الدكتور حسن الشافعي: المفكر الإسلامي الذي أسهم في تطوير الفكر والفلسفة الإسلامية
القاهرة – الدكتور حسن الشافعي، عضو هيئة كبار علماء الأزهر ورئيس المجامع العلمية اللغوية، يرى أن الفكر الإسلامي دائمًا منفتح على العالم، حيث يوجه القرآن الكريم المسلمين للسير في الأرض واستكشاف السنن الكونية وفهم مصائر الأمم. وفقًا لرؤيته، تتبع الفلسفة القرآن في اهتماماتها، مما يجعلها تشدد على أهمية النظر في جميع جوانب الحياة البشرية، من الحياة اليومية للإنسان المسلم إلى دراسة تاريخ الإنسان وتراثه، بل وتراث الأمم الأخرى.
السيرة الذاتية
وُلد حسن الشافعي في محافظة بني سويف عام 1930 في أسرة علمية، حيث التحق بكلية أصول الدين في الأزهر عام 1953، وفي ذات الوقت سجل في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة. حصل على الليسانس والشهادة العالية بمرتبة الشرف، وكان الأول على جامعة الأزهر، والثاني في كلية دار العلوم. وبعدها اختير معيدًا بقسم الفلسفة الإسلامية في كلية دار العلوم عام 1963.
مر الشافعي بتجارب صعبة، حيث اعتُقل عدة مرات منذ عام 1954 أثناء دراسته في الفرقة الثانية بكلية دار العلوم، وكاد أن يفقد حياته تحت التعذيب في السجن الحربي بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، ليقضي ما مجموعه 12 عامًا في المعتقلات على فترات مختلفة. أُفرج عنه في عام 1970، ثم استأنف دراسته وحصل على درجة الماجستير في عام 1969 عن “سيف الدين الآمدي المتكلم الأشعري المتوفى سنة 631هـ”، ثم سافر إلى “كلية الدراسات الشرقية والأفريقية” بجامعة لندن عام 1973 ليحصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 1977 عن “تطور علم الكلام الاثنا عشري في القرن السابع الهجري”.
إسهاماته الأكاديمية
في عام 1981، تم إعارة الدكتور حسن الشافعي إلى الجامعة الإسلامية بإسلام آباد في باكستان، حيث أسهم في تأسيسها ووضع مناهج التدريس والعمل بها. تولى عمادة كلية الشريعة والقانون في الجامعة عام 1983، ثم عُيّن نائبًا لرئيس الجامعة. وفي وقت لاحق، تم انتخابه رئيسًا للجامعة بقرار إجماعي من مجلس أمناء الجامعة، حيث قام بإنشاء مقر جديد للجامعة في قلب العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وأضاف إليها ثلاث كليات جديدة في مجالات العلوم الإدارية والاجتماعية والتطبيقية.
بعد انتهاء فترة رئاسته للجامعة الإسلامية في عام 2003، تم تمديد خدمته لمدة عامين آخرين، ليعود إلى القاهرة في عام 2004 أستاذًا غير متفرغ بكلية دار العلوم.
إرثه الفكري
لقد كان الدكتور حسن الشافعي حجر الزاوية في تطوير الفكر الفلسفي الإسلامي المعاصر، إذ جمع بين الفلسفة والعقيدة، محققًا التوازن بينهما في العديد من محاضراته وأبحاثه. ويظل إرثه العلمي حيًا من خلال اهتمامه بتوثيق التراث الإسلامي وفتح آفاق جديدة لفهمه في سياق عالمي معاصر.

الدكتور حسن الشافعي: من الفكر الفلسفي إلى خدمة الإسلام عبر مشوار طويل
القاهرة – التقينا بالدكتور حسن الشافعي، عضو هيئة كبار علماء الأزهر ورئيس المجمع العلمي للغة العربية، في مقر المجمع بمنطقة الزمالك بالقاهرة. في هذا الحوار، تحدث الشافعي عن مسيرته الفكرية والإبداعية في مجالات الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام، وكذلك عن الجهود التي بذلها في تطوير التعليم الجامعي في باكستان من خلال تجربته مع الجامعة الإسلامية في إسلام آباد.
مسيرة فكرية متميزة
عن حصوله على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، أكد الشافعي أن الجائزة لا تقتصر على جهد معين أو مؤلف واحد، بل تتعلق بمسيرته العلمية الشاملة. وقال: “إن براءة الجائزة تشير إلى مجمل أعمالي في تحقيق التأليف والترجمة، وكذلك جهدي في الجامعة الإسلامية في إسلام آباد، حيث كنت جزءًا من تأسيسها ووضع مناهجها وتطويرها لتصبح جامعة عالمية بمرتكز قوي في قلب العاصمة الباكستانية.” وأضاف: “كما أشاروا إلى دوري في خدمة اللغة العربية ورئاستي السابقة لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، وكذلك مساهمتي الحالية في اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية.”
إطلاق “علم القواعد الشرعية الاعتقادية”
وفيما يخص إسهاماته الفكرية الجديدة، أشار الدكتور حسن الشافعي إلى ابتكاره لمفهوم “علم القواعد الشرعية الاعتقادية” في مجال علم الكلام. وقال: “كنت أدرس علم العقيدة الإسلامية منذ عام 1950 وتخصصت في هذا المجال. وأثناء تدريسي في كلية دار العلوم، لاحظت ضرورة إنشاء فرع جديد يماثل “علم القواعد الفقهية” في الفقه، لكن هذه المرة في العقيدة. لذا، طرحت فكرة ‘علم القواعد الشرعية الاعتقادية’، الذي يهدف إلى جمع القواعد التي تحكم التفكير الاعتقادي في الإسلام.”
وأضاف الشافعي: “هذه القواعد ستكون مستخلصة من القرآن الكريم والسنة النبوية والمصادر الأساسية الأخرى، وسأواصل تطوير هذا العلم بعد الانتهاء من مهامي الحالية، مثل شرح كتاب ‘اللّمع’ للإمام الحسن الأشعري.”
مذهب الأشاعرة ومواجهة التكفير
وفي سياق آخر، تحدث الشافعي عن المذهب الأشعري، مؤكداً على أهمية هذا المذهب في مواجهة الأفكار التكفيرية المتطرفة. وقال: “يجب أن نفهم أن المذهب الأشعري هو ما يحتاجه المسلمون في هذا الوقت للخروج من الفتنة الملعونة التي انزلق إليها البعض. كما ذكر الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فإن هذا المذهب هو الوحيد الذي يواجه التطرف ويحمي المجتمع من التكفير.”
كما أضاف الشافعي أن الأزهر الشريف، الذي بدأ كمؤسسة شيعية على يد الفاطميين، تحول إلى المؤسسة السنية الملتزمة بمذهب الأشاعرة منذ عهد صلاح الدين الأيوبي. وأوضح أن الأزهر قد لعب دورًا كبيرًا في نشر مذهب الأشاعرة، الذي يرفض التكفير ويعزز الفهم المعتدل للعقيدة الإسلامية.

ابن رشد: نموذج للحداثة والفكر الوسطي
من المعروف أن ابن رشد كان أحد أعلام الفكر الإسلامي الذين تركوا بصمة كبيرة في الفلسفة الإسلامية والعالمية. وفي هذا السياق، تحدث الدكتور حسن الشافعي عن إعجابه الشديد بابن رشد وتقديره لفكره الوسطي، مؤكدًا على أهمية إبراز القيم الفكرية المعتدلة التي تتماشى مع الشريعة الإسلامية. وبيّن الشافعي في حديثه كيف أن ابن رشد كان يحاول الجمع بين العقل والنقل، وبين الشريعة والحكمة، في سعيه لتطوير الفهم الإنساني للمعرفة.
وقال الشافعي: “اهتمامي بابن رشد كان بتشجيع من أستاذنا الدكتور محمود قاسم، عميد كلية دار العلوم، ورئيس قسم الفلسفة، الذي كان دائمًا يؤكد على أهمية إنصاف فكر ابن رشد. هذه قضية حياته، وكان ينادي بتوضيح مفهوم ابن رشد في الفكرين الشرقي والغربي.”
فكر ابن رشد بين الشرق والغرب
وأوضح الشافعي أن هناك تفاوتًا كبيرًا في تأويل فكر ابن رشد بين المفكرين الشرقيين والغربيين. فمن ناحية الغرب، كان رجال الكنيسة يرفضون أفكار ابن رشد ويعتبرونه ملحدًا، رغم أن الكثير من أفكارهم تقترب من مفهوماته الفلسفية. أما التيار العلماني الإلحادي، فيرى في ابن رشد مؤسسًا للفكر العلماني، وهو ما اعتبره الشافعي فهمًا مغلوطًا لفكر ابن رشد.
وأضاف الشافعي: “ابن رشد لم يكن فقيهًا فحسب، بل كان مفكرًا إسلاميًا مؤمنًا، وكان يقيم أفكاره على أسس قرآنية. من أبرز أعماله كتاب ‘بداية المجتهد ونهاية المقتصد’، وهو كتاب في الفقه المقارن بين المذاهب، حيث يسعى إلى تحديد الأحكام الراجحة استنادًا إلى أصول الشريعة.”
الجمع بين الشريعة والحكمة
وأكد الشافعي أن التأويل الإسلامي الشرقي لفكر ابن رشد هو الأكثر دقة، حيث ربط بين الحكمة والشريعة، وبين العقل والنقل. ولفت إلى كتابه المهم “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال”، الذي يعكس سعيه للجمع بين الفلسفة الإسلامية والعلم الشرعي، مشيرًا إلى أن ابن رشد كان يسعى لتعزيز الفهم العقلي والنقدي بما يتماشى مع تعاليم الدين الإسلامي.
وفي الختام، أشار الشافعي إلى أن المفاهيم المغلوطة التي روج لها الغرب عن ابن رشد، والتي صورته على أنه مفكر علماني أو ملحد، كانت بعيدة كل البعد عن الحقيقة. “ابن رشد كان مفكرًا إسلاميًا عميقًا، حاول الجمع بين العلم والدين بطريقة تساهم في النهضة الفكرية والإصلاح الإسلامي، وهذا هو جوهر فكره الذي يجب أن نعيد اكتشافه.”
نيوز عربي

إحياء فكر ابن رشد وأهمية المعجم التاريخي العربي
في إطار محاولات إعادة إنصاف ابن رشد كمفكر إسلامي، أكد الدكتور حسن الشافعي على الدور الذي لعبه بعض الأساتذة في الجامعات، مثل الدكتورة زينب الخضيري، رئيسة قسم الفلسفة بكلية الآداب في جامعة القاهرة، الذين بذلوا جهدًا كبيرًا لتوضيح تأثير فكر ابن رشد في الحضارة الغربية، وهو التأثير الذي ينبغي أن يوازيه اهتمام مشابه في الحياة الفكرية الإسلامية المشرقية. وأشار الشافعي إلى أن الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، قد أظهر كيف أن فكر الغزالي وابن سينا كان له تأثير مباشر على الفيلسوف ديكارت، مشيرًا إلى أن ديكارت تأثر بقراءة الكتب العربية في فلسفة هؤلاء المفكرين.
وأكد الشافعي أن الأفكار التي نادت بالقطيعة مع التراث والعلمانية المطلقة كانت قد انتهت. “الجميع اليوم ينادي بتجديد الفكر الديني في إطار يتناسب مع الظروف الحالية، ولا قطيعة مع التراث، بل التعامل مع الفكر الديني من خلال حداثة إسلامية تعود بالنفع على المجتمع العربي والإسلامي.” وأضاف: “النموذج الذي يهدينا في هذا هو نموذج ابن رشد.”
المعجم التاريخي العربي: حلم يتجسد
فيما يتعلق بالمشروع العلمي الضخم لمعجم تاريخي عربي، أشار الشافعي إلى أن هذا المعجم يعد حلمًا طال انتظاره من قبل الأمة العربية لأكثر من قرن. وقد تم التخطيط له وتجهيزه على مدار 40 عامًا. وأضاف الشافعي: “لقد اهتدينا في مشروع المعجم التاريخي بأصول المعاجم العالمية، مع مراعاة خصوصية اللغة العربية التي تعتمد على الجذر اللغوي، حيث ينبثق كل شيء منها.”
وأشار إلى أن المشروع بدأ بتطوير فكرة المعجم في مجال الشعر العربي على يد الأستاذ الراحل سعيد بدوي، قبل أن يتوسع ليشمل جميع ميادين اللغة العربية من علم وفن وشعر ونثر وحكم وخطب وغيرها. وأضاف: “اليوم، مع توفير التمويل والإدارة الجيدة من الدكتور القاسمي، وبفضل الجهد الكبير الذي قام به الأستاذ مأمون وجيه، الذي حول المشروع إلى شكل شبه رقمي، نتوقع أن يكتمل المعجم في غضون عامين، ليشمل حوالي 50 مجلدًا.”
ويُعد هذا المعجم التاريخي خطوة هامة نحو إحياء اللغة العربية وتنظيم مفرداتها بشكل تاريخي وعلمي يساعد في فهم تطور اللغة واستخداماتها عبر العصور، ويشكل إضافة كبيرة للأمة العربية على مستوى المعاجم والمصادر العلمية.
نيوز عربي