وأقر القادة الذين اجتمعوا في قمة مؤتمر المناخ بمدينة بيليم البرازيلية يومي الخميس والجمعة الماضيين بأن العالم فشل في الحد من ظاهرة احترار المناخ بما يتوافق مع الاتفاق الذي أبرم قبل 10 سنوات. لكن ذلك يؤكد، حسب الخبراء، فشل المسارات المتبعة في تطبيقه، وليس الاتفاق نفسه.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsend of list
ويقول عديد من العلماء والمسؤولين إن ظاهرة الاحتباس الحراري على الأرض أصبحت أسوأ وأسرع، جراء الزيادة في حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي الذي ينبعث منه تلوث الكربون الذي يؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.
ومع أنه تم تحقيق بعض التقدم، بتخفيض أكثر من درجة مئوية من توقعات الاحتباس الحراري المستقبلية منذ عام 2015، ولكن الافتقار إلى القدر الكافي من ذلك سوف يكون محور تركيز كبير خلال الأسبوعين المقبلين في بيليم بالبرازيل للمشاركة في مفاوضات الأمم المتحدة السنوية بشأن المناخ.
ويقول يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث المناخ في ألمانيا: “أعتقد أنه من المهم أن نكون صادقين مع العالم ونعلن فشلنا”. وأضاف أن أضرار الاحتباس الحراري تحدث بشكل أسرع وأكثر حدة مما توقعه العلماء.
من جهتها، تقول كريستيانا فيغيريس، رئيسة المناخ السابقة في الأمم المتحدة، والتي ساعدت في رعاية هذا الاتفاق، الذي يتطلب من البلدان وضع خطط لمكافحة الاحتباس الحراري: “نحن في الواقع في الاتجاه الذي حددناه في باريس بسرعة لم يكن أحد منا ليتوقعها”.
لكنها قالت إن سرعة جهود البشرية لمكافحة المناخ أبطأ من تسارع أضرار المناخ، مضيفة أن هذا يعني أن “الفجوة بين التقدم الذي نراه على الأرض والمكان الذي ينبغي أن نكون فيه، لا تزال موجودة وتتسع”.
وقالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن العالم “يتأخر بشكل واضح.. نحن نقطع الفرع الذي نجلس عليه”.
علامات الخطر
منذ عام 2015، ارتفعت درجة حرارة الكوكب السنوية بنحو 0.46 درجة مئوية، وهي واحدة من أكبر الزيادات المسجلة في درجات الحرارة خلال 10 سنوات، وفقا لبيانات هيئة كوبرنيكوس الأوروبية للمناخ. وحسب المنظمة الدولية للأرصاد الجوية، فإن عام 2025 سيكون إما ثاني أو ثالث أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق.
لقد ضربت موجات الحر القاتلة ليس فقط المناطق الساخنة التقليدية، مثل الهند والشرق الأوسط، ولكن شملت حتى أكثر الأماكن اعتدالا، مثل منطقة شمال غرب المحيط الهادي في أميركا الشمالية وسيبيريا في روسيا.
وتعرضت الأرض مرارا وتكرارا لتقلبات جوية أكثر تكلفة وخطورة وتطرفا. وشهد العقد المنصرم -بدءا من عام 2015- أكبر عدد من أعاصير الأطلسي من الفئة الخامسة، وأكبر عدد من الكوارث الجوية التي بلغت قيمتها مليارات الدولارات في الولايات المتحدة، وفقا لسجلات الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي.
وقد تعرضت الولايات المتحدة لـ193 كارثة، كلفت ما لا يقل عن مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، بكلفة إجمالية بلغت 1.5 تريليون دولار.
كما التهمت حرائق الغابات أجزاء من هاواي وكاليفورنيا وأوروبا وأستراليا. ودمرت الفيضانات مناطق في باكستان والصين وجنوب أميركا، وزادت حدة الأعاصير التي ضربت شرق آسيا ومنطقة الكاريبي. وحسب تقديرات العلماء، فإن معظم هذه الكوارث، تحمل بصمات تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية.
ومنذ عام 2015، اختفت أكثر من 7 تريليونات طن من الجليد من الأنهار والصفائح الجليدية في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، وفقا لتقديرات علماء الجليد. وهذا يعادل أكثر من 19 مليون مبنى بحجم “إمباير ستيت” في نيويورك.
وخلال العقد الماضي، ارتفع منسوب مياه البحار في العالم بمقدار 40 مليمترا. وربما لا يبدو هذا كثيرا، ولكنه يكفي لملء 30 بحيرة بحجم بحيرة إيري (بين الولايات المتحدة وكندا)، وفقا لستيف نيريم، أستاذ بجامعة كولورادو وباحث في ارتفاع مستوى سطح البحر.
وحتى منطقة الأمازون، حيث ينعقد مؤتمر المناخ العالمي في البرازيل، تحولت من منطقة إنقاذ الكوكب التي تمتص الغازات المسببة للاحتباس الحراري من الهواء إلى منطقة تنفث هذه الغازات في بعض الأحيان بسبب إزالة الغابات.

منحنى على الطريق
ولكن هناك أيضا الكثير مما يحتفل به المسؤولون خلال السنوات العشر الماضية، فقد أصبحت الطاقة المتجددة الآن أرخص في معظم الأماكن من الفحم والنفط والغاز الطبيعي الملوث.
ففي العام الماضي، كان 74% من النمو في الكهرباء المولدة عالميا من طاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها من الخيارات الخضراء، وفقا لتقريرين صادرين عن الأمم المتحدة في يوليو/تموز الماضي. وفي عام 2015، بِيعَ نصف مليون سيارة كهربائية عالميا، و17 مليون سيارة العام الماضي، وفقا للتقرير.
في عام 2015، توقعت الأمم المتحدة أن ترتفع درجة حرارة الأرض بما يقارب 4 درجات مئوية منذ منتصف القرن الـ19. أما الآن، فالعالم في طريقه إلى ارتفاع درجة حرارته 2.8 درجة مئوية، وربما أقل قليلا إذا التزمت الدول بوعودها.
ولكن هذا لا يزال بعيدا كل البعد عن هدف الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية، وهو المستوى الذي تقول التقارير العلمية إنه يمثل خط الخطر إلى حد كبير والذي أصبح الهدف الشامل لاتفاقية باريس.
وفي هذا السياق يقول روكستروم: “قبل 10سنوات، كان لدينا مسار أكثر تنظيما للابتعاد تماما عن 1.5 درجة مئوية. والآن، بعد مرور 10 سنوات، فشلنا”.
ويكشف تقرير يفحص عشرات المؤشرات على التقدم -مثل منشآت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح- في التحول من اقتصاد الوقود الأحفوري، عن أن أيا منها لم يكن على المسار الصحيح للحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة عند أو أقل من هدف 1.5 درجة مئوية.
ووجد التقرير -الذي أعدته مؤسسة بيزوس للأرض، ومؤسسة تحليلات المناخ، وأبطال المناخ رفيعي المستوى، ومؤسسة كلايمت ووركس، ومعهد الموارد العالمية- أن 35 فقط من الدول تسير في الاتجاه الصحيح على الأقل، وإن كان ذلك ببطء شديد.
وتقول كيلي ليفين، مؤلفة التقرير ورئيسة قسم العلوم والبيانات في صندوق بيزوس للأرض: “التقنيات، التي كانت في السابق مجرد افتراضات، أصبحت الآن واقعا ملموسا. والخبر السار هو أن الواقع قد فاق كثيرا من التوقعات قبل عقد من الزمن. لكنها ليست سريعة بما يكفي لتلبية الاحتياجات”.

التلوث يستمر في التصاعد
حسب التقارير، ارتفعت مستويات الميثان في الغلاف الجوي بنسبة 5.2% من عام 2015 إلى عام 2024، في حين قفزت مستويات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 5.8% في الوقت نفسه، وفقا لبيانات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
لقد خفضت عديد من البلدان النامية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبقية العالم المتقدم، انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 7% منذ عام 2015، ولكن بلدانا أخرى شهدت ارتفاع انبعاثاتها، مع ارتفاع انبعاثات الصين بنسبة 15.5% والهند بنسبة 26.7%، وفقا لبيانات مشروع الكربون العالمي.
كما يشير تقرير لمنظمة أوكسفام الدولية حول الانبعاثات العالمية حسب مستوى الدخل إلى أن أغنى 0.1% من الناس زادوا انبعاثاتهم الكربونية بنسبة 3% منذ عام 2015. وفي الوقت نفسه، خفض أفقر 10% من الناس انبعاثاتهم بنسبة 30%.
وفي هذا السياق تقول جوانا ديبليدج، مؤرخة مفاوضات المناخ من جامعة كامبريدج بإنجلترا: “لقد كان أداء اتفاقية باريس نفسها دون المستوى المطلوب.. للأسف، إنها من تلك الحالات التي يكون فيها نصفها ممتلئا ونصفها فارغا، حيث لا يُمكن القول إنها فشلت. ولكن في الوقت نفسه، لا يُمكن القول إنها نجحت نجاحا باهرا”.



