وحسب تقرير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية لسنة 2023، فقد بلغ إنتاج المغرب حوالي 6.8 أطنان من الذهب خلال سنة 2022، ومن المتوقع أن تشهد هذه الكمية ارتفاعا ملموسا حال تطوير هذه العروق الجديدة، إذ تعتبر على المستوى الدولي، الرواسب التي تتجاوز 10 غرامات في الطن عالية الجودة، ما يجعل اكتشاف كلميم الذي وصل إلى 300 غرام في الطن من بين الأغنى عالميا، ما يضفي على هذا المورد قيمة استراتيجية عالية، ويضمن استغلاله بشكل مربح حتى مع تراجع أسعار الذهب، في حين تعمل العديد من المناجم حول العالم بأرباح رغم متوسط خاماتها المحدود عند 1–2 غرام في الطن، بينما تعتبر أي نسبة تفوق 5 غرامات في الطن عالية الجودة.
وتتجلى فرادة هذا الاكتشاف في تجانس التمعدن عبر عشرات العروق، إذ لم يتم العثور على جيب غني واحد فقط، بل على شبكة متكاملة تضم 34 بنية معدنية، ما يشير إلى نظام جيولوجي واسع يحمل إمكانات مستقبلية ضخمة، حيث تنتمي هذه العروق إلى الترسيبات الحرارية المائية الكلاسيكية، التي تشكلت بفعل تسرب سوائل غنية بالمعادن عبر شقوق صخور ما قبل الكمبري في جبال الأطلس الصغير، على بعد نحو 200 كيلومتر جنوب أكادير، لتتبلور المعادن مع برودة هذه السوائل وتشكل العروق الغنية التي نراها اليوم.
ولا تقتصر أهمية الموقع على الجوانب الجيولوجية فحسب، بل تحمل أيضا دلالات تاريخية وثقافية، إذ تقع هذه العروق فوق مجاري نهر درعة القديم، الذي كان يتدفق من الجزائر مرورا بموريتانيا، وكان معروفا بحمل ترسيبات الذهب، ما يجعل العروق المكتشفة إشارة إلى أن الذهب الغريني الذي استخرج قديما من رواسب النهر يعود أصله إلى هذه المصادر الأساسية نفسها، ما يعزز مكانة المغرب في تاريخ التعدين بالمنطقة.
ويكتسب الاكتشاف بعدا ثقافيا إضافيا، إذ من المحتمل أن ذهب هذه المنطقة قد غذى طرق التجارة القديمة التي ربطت شمال إفريقيا بجنوب الصحراء وربما بمناطق أبعد، ليصبح اكتشاف كلميم بمثابة حلقة وصل بين المغرب وتاريخه العميق في الثروة المعدنية والتبادل التجاري عبر الصحراء، مؤكدا على الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لهذا المورد الثمين في تعزيز مكانة المملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي.