[ad_1]
“المعروك”.. الكعكة الرمضانية التي لا تغيب عن موائد الدمشقيين
“أكل الملوك يا معروك”—بهذه العبارة اعتاد باعة المعروك الترويج له في أسواق دمشق منذ عشرات السنين، دون أن يدركوا أن هذا النداء سيعكس واقعًا حقيقيًا، وليس مجرد مدح لهذه الكعكة الشهيرة.
تراث رمضاني أصيل
يُعتبر المعروك من العناصر الأساسية في التقاليد الغذائية الرمضانية في دمشق، إذ لا تكتمل موائد الأسر الدمشقية خلال شهر رمضان بدونه. يُعرف أيضًا باسم “خبز رمضان”، وهو نوع من الحلوى المخبوزة التي تجمع بين الخبز والكعك، وقد اشتهرت في بلاد الشام منذ أكثر من قرن.
أصل التسمية وطريقة التحضير
يعود اسم “المعروك” إلى كلمة “العرك”، والتي تعني الخلط الجيد للعجين حتى يصبح متماسكًا. قديمًا، كان يُحضَّر يدويًا لعدم توفر آلات العجن، مما كان يتطلب جهدًا كبيرًا في تحضيره.
أما عن مكوناته التقليدية، فهو يُصنع من الطحين، الزيت النباتي، الحليب السائل، المحلب الناعم، السمن البلدي، الماء، والسكر. تُخلط المكونات جيدًا حتى تتشكل عجينة متماسكة، ثم تُترك لتختمر لمدة ساعة أو أكثر. بعد ذلك، يتم فرد العجين وتشكيله حسب الأحجام المطلوبة، حيث يتوفر المعروك عادة بثلاثة أوزان: ربع كيلو، نصف كيلو، وكيلو غرام.
قبل إدخاله إلى الفرن، يُرش وجهه بالسمسم، وبعد نضجه يُدهن بالزيت ليبقى طريًا ولامعًا، مما يمنحه قوامه الفريد الذي يجذب عشاقه كل عام.
المعروك.. نكهة رمضان الأصيلة
يظل المعروك جزءًا لا يتجزأ من المائدة الرمضانية في دمشق، فهو ليس مجرد حلوى تقليدية، بل تراث ممتد يعكس ثقافة الطهي الشامية، ما يجعله أكثر من مجرد وجبة رمضانية—إنه قطعة من الذاكرة الدمشقية التي يتوارثها الأجيال.

المعروك: من خبز الفقير إلى طعام الملوك
في السنوات الأخيرة، بدأت المخابز الدمشقية تُنتج أنواعًا جديدة من المعروك التي تتميز بالتفنن في الحشوات والمكونات، مما أضاف لمسة من الابتكار إلى هذا الطبق التقليدي الذي لطالما كان جزءًا من الموروث الغذائي الرمضاني في دمشق.
أنواع جديدة ومذاقات متنوعة
لم يعد المعروك يقتصر على النوع التقليدي “السادة”، بل أصبح هناك العديد من الأنواع الجديدة التي نالت شهرة واسعة. من بين هذه الأنواع، يبرز المعروك الملوكي، الذي يضاف إليه جوز الهند، الزبيب، وماء الزهر، ليمنح مذاقًا حلوًا ومغريًا يعشقه كثيرون خلال شهر رمضان. ويتميز هذا النوع بمذاقه الغني بسبب الفستق المبشور والسكر المضاف، ما يجعله مثاليًا بعد ساعات الصيام، حيث يعوض الجسم ما فقده من طاقة.
المعروك المحشو: خيارات لا تُعد ولا تحصى
من الأنواع الأخرى المنتشرة بشعبية، نجد المعروك بالعجوة، الذي يتم حشوه بالتمر، إضافة إلى أنواع جديدة مثل المعروك المحشو بالشوكولاتة، المعروك بالقشطة، المعروك بالجبنة، والمعروك بالفواكه، التي تقدم لمسة مبتكرة تلائم مختلف الأذواق.
المعروك: طعام الملوك في زمن الأزمة
كان المعروك يُطلق عليه في الماضي “خبز الفقير”، لكنه اليوم، وبفعل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، تحول إلى “طعام الملوك”. ففي ظل الأزمات الاقتصادية العميقة التي مرت بها البلاد جراء الحروب، و الاستبداد السياسي الذي أثر سلبًا على حياة العديد من الأسر الدمشقية، أصبح المعروك مع ندرة توفره، غذاءً بعيدًا عن متناول الكثيرين.
المعروك: رمز من رموز التراث الدمشقي
رغم تلك الصعوبات، يبقى المعروك الدمشقي رمزًا من رموز التراث الشامي الذي لا يغيب عن رمضان، وقد صار مع مرور الوقت لا مجرد طبق رمضاني تقليدي، بل جزءًا من الهوية الثقافية الدمشقية التي تنبض بالحياة رغم الأزمات.

رمضان في دمشق: بين غياب العادات وارتفاع الأسعار
دمشق هذا العام تعيش رمضان بشكل مختلف عما اعتاده أهلها في السنوات الماضية. فمع الارتفاع الحاد في الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية، اضطر الناس إلى التنازل عن الكثير من عاداتهم الرمضانية التي كانت جزءًا لا يتجزأ من احتفالاتهم الشهرية.
ارتفاع أسعار المعروك: أزمة جديدة على موائد رمضان
شهدت أسعار المعروك هذا العام ارتفاعًا غير مسبوق، حيث أصبح سعر القطعة المحشوة بـ جوز الهند والزبيب يقترب من 35 ألف ليرة سورية (ما يعادل تقريبًا 3 دولارات ونصف)، فيما يصل سعر بعض الأنواع المحشوة إلى 50 ألف ليرة سورية. وهو ما جعل الطبق الرمضاني التقليدي بعيد المنال عن المواطنين ذوي الدخل المتوسط.
أحمد: تراجع الإنتاج وتدهور المبيعات
يقول أحمد، صاحب محل للمعجنات في منطقة المزة، إن حركة بيع المعروك هذا العام انخفضت بشكل ملحوظ. “في السنوات الماضية كنا نخبز أكثر من 100 كيلو طحين يوميًا، لكن اليوم لا نتجاوز 30 كيلو فقط. أي أن الإنتاج تراجع بنسبة 70% بسبب عزوف الناس عن الشراء نتيجة ارتفاع الأسعار”. ويضيف أحمد أن السبب الرئيسي لهذا الارتفاع يعود إلى قلة المواد الأولية في السوق وزيادة تكاليف الإنتاج.
رامي: انخفاض المبيعات في سوق الحميدية
أما رامي، الذي يبيع المعروك على بسطة في سوق الحميدية، فيؤكد تراجع حجم المبيعات بشكل كبير. “كنت أبيع يوميًا أكثر من بسطتين، لكن الآن بالكاد أبيع نصف بسطة في اليوم. الناس ما معها مصاري”، يقول رامي، مشيرًا إلى ضعف الحركة الشرائية التي تسببت في انخفاض مبيعاته إلى النصف.
أم محمد: غياب المعروك عن مائدة رمضان
من جهتها، تُعبر أم محمد، السيدة الدمشقية الستينية، عن أسفها للغياب المستمر للمعروك عن مائدة رمضان في السنوات الأخيرة. تقول: “من أكثر من خمس سنوات ما عاد جبنا معروك إلا قليل جدًا. كنا زمان ما يغيب المعروك عن فطور وسحور رمضان، لكن الأسعار صارت مرتفعة جدًا ما في مجال”. وتتابع أم محمد بصوت يغلبه الحزن: “بصراحة، رمضان ناقص بدون معروك الزبيب أو العجوة، كان جزء من تقاليدنا”.
التمسك بالحياة رغم التحديات
وبالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، لا يزال أهالي دمشق متمسكين بإرادتهم للحياة، ويواصلون مواجهة التحديات اليومية بروح من الصبر والإصرار. ورغم غياب بعض العادات الرمضانية بسبب قلة السيولة المالية، يبقى أملهم في تحسين الأوضاع، مع تذكر الأيام الماضية التي كانت الفرحة فيها أكبر وأجمل.
[ad_2]