الولادة والنشأة
ولد بانكسي عام 1974 في مدينة بريستول جنوب غرب المملكة المتحدة، ورغم شهرته الواسعة فهو شخصية غامضة، إذ اختار أن يبقي حياته الشخصية بعيدة عن الأضواء ولم يكشف عن هويته.
وفي مقابلة أجرتها إذاعة “بي بي سي” البريطانية عام 2003 ضمن سلسلة بودكاست “ذو بانكسي ستوري”، سأل الصحفي فنان الغرافيتي عما إذا كان اسمه الحقيقي روبرت بانكس، فأجابه “إنه روبي”.
وقد أثارت هذه المقابلة المزيد من الفضول، وتداولت أسماء كثيرة من بينها روبرت وروبن وروبي.
وأسهم المصور الفني ستيف لازاريس في توثيق بدايات بانكسي الفنية بعد لقائهما الأول عام 1997، فقد أعجب بأعماله وسرعان ما أصبح مدير أعماله، كما رافقه في مراحل مفصلية من حياته، وبقي مصدرا مهما لفهم شخصية بانكسي الغامضة.
بدايته الفنية
في عام 1993 بدأ الفنان البريطاني الغامض في الظهور بشكل لافت بفضل جداريات كان يرسمها يدويا، لكن مع حلول عام 2000 شرع في استخدام قوالب “الاستنسل”، وهي أدوات تستخدم في فن الشوارع وتمكن الفنانين من تكرار الرسومات على الجدران والأرصفة في وقت وجيز وبدقة عالية.
وقد ساعدته تلك القوالب في تطوير أسلوب خاص به، وكان يعتمد في أغلب رسوماته على صور الجرذان ورجال الشرطة، وتحمل رسائل ناقدة للسلطات بطريقة ساخرة وذكية.
ولم يكتف بانكسي بالرسم على الجدران، بل دمج فن الغرافيتي مع فنون الأداء والتركيب، ففي عام 2003 وفي معرضه “حرب العشب” رسم لوحات على أجسام خنازير حية لإيصال أفكاره.
بعد مضي عامين نظم معرض “الزيوت الخام” بالعاصمة البريطانية لندن، وعرض نسخا معدلة من لوحات لفنانين مشهورين أمثال الرسام الفرنسي كلود مونيه والرسام الهولندي فانسو فان غوخ والرسام الأميركي إدوارد هوبر، لكن بأسلوب نقدي ومعاصر، وأطلق أثناء العرض 200 جرذ حي تتجول بين الأعمال التي عرضها، وكانت بالنسبة إليه فنا تركيبيا ورمزا قويا وجزءا من العرض.
وفي خطوة جريئة في العام نفسه، ثبت مجموعة من أعماله الخاصة على جدران متحف ميتروبوليتان للفنون بنيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، ومتحف تايت بريتن بلندن في بريطانيا بعدما دخل إليها متخفيا.
جداريات عالمية
في أغسطس/آب 2005 سافر إلى الضفة الغربية المحتلة وتوجه إلى جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، ورسم أطفالا يلعبون في مكان قاحل ومملوء بالتراب والغبار، ثم رسم فتحة جدار تظهر منظرا طبيعيا خلابا وشاطئا جميلا.
في سبتمبر/أيلول 2006 نظم فعالية دامت طوال نهاية الأسبوع في مستودع بلوس أنجلوس الأميركية، رسم فيها لوحات على فيل حي وزينه، وسجلت الفعالية إقبالا كبيرا رغم عدم وجود دعاية لها.
مع حلول عام 2008 نظم الفنان البريطاني مهرجان “كانس”، في إشارة إلى مهرجان كان السينمائي، لكنه يقصد علب البخاخ التي تستعمل في فن الشوارع، ودعا الزوار والفنانين للحضور وإظهار فنهم، وأقيم المهرجان في نفق للسكك الحديدية هناك. وشارك إلى جانب بانكسي 40 رساما من دول مختلفة.
كما تفاعل بانكسي مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وهو ما عرف بقضية “البريكست”، برسمة على جدار في مدينة دوفر التابعة لمقاطعة كينت البريطانية عام 2017، وصور فيها أحد العمال وهو يزيل نجمة من علم الاتحاد في إشارة إلى تفكك الوحدة الأوروبية.
مؤلفاته
صدر لبانكسي العديد من الكتب التي وثق فيها أعماله، ومن ضمنها:
- “اضرب رأسك عرض الحائط” عام 2001.
- “إكسيستنشليزم” عام 2002 (جمع فيه بين كلمتي الوجودية في الفلسفة والقالب وهو أسلوب شائع في فن الشارع”.
- كتاب “القطعة والجدار” عام 2005.
وإلى جانب كتبه، أخرج الرسام بانكسي عام 2010 فيلما تناول فيه حياة وأعمال العديد من فناني “الغرافيتي” العالميين.
واعتبر بعض النقاد هذا العمل وثائقيا جيدا وعملا فنيا، بينما رآه آخرون “عملا ساخرا”.
أبرز المشاريع
وبحلول سبتمبر/أيلول 2015 افتتح بانكسي مشروعه الأكبر ـ حتى ذلك الوقت ـ في مدينة ويستون سوبر مار بإنجلترا، وتمثل في إنشاء ديزمالاند، وهو منتزه ترفيهي مؤقت ومعرض فني تصويري دعا إليه فنانين كثرا.
وفي عام 2017 أنشأ فندقا في مدينة بيت لحم بأراضي فلسطين المحتلة، وأطلق عليه اسم “الفندق المسور” نظرا لوجوده بالقرب من جدار الفصل الإسرائيلي، وسخر بانكسي من الفندق ووصفه بأنه يحتوي على أسوأ إطلالة في العالم لأن نوافذه تطل على الجدار.
وتحتوي غرف الفندق على أعمال ورسوم بانكسي إضافة إلى أعمال لفنانين ورسامين فلسطينيين. وقد أغلق الفندق بشكل مؤقت بعد بداية معركة طوفان الأقصى في السابع أكتوبر/تسرين الأول 2023.
حقوق الملكية
استمر بانكسي في ممارسة فن الشارع والرسم على الجدران، واعتبر أن تقنين الفن يفقده معناه، ولكن مع ازدياد شهرته وتوسعها، بدأت تظهر أعمال مزيفة تنسب إليه وتوضع في معارض غير مرخصة وبدون إذنه.
ولأن قوانين النشر تتطلب الكشف عن الهوية -وهو ما لا يتناسب مع رغبته- لجأ بانكسي إلى تسجيل واحدة من أشهر رسوماته، وهي صورة لرجل يرمي الزهور، علامة تجارية لدى الاتحاد الأوروبي لحماية استخدامها من دون إذنه.
لكن في 2019 تقدمت الشركة البريطانية “فول كلر بلاك” التي تبيع بطاقات تهنئة تحتوي على رسومات فن الشارع، بطلب رسمي لإلغاء العلامة التجارية، معتبرة أن بانكسي سجلها “بسوء نية” ولم يستخدمها فعليا في المنتجات، وهذا مخالف لقوانين العلامات التجارية.
وردا على هذه الاتهامات قرر في أكتوبر/تشرين الأول 2019 فتح متجر مؤقت في لندن يحمل اسم “الناتج المحلي الإجمالي”، يبيع فيه الأكواب والقمصان والمفروشات المنزلية، ويضع عليها بعضا من رسوماته.
وبعدما صرح بانكسي بأن السبب وراء فتحه متجرا هو الحفاظ على حقوق الملكية وليس البيع، قرر قسم الإلغاء بمكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية عام 2025 إلغاء العلامة التجارية المسجلة.
صدام بين الفن والقانون
ظهرت في الثامن من سبتمبر/أيلول 2025 رسمة للفنان المجهول على الجدار الخارجي لمبنى الملكة التابع لمجمع محاكم العدل الملكية في لندن.
وقد أثارت الرسمة جدلا واسعا خاصة بعدما أكد بانكسي عبر حسابه على منصة إنستغرام أنه صاحبها.
صور فيها متظاهرا ممددا على الأرض وهو يحمل لافتة ملوثة بالدماء، ويقف فوقه قاض يلوح بمطرقة الحكم في محاولة لضربه.
وقد فسرت على أنها نقد سياسي مرتبط بحملة اعتقالات طالت مؤيدي حملة “فلسطين أكشن” الداعمة للقضية الفلسطينية، والتي صنفت في بريطانيا على أنها “جماعة إرهابية”.
وفي اليوم التالي أزالت السلطات البريطانية تلك الرسمة معتبرة أن المبنى موقع ثراتي محمي، وأن القانون يفرض حمايته وإبقاء طابعه التاريخي.