو لعام 2025 الضوء على أهمية توسيع قطاع الطاقة لتحقيق النمو، ودعم التحول الاقتصادي الأوسع، حيث تعزز الحكومة سياساتها لتحسين معدلات الكهربة، والوصول إلى المناطق الحضرية والريفية، وتنويع مصادر الطاقة من خلال استثمارات الطاقة المتجددة. ويجري السعي لإبرام شراكات واتفاقيات تمويل لدعم تحديثات الشبكة، وتوسيع البنية التحتية اللازمة للنشاط الصناعي.
وارتفع نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من 0.7% في 2023 إلى 2.5% في 2024. كما انخفض التضخم بشكل حاد إلى 0.7% في 2023، لكنه ارتفع إلى حوالي 4.2% في 2024؛ بسبب انقطاع الإمدادات ومضاربة أسعار المواد الغذائية؛ بسبب تأخر موسم الأمطار.
وعلى الرغم من الضغوط التضخمية، انخفض معدل الفقر المدقع بنحو 3 نقاط مئوية إلى حوالي 23% في 2024، مع تحسن ملحوظ في المناطق الريفية. كما تحسن العجز المالي، حيث انخفض من 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023 إلى 5.6% في 2024، مدعوما بتحسن تعبئة الإيرادات وخفض النفقات.
ولا تزال مستويات الدين مثيرة القلق لدى بعض الاقتصاديين، إذ اقترضت البلاد بشكل رئيسي من الأسواق الإقليمية، وتواجه أسعار فائدة مرتفعة (أكثر من 9% على سندات الخزانة لأجل 12 شهرا).
حالة النيجر:
يتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي في النيجر حوالي 7.4% في 2025، وهو أقل من معدل النمو المتوقع في 2024 والبالغ 10.4%. ويعود هذا التطور بشكل رئيسي إلى قطاع الهيدروكربونات، وخاصة صادرات النفط، بالإضافة إلى مرونة القطاع الزراعي. كما يتوقع أن يتراجع التضخم مع انحسار الضغوط الناجمة عن العقوبات وتقلبات الأسعار.
وقد ساهمت الظروف الجوية المناسبة في الأداء الزراعي القوي. كما أن اليورانيوم والذهب لا يزالان يهيمنان على قطاع التعدين في البلاد، حيث يعد التعدين عنصرا أساسيا في عائدات التصدير.
وهناك سياسات جارية ساعية إلى تعزيز حوكمة التعدين وجذب الاستثمار في هذا القطاع، إلى جانب الجهود الأخرى لتطوير استخراج النفط، وتنويع عائدات الموارد المعدنية.
ولتوسيع نطاق إيراداتها، تركز حكومة النيجر على تطوير البنية التحتية للطاقة، وذلك لدعم استخراج النفط وجهود التصنيع الأوسع، كما أن هناك اهتماما بمشاريع الطاقة المستدامة، وتحسين الوصول إلى شبكة الكهرباء كجزء من خطط التنمية الوطنية متوسطة الأجل.
تحديات مستمرة
لا تزال دول التحالف تعاني تحديات مستمرة تؤثر في البيئة الاقتصادية في الدول الثلاث. ومن بين هذه التحديات ما له علاقة بالتطورات السياسية، إذ منذ الانقلابات العسكرية الأخيرة في هذه الدول؛ أجلت الحكومة الانتقالية في مالي الانتخابات، وحظرت بوركينا فاسو جميع الأنشطة السياسية، وفي النيجر التي يستمر فيها اعتقال الرئيس المطاح به محمد بازوم، تتردد تقارير عن احتجاز مسؤولين حكوميين سابقين وصحفيين آخرين.
ومع إعاقة عمل الأحزاب السياسية أو تعليقها وحلها، يرى منتقدو الحكومات الانتقالية في الدول الثلاث أن تلك التحركات تقوض ثقة المستثمرين الذين ينظرون إليها كمؤشر على غياب سيادة القانون.
كما أن توالي الأخبار والتقارير عن محاولات انقلاب فاشلة يقودها جنود متهمون بالدعم من الخارج، يفاقم الاستقطاب الاجتماعي، ويثبط الاستثمار الأجنبي الذي هو أساسي للنمو في هذه الدول الثلاث.
ومن التحديات أيضا أنه في حين يتوقع أن تخفف علاقة المغرب، والسنغال، أو دول أخرى صديقة مع مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، من وطأة الوضع الجيوغرافي لهذه الدول الثلاث (كدول غير ساحلية)، إلا أن هذه الدول لا تزال بحاجة ماسة للدول الساحلية المجاورة للوصول إلى طرق التجارة البحرية.
كما أن الاعتماد على الدول الواقعة على مسافات بعيدة يزيد من تكاليف النقل ورسوم العبور والتعقيدات اللوجيستية، مما يرفع تكلفة الواردات والصادرات، ويرهق قدرة هذه الدول التنافسية الاقتصادية، ويقلص هوامش الربح للشركات والمستهلكين المحليين.
وقد أظهرت مؤشرات الاقتصاد أنه رغم الإصلاحات والتحسنات الاقتصادية الجارية في دول التحالف، لا تزال منطقة الساحل محفوفة بالصراع الإثني وأزمة الإرهاب.
وهذه التحديات الأمنية تؤثر في إمكانات جذب الاستثمار بنطاق واسع وخاصة في مناطق الصراع، كما تعطل الأنشطة الزراعية والتجارية، وتستنزف الموارد العامة، مما يؤثر في التنمية الاقتصادية المستدامة، مع الإشارة إلى أن “تحالف دول الساحل” أنشأ قوة أمنية مشتركة لا تزال استجاباتها في طور التطور والتكيف مع طبيعة الأزمات الأمنية.
ويمكن ملاحظة تحديات أخرى وفق حالة كل دولة من دول التحالف؛ فمالي لا تزال تعاني نقصا مستمرا في الكهرباء منذ أغسطس/آب 2023، متضررة من سوء إدارة القطاع والديون.
وقد أعاق انقطاع التيار الكهربائي النمو الصناعي وإنتاج الصناعات التحويلية. وهناك عجز مالي؛ بسبب زيادة الحكومة الإنفاق على التعافي من الفيضانات التي حدثت في 2024 و2025.
وفي بوركينا فاسو أظهرت تقارير عامي 2024 و2025 أن اقتصاد البلاد لا يزال يعتمد اعتمادا كبيرا على صادرات الذهب والقطن، مما يجعله عرضة لتقلبات أسعار السلع الأساسية والصدمات المناخية.
وتستمر الضغوط المالية في ظل الإنفاق الأمني المرتفع ومحدودية تعبئة الإيرادات. كما تؤثر فجوات البنية التحتية – وخاصة في إمدادات الطاقة والنقل – وارتفاع التضخم، مدفوعا بتقلب أسعار الغذاء، في النمو الاقتصادي الأوسع وجهود الحد من الفقر.
وفي النيجر لا يزال اقتصاد البلاد يعتمد اعتمادا كبيرا على عدد محدود من القطاعات: الزراعة التي توظف حوالي 80% من السكان ولكنها تعاني من انخفاض الإنتاجية وتأثرها بتغيرات المناخ، والصناعات الاستخراجية مثل اليورانيوم والنفط، ما يعرض البلاد لتقلبات أسعار السلع الأساسية ومخاطر العرض، والذهب، إلى جانب التجارة غير الرسمية. بل وظل التضخم مرتفعا بسبب ارتفاع أسعار الغذاء، وانقطاع الإمدادات.
وانخفضت الإيرادات الحكومية في 2024، وخاصة من الضرائب المتعلقة بالتجارة، مما أدى إلى انخفاض الإنفاق الاستثماري العام. وازداد العجز المالي، وأدى التراكم السريع للديون إلى خفض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تصنيف مخاطر استدامة ديون النيجر من متوسطة إلى مرتفعة.
فرص واعدة
تشير المؤشرات والتوقعات الاقتصادية الإيجابية إلى قدرة دول التحالف على تعزيز النجاحات التي حققتها في السنوات القليلة الماضية، رغم التحديات القائمة، كما بإمكانها استغلال الفرص الواعدة لتسريع نموها وتطوير المنطقة.
وعلى سبيل المثال، تتمتع دول: مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو بإمكانات ديمغرافية ومواردية هائلة تمكنها من تنفيذ إصلاحات اقتصادية تركز على الاعتماد على الذات، وإضافة القيمة الإقليمية للحد من التبعيات الخارجية، وذلك بفضل تعداد سكاني يتجاوز 71 مليون شخص، وموارد طبيعية هائلة تشمل المعادن والأراضي الصالحة للزراعة، واحتياطيات الطاقة.
كما يتيح الاستقلال الاقتصادي لأعضاء التحالف الثلاث تصميم سياسات مالية وتجارية واستثمارية تلبي احتياجات كل منها وواقعها المحلي، مما يوفر سيطرة أكبر على إدارة الموارد الطبيعية والسياسات النقدية والتصنيع بما يتناسب مع سياقاتها، ويعزز السيادة الوطنية والإقليمية.
وقد شاركت هذه الدول الثلاث في اجتماعات إيكواس مؤخرا، وتواصل التعاون معها في مجال بروتوكولات التجارة والتنقل، مما يشير إلى نهج عملي يوازن بين السيادة والتعاون الاقتصادي الإقليمي لتحقيق الاستقرار والنمو.
وتعمل دول التحالف أيضا على التعاون مع جهات فاعلة عالمية تتجاوز العلاقات الغربية التقليدية، بما في ذلك دول مجموعة البريكس والصين، مما يفتح آفاق الاستثمار المتنوع، ونقل التكنولوجيا، والنهج المبتكرة لتطوير البنية الأساسية الإقليمية، والتعاون الأمني، والتجارة القادرة على دعم الاستقلال الاقتصادي المستدام.
خاتمة
يتجاوز المشروع الاقتصادي لأعضاء “تحالف دول الساحل” مجرد محاولة لتحقيق الاعتماد على الذات؛ فهو يعزز التكامل فيما بينها وفق الإستراتيجيات الجديدة التي تركز بشكل أقل على المعايير الخارجية وأكثر على الوكالة المحلية، والقادرة على تحقيق نتائج أفضل.
وفي حين أن أنظمة التعريفات الجمركية الجديدة، والإصلاحات المؤسسية، والتحولات في السياسات تحدث اضطرابات في التجارة، وتثير جدلا حول حدود السيادة والتعاون في غرب أفريقيا، فإن النجاح بالنسبة لهذه الدول يعني تحقيق التحول من منطقة تعاني من الأزمات إلى منطقة تسخّر مواردها وموقعها الإستراتيجي لتحقيق التنمية الشاملة.
وفي حين تركز الإصلاحات الهيكلية في الدول الثلاث على تحسين الإنتاجية الزراعية، وتنويع الصادرات، وتعزيز نمو القطاع الخاص، وتوسيع الشمول المالي الرقمي، فإن هناك حاجة أيضا إلى الاستثمار في الري والتكنولوجيا والبنية التحتية لبناء القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات المناخية والأمنية، إضافة إلى تعزيز تنمية رأس المال البشري والحوكمة في القطاعات الاستخراجية لاستدامة النمو طويل الأجل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة نيوز عربي.