زاكورة – إذا كنت تبحث عن وجهة سياحية تمزج بين سحر الرومانسية وعشق المغامرة، فإن المسار الممتد بين زاكورة ومحاميد الغزلان وشقاقة في الجنوب الشرقي للمغرب يعد الخيار المثالي. يعتبر هذا المسار وجهة متزايدة الجذب للمسافرين في السنوات الأخيرة، فماذا يجعل كثبانه الرملية، وواحاتها الخضراء، وقصورها التاريخية بهذا القدر من الجاذبية؟
نقلتنا “نيوز عربي” بالتعاون مع الباحث السياحي الزبير بوحوت إلى هذه الوجهة غير التقليدية، حيث يلتقي جمال الصحراء بسحر الواحات الخضراء.
في رحلتك عبر طريق الجنوب الكبير، ستكتشف أسرار الصحراء المغربية الساحرة في قلب وادي درعة. تبدأ هذه المغامرة من مدينة زاكورة، التي تحتفظ بين رمالها بكنوز تاريخية وثقافية وطبيعية رائعة.

في قلب مدينة زاكورة، يتردد صدى تاريخ التجارة الصحراوية العريق، حيث تشير لافتة “تمبكتو 52 يومًا” إلى الأهمية الاستراتيجية لهذه المدينة التي كانت نقطة عبور للقوافل التجارية بين شمال أفريقيا وبلاد السودان. في عام 1590، انطلقت من هنا بعثة تاريخية بأمر من السلطان الموحدي أحمد المنصور الذهبي إلى تمبكتو وجاو، مما يبرز دور زاكورة المحوري في حركة التجارة عبر الصحراء.
وعلى مقربة من المدينة، يقع قصر تامنوكالت، وهو تحفة معمارية تأسست قبل أكثر من ثلاثة قرون في القرن السادس عشر. يعد القصر شاهدًا على تاريخ المنطقة وتجارتها، حيث يقدم مناظره الخلابة التي يمكن رؤيتها من أسوار القصر لمحة عن تلك الحقبة الزمنية.
استمتع بجولة في أزقة القصر شبه المغطاة، واستكشف مبانيه التاريخية المزينة بزخارف أمازيغية تقليدية، وانغمس في أجواء الماضي حيث تتيح المنازل العائلية المتصلة بممرات مغطاة للزوار تجربة فريدة من الخصوصية والهدوء.

داخل إحدى القصبات، يكشف القصر/المتحف عن أسرار الحياة اليومية القديمة، حيث يجسد تقليد موسم “اللامة” لقاءً سنويًا بين سكان القرى المجاورة، مما يعكس سحر وجاذبية تامنوكالت الخالد.
وعلى مقربة من زاكورة، يقع قصر تيسيركيت الذي يعود تاريخه إلى خمسة قرون، وتم ترميمه في عام 1968 ليمنح الزوار تجربة فريدة في قلب الهندسة المعمارية التقليدية لوادي درعة.
تأمل منازل قصر تيسيركيت التي تصطف على طول محور رئيسي، إلى جانب مخازنه المتميزة. استكشف متاهة الأزقة الضيقة المغطاة التي تعكس عبقرية التهوية الحرارية، المصممة خصيصًا للتكيف مع حرارة الصيف الشديدة.

داخل منزل قديم، يحتضن قصر تيسيركيت متحف الفنون والتقاليد في وادي درعة، الذي يسلط الضوء على الحياة التقليدية للسكان المحليين من خلال معارض تبرز المجوهرات التقليدية والأزياء والأدوات الزراعية. تتيح لك الجولات الإرشادية فرصة استكشاف أصالة هذا المكان، مما يوفر لك تجربة ثقافية غنية وفريدة.
منارة علم
على الطريق المؤدي إلى الصحراء، تقع قرية تمكروت، التي كانت محطة للقوافل الصحراوية في الماضي. هناك، تجد الزاوية الناصرية، منارة العلم والروحانية التي أسسها الشيخ أبو حفص الأنصاري في القرن السادس عشر. الزاوية تظل مصدرًا للنور والمعرفة في منطقة درعة، مما يعزز مكانتها الثقافية والدينية في المنطقة.

تأمل في ضريح الشيخ الأنصاري واستمتع بمشاهدة كنوز مكتبته التي تضم مخطوطات نادرة تعود للقرن الحادي عشر، وهي تشمل مواضيع متنوعة من اللاهوت إلى الطب، مما يعكس عمق إرث المكتبة الثقافي والعلمي الذي لا يقتصر على المغرب فقط، بل يمتد ليكون شاهدًا على إرث عالمي فريد.
واصل اكتشافك بزيارة ورشات الفخار في تامكروت، حيث يتم صنع الفخار الأخضر الزمردي باستخدام تقنيات تقليدية متوارثة عبر الأجيال. هذه الأعمال الفنية الفريدة تجسد حرفة نادرة تباع في مختلف أنحاء المغرب وتصدّر إلى أوروبا، مما يعكس الأصالة الثقافية والحرفية الغنية لمنطقة درعة.

قرية “نقوب”
تقع قرية “نقوب” على مقربة من تامكروت، وتعتبر واحدة من الوجهات السياحية الفريدة التي تأسر الزوار بإطلالاتها البانورامية المدهشة على الواحات وجبال صغرو. تتميز القرية بوجود 45 قصبة، وسوق أسبوعي نابض بالحياة يعكس أصالة تقاليد المنطقة، إضافة إلى إنتاجها الوفير من الحناء عالية الجودة التي تشتهر بها.
انطلق في مغامرة عبر واحاتها الخلابة وكثبانها الرملية الذهبية، وتعرف على محاجر الرخام الأحفوري التي تميز هذه المنطقة، بالإضافة إلى المواقع المدهشة للنقوش الصخرية التي تعود إلى العصر الحجري الحديث، وتقدم لك تجربة ثقافية وتاريخية غنية.
وعلى بعد 120 كيلومترًا شمال زاكورة، بالقرب من منطقة تازارين، يقع موقع آيت أوازيك الأثري، الذي يضم نقوشًا صخرية تعود إلى العصر الحجري الحديث قبل نحو 6 آلاف عام. هذه النقوش تجسد تفاصيل الحياة اليومية في منطقة كانت خضراء آنذاك، مع تنوع حيواناتها.
تخيل نفسك تعود بالزمن إلى الوراء، متأملاً هذه النقوش الأصلية والغامضة التي تنتشر على مساحة واسعة، مستمتعًا بإطلالة بانورامية رائعة من المسار المتعرج عبر الوادي.

توغل في الصحراء
ولا تكتمل رحلتك إلى زاكورة بدون تجربة سحر الكثبان الرملية المتناظرة في عرق شقاقة (الشقيقان)، التي تقع على بعد 50 كيلومترًا غرب محاميد الغزلان.
تخيل نفسك تمشي حافيًا على الرمال الذهبية الناعمة، أو راكبًا جملًا ضمن قافلة طويلة، تحت سماء الصحراء الصافية والمزينة بالنجوم. إن هذه التجربة تمنحك لحظات من الهدوء والتأمل العميق، بعيدًا عن صخب الحياة اليومية.
يمكنك الوصول إلى هذه الكثبان الشاهقة التي يصل ارتفاعها إلى 70 مترًا باستخدام سيارات الدفع الرباعي، بتكلفة لا تتجاوز 80 دولارًا لليوم الواحد. يُنصح دائمًا بالاستعانة بمرشد محلي معتمد لتجربة آمنة وممتعة تضمن لك اكتشاف كل جوانب هذه المنطقة الساحرة.

توفر عرق شقاقة تجربة صحراوية أصيلة لا مثيل لها، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بمشاهدة شروق الشمس وغروبها في أجواء هادئة وساحرة، وقضاء ليالٍ تحت سماء الصحراء الصافية التي تبتعد عن أي تلوث ضوئي أو سمعي.
لمحبي المغامرة، تقدم عرق شقاقة مجموعة من الأنشطة الرياضية الميكانيكية المثيرة، مثل ركوب الدراجات النارية (بالعجلتين أو 4 عجلات)، السيارات الرباعية الدفع، وركوب الرمال بواسطة “السكيت بورد” (لوح التزلج)، مما يضيف لمسة من التشويق إلى مغامرتك الصحراوية.
إذا واصلت استكشاف الصحراء، ستصل إلى الحديقة الوطنية “إيريقي”، التي تعد ملاذًا للحياة البرية ومحطة للطيور المهاجرة بفضل البحيرة الموجودة داخلها. تأسست الحديقة عام 1994 بهدف حماية التنوع البيولوجي وإعادة توطين الأنواع الصحراوية المهددة. توفر الحديقة تجربة بيئية فريدة، حيث يمكن للزوار، برفقة مرشدين محليين، مشاهدة أنواع متعددة من الحيوانات مثل الغزلان، النعام، الضباع، بالإضافة إلى النباتات الصحراوية النادرة التي تزخر بها المنطقة.

تعتبر تجربة الطعام في قلب الصحراء جزءًا أساسيًا من المغامرة، حيث توفر لك فرصة فريدة للانفصال عن صخب الحياة اليومية والاستمتاع بتجربة غنية بالنكهات الأصيلة. سواء كنت بصحبة العائلة أو الأصدقاء، يمكنك تناول العشاء تحت سماء مرصعة بالنجوم، والاستمتاع بغروب الشمس فوق الكثبان الذهبية، أو الاسترخاء في بساتين النخيل الهادئة في الواحة.
يُعرف سكان الصحراء بحسن ضيافتهم وكرمهم، كما يمكن للزوار المشاركة في ورش العمل الحرفية مثل صناعة الفخار أو نسج السجاد، مما يتيح لهم فرصة الانغماس في الثقافة المحلية وخلق ذكريات لا تُنسى.
أما المطبخ الصحراوي، فهو احتفال حقيقي بالنكهات الأصيلة، حيث يمكنك تذوق الكسكسي المصنوع من دقيق الشعير، أو الطاجين المحلي الذي يعد بلحم الإبل أو الماعز والخضار الطازجة، مع خبز “الملة” الذي يُخبز على الرمال الساخنة.
لا تفوت أيضًا فرصة تذوق الحلويات المصنوعة من التمور الطازجة المزروعة محليًا، واحتساء الشاي بالنعناع تحت خيمة بدوية، وهو طقس تقليدي لا ينبغي تفويته.
لإكمال تجربتك الصحراوية، لا تنسى طلب عصير “تصبونت” اللزج، الذي يُعد من التمر والماء الذي تخمر فيه الأعشاب الطبية المختلفة. هذا المشروب المميز يروي عطشك ويمنحك طاقة طبيعية لا مثيل لها.

يُعد مسار زاكورة، ثم محاميد الغزلان، ثم شقاقة وجهة مثالية لقضاء عطلة لا تُنسى، مع توفير خيارات تناسب ميزانيات مختلفة. سواء كنت تبحث عن إقامة تقليدية ساحرة في “رياض” (البيت التقليدي المغربي)، أو ترغب في الاستمتاع بالفخامة المطلقة في فنادق خمس نجوم، فإن هذه الوجهة تقدم لك تنوعًا كبيرًا في خيارات الإقامة، ما يضمن لك قضاء عطلة رومانسية لا مثيل لها.
تتراوح أسعار الإقامة في الفنادق أو الخيام من 40 إلى 70 دولارًا لليلة الواحدة، حسب مستوى الراحة والخدمات المقدمة، وتشمل عادةً وجبتي الفطور والعشاء.
أما بالنسبة للطعام الصحراوي الأصيل، فيمكنك الاستمتاع بوجبات شهية في المطاعم المحلية بتكلفة تتراوح بين 10 إلى 15 دولارًا فقط للوجبة، مما يجعل هذه الوجهة واحدة من الوجهات السياحية التي توفر تجربة فريدة بأسعار معقولة.

يمكنك الوصول إلى زاكورة عبر الطائرة، لكن من الأفضل أن تبدأ رحلتك من مدينة مراكش بالسيارة، لتستمتع بمشاهد الطبيعة الساحرة والمناظر الجيولوجية الفريدة. خلال الرحلة، ستكتشف الواحات الخلابة التي تمتد على طول الطريق، مما يجعلها تجربة سفر لا تُنسى تجمع بين الراحة ومتعة الاستكشاف.