[ad_1]
وقد ارتبطت بالمخطوطات فنون متعددة، كان لها دور بارز في إبراز قيمتها الجمالية، ومنها فنون الخط العربي، والتزويق، والتنميق، والتذهيب، والتمويه، وهي الفنون التي بلغت ذروتها في المخطوطات الإسلامية والعربية.
وفي كتابه المعنون بـ”التطور التاريخي لصناعة المخطوط.. قراءة في تصنيع الورق وتزيين المخطوط في الحضارة الإسلامية”، الصادر عن معهد الشارقة للتراث، يتتبع الدكتور صالح محمد زكي اللهيبي المراحل التي مرت بها صناعة المخطوط، مستعرضا الجهود التي بذلها الإنسان في سعيه الحثيث لامتلاك أدوات العلم والمعرفة.
يوثّق الكتاب كيف اجتهد الإنسان في ابتكار الوسائل التي تيسر نشر المعرفة وتداولها، حتى أصبحت أدوات التعلّم وصناعة الكتاب في متناول الجميع. كما يسلط الضوء على دور الحضارة الإسلامية في نقل وتطوير صناعة الورق، ويبرز كيف تحولت بغداد، عاصمة الخلافة، إلى مركز رائد في هذه الصناعة، ما شكل نقلة نوعية في تاريخ المعرفة، وساهم في جعل تداول الكتاب وقراءته أمرا ميسورا، قليل الكلفة، واسع الانتشار.
تطور المخطوط
يؤكد الدكتور صالح محمد زكي اللهيبي، مؤلف كتاب “التطوّر التاريخي لصناعة المخطوط: قراءة في تصنيع الورق وتزيين المخطوط في الحضارة الإسلامية”، أن المسلمين لم يكتفوا باهتدائهم إلى صناعة الورق، بل ارتقوا بها إلى مستوى من الجمال والابتكار جعل من الكتاب قيمة متعدّدة الأبعاد، تبدأ من المعرفة ولا تنتهي عند حدود. فالمخطوط في الحضارة الإسلامية لم يكن مجرد وعاء علمي، بل تحوّل إلى تحفة جمالية تفيض بأسرار الصنعة وإبداع الحرف، حتى غدت صفحاته مرآة لعصور من النهضة والمعرفة، تميزت بروعة التعبير ودقة التزويق، وصعب على حضارات أخرى مجاراتها أو الإتيان بمثلها.
يتناول الكتاب الصادر عن معهد الشارقة للتراث صناعة الكتاب في التاريخ الإسلامي من زوايا معرفية وحرفية وروحية، أسفرت عن إرث ثقافي خالد، ما زالت آثاره حية في كنوز المخطوطات. وقد قسّم المؤلف عمله إلى فصلين و5 مباحث، تنوّعت موضوعاتها بين تاريخ صناعة الورق، وانتشاره جغرافيا، ودوره في العواصم الكبرى كمدينة بغداد في العصر العباسي، وبلاد المغرب الإسلامي، فضلا عن تناول الجوانب الجمالية للخطوط المغاربية، وتوثيق تأثيرات المخطوط الإسلامي على نظيره الأوروبي.
ويستعرض الكتاب تطوّر صناعة الورق، منذ بدايات اكتشافه، وانتقاله إلى العالم الإسلامي، مرورا بإضافات نوعية أبدع فيها الورّاقون والعلماء المسلمون، جعلت من الورق الإسلامي علامة فارقة، من حيث النوع والحجم واللون والاستخدام، بحيث رُوعي فيه حال الكاتب، وطبيعة النص، وقيمة الموضوع، فجاء المخطوط جامعا بين المعرفة والجمال، حافظا لعلوم الأمم ومصدر إلهام للأجيال.
ويؤرخ المؤلف لصناعة الورق كتجربة متصاعدة، بدأت من النقل، ثم تطورت بإبداعات المسلمين التي نقلت هذه الصناعة إلى آفاق حضارية واسعة، ومنحها بعدا معرفيا وجماليا لا نظير له. ويبيّن أن الفضل في اكتشاف الورق يعود إلى الصينيين، لكن سمرقند مثّلت نقطة الانطلاق في الحضارة الإسلامية، قبل أن تنتقل الصناعة إلى بغداد في عهد الخليفة هارون الرشيد، حيث بلغت أوجها، لتنتشر بعد ذلك في أرجاء العالم الإسلامي.
ويسجل الكتاب تحول الكتابة في الحضارة الإسلامية من استخدام الجلود والرقوق والعظام إلى الاستقرار على الكاغد أو الورق، الذي تم تحسينه وتزيينه وتلوينه، ليناسب مختلف الأغراض. كما يوثق أن التزويق والتذهيب والتفضيض في المخطوطات الإسلامية لم يكن محض زخرفة، بل تعبير عن الحس الجمالي المصاحب للمحتوى العلمي.
ويرى اللهيبي أن وفرة الرسوم والأشكال في بعض المخطوطات ارتبطت بأهداف علمية وجمالية وحضارية، عكست روح العصر والتفاعل الثقافي بين الحضارات، وأسهمت في نشوء طبقات متخصصة من النساخ والمذهبين والمزوقين، تميزوا بمهارات عالية في إنتاج المخطوط. كما أن للعلماء دورا فاعلا في إثراء الجانب البصري للمخطوط، بما يلائم مضمونه العلمي، والهدف من تأليفه، ما أضفى على هذه المخطوطات قيمة متحفية استثنائية، لا تقدر بثمن، ولا تزال شاهدة على مجد حضارة جعلت من المعرفة فنا، ومن الكتاب تحفة.
التزويق وجماليات المخطوط
ضمَّ الدكتور صالح محمد زكي اللهيبي في نهاية كتابه “التطوّر التاريخي لصناعة المخطوط: قراءة في تصنيع الورق وتزيين المخطوط في الحضارة الإسلامية” ملحقا توثيقيا جمع فيه أبرز المصطلحات الفنية المرتبطة بجماليات المخطوطات، مقدّما للقارئ دليلا معرفيا يُضيء على مفردات فنية طالما رافقت صناعة الكتاب العربي الإسلامي، وتشكّلت من خلالها هوية المخطوط في شكله النهائي المتقن.
في مقدمة هذه المصطلحات يأتي “التزويق”، ويعني التزيين البصري للنصوص من خلال الصور والأشكال والمشاهد التي تتّصل مباشرة بمحتوى المخطوط، ويأتي “التنميق” ليشير إلى التجويد الزخرفي عبر النقش وتزيين الحروف والهوامش. أما “التمويه”، فيُقصد به استخدام التذهيب والزخرفة لتجميل الصفحات، بينما يُستخدم “التذهيب” تحديدا للإشارة إلى تزيين المخطوط بماء الذهب أو صفائحه، وهو فن قديم بدأ مع المصاحف، فشمل الصفحات الافتتاحية وفواتح السور، قبل أن يتوسّع ليشمل كتابة النصوص بماء الذهب.
المخطوطات: كنز حضاري يوثّق الإرث الإنساني
تحظى المخطوطات بمكانة مرموقة في مختلف الحضارات، إذ تشكّل وعاءً معرفيًا يحفظ تراث الأمم وينقل العلوم والفنون عبر الأجيال. فمن خلالها، تمكّن الإنسان من استكشاف تاريخ الحضارات الغابرة، وإعادة بناء صورة المدن التي اندثرت مع مرور الزمن.
مكتبات العالم تحتفظ بأندر المخطوطات
تُعتبر المكتبات الكبرى والمتاحف والجامعات ومراكز الأبحاث خزائن تحتوي على آلاف المخطوطات النادرة التي تعدّ من نفائس التراث الإنساني. ونظرًا لأهميتها في حفظ العلوم والمعرفة، باتت المخطوطات محور اهتمام الباحثين الذين سعوا لتتبع مراحل تطورها، لا سيما في ظل النهضة الفكرية للحضارة الإسلامية.
وقد ارتبطت المخطوطات العربية والإسلامية بفنون جمالية متعددة، أبرزها الخط العربي، التذهيب، التزويق، التنميق والتمويه، وهي فنون بلغت ذروتها في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، حيث تحوّلت المخطوطات إلى تحف فنية مبهرة تعكس تطور العلم والفن في آن واحد.
دراسة تاريخية لصناعة المخطوطات في الحضارة الإسلامية
يقدّم الدكتور صالح محمد زكي اللهيبي في كتابه “التطور التاريخي لصناعة المخطوط: قراءة في تصنيع الورق وتزيين المخطوط في الحضارة الإسلامية”، الصادر عن معهد الشارقة للتراث، دراسة متعمقة حول مراحل تطور صناعة المخطوطات، مُستعرضًا الجهود البشرية في تطوير أدوات التعلّم وصناعة الكتب.
ويوثق الكتاب كيف اجتهد الإنسان في ابتكار تقنيات جديدة لنشر المعرفة، مما أدى إلى انتشار صناعة الورق وتطوّرها، خصوصًا في بغداد، التي أصبحت مركزًا عالميًا رائدًا لهذه الصناعة في العصر العباسي، ما أدى إلى ثورة معرفية جعلت اقتناء الكتب وقراءتها أمرًا ميسورًا وأكثر انتشارًا.
المسلمون نقلوا صناعة الورق إلى مستوى متطور
يؤكد الدكتور اللهيبي أن المسلمين لم يقتصروا على نقل صناعة الورق، بل أضافوا إليها تحسينات جمالية وتقنية جعلت المخطوطات تحفًا بصرية. فقد تجاوز دور المخطوط الإسلامي مجرد كونه وعاءً علميًا، ليصبح عملاً فنيًا متكاملًا، حيث امتزجت المعرفة بالجمال، ما منح هذه المخطوطات بُعدًا تاريخيًا وثقافيًا استثنائيًا.
ويتناول الكتاب صناعة المخطوطات من زوايا معرفية وفنية، حيث قسّم المؤلف عمله إلى فصلين و5 مباحث تتناول موضوعات مثل:
- تاريخ صناعة الورق وانتشاره جغرافيًا.
- دوره في العواصم الكبرى مثل بغداد وبلاد المغرب الإسلامي.
- التأثير الجمالي للخطوط المغاربية.
- تأثير المخطوط الإسلامي على المخطوط الأوروبي.
كما يستعرض المؤلف تطور صناعة الورق، بدءًا من اكتشافه في الصين، ثم انتقاله إلى العالم الإسلامي عبر سمرقند، حيث تم تحسينه وتطويره بأيدي الورّاقين المسلمين، وصولًا إلى بغداد في عهد هارون الرشيد، التي أصبحت مركزًا لهذه الصناعة، ومن ثم انتشاره في باقي أرجاء العالم الإسلامي.
التزويق وفنون المخطوط الإسلامي
أحد أبرز محاور الكتاب هو التطرق إلى جماليات المخطوطات الإسلامية، حيث يبرز المؤلف كيف تحولت الزخرفة والتذهيب إلى عنصر أساسي في تصميم المخطوطات. ويكشف أن التزيين لم يكن مجرد زخرفة، بل كان امتدادًا للحس الجمالي الإسلامي، الذي جعل الكتاب عملاً فنيًا راقيًا.
وفي نهاية الكتاب، يضم المؤلف ملحقًا توثيقيًا يُعرّف بأبرز المصطلحات الفنية المرتبطة بالمخطوطات، ومنها:
- التزويق: تزيين النصوص بالصور والمشاهد.
- التذهيب: زخرفة النصوص بماء الذهب.
- التنميق: تجويد الزخارف والنقوش.
- الترويسة: العناوين المكتوبة بخط مميز.
- التلوين: استخدام الألوان لإبراز النصوص والزخارف.
المخطوط الإسلامي: بين المعرفة والجمال
يبرز الكتاب كيف أن المخطوط الإسلامي لم يكن مجرد وسيلة لنقل العلوم، بل كان إبداعًا بصريًا يعكس تفاعل الفكر والفن الإسلامي. فقد امتزجت الحروف العربية بالزخارف الذهبية، ما جعل المخطوطات تراثًا خالدًا يروي قصة الحضارة الإسلامية بكل تفاصيلها الفنية والعلمية.
هذا العمل الفريد يعيد تسليط الضوء على إرث المخطوطات الإسلامية، ويؤكد أن الحضارة الإسلامية لم تكن مجرد ناقل للمعرفة، بل كانت قوة دافعة في ابتكار فنون جديدة جعلت من الكتاب المخطوط تحفة تاريخية لا تزال تشهد على عظمة الماضي وثرائه.
كما يورد المصطلح “الترويسة”، وهي مقدّمة النص التي تُكتب غالبا بخط مميز وأحيانا بحبر ذهبي. ويُشير مصطلح “التصاوير” إلى الرسوم التوضيحية التي تُستخدم في المخطوطات لتعزيز النص وإيضاح معانيه، في حين “التلوين” يمثل فنا بصريا متعدد الأبعاد يشمل الزخارف والخطوط باستخدام ألوان متنوّعة.
ومن المصطلحات اللافتة كذلك: “الأشكال”، وهي عناصر بصرية غير نصية تُدرج في المتن العلمي لتوضيح الأفكار، وتظهر بشكل خاص في مخطوطات العلوم التطبيقية، أما “التحمير” فهو تقنية تلوين عناوين الأبواب والمسائل والفواصل بالحبر الأحمر للتمييز والإبراز.
وفي ما يخص الهيكل المادي للمخطوط، نقرأ عن “التجمير”، وهي عملية تدعيم الغلاف الداخلي بورق خاص، و”الرّق”، أي الجلد الرقيق المستخدم في الكتابة منذ الجاهلية وحتى العصور الإسلامية.
أما فن الزخرفة، فتنقسم أنواعه إلى:
- “الزخرفة الخطية”، وهي التي تعتمد على جمال الخط العربي وتحويله إلى تكوينات زخرفية هندسية أو نباتية.
- “الزخرفة النباتية”، باستخدام الأشكال النباتية لتجميل المخطوط.
- “الزخرفة الهندسية”، التي تقوم على التكوينات الهندسية المتماثلة.
- “صنعة الخط”، وهي علم مستقل يهتم بقواعد كتابة ورسم الحرف العربي، وضبط نسبه وجماليته وفق قواعد دقيقة.
ويمثل هذا الملحق اللغوي البصري نافذة مهمة لفهم اللغة الفنية للمخطوطات العربية والإسلامية، ويؤكد من جديد أن الكتاب في الحضارة الإسلامية لم يكن مجرد حامل للمعرفة، بل هو عمل فني متكامل تتناغم فيه الكلمة مع الصورة، والوظيفة مع الجمال.
[ad_2]