الجزائر– تشهد أسعار عجلات المركبات في الجزائر ارتفاعا قياسيا خلال الأسابيع الأخيرة، وسط ندرة كبيرة في الخيارات، حيث يجد أصحاب المركبات أنفسهم أمام معضلة البحث عن المقاسات المناسبة، أو الاضطرار لشراء عجلات بأسعار مضاعفة تفوق التسعيرة الحقيقية.
ويؤكد تجار قطع الغيار للجزيرة نت أن الأزمة تجاوزت ندرة العرض إلى اضطراب السوق بأكملها، حيث لم تعد العجلات سلعة متاحة بسهولة، بينما تتزايد شكاوى المستهلكين من عبء إضافي لا يقتصر فقط على الأسعار بل رحلة البحث عن المنتوج.
وبالتزامن مع هذه الأزمة يعود الحديث عن إمكانية الإنتاج المحلي وقدرته على تلبية السوق، إذ تملك الجزائر “مصنع إيريس” للعجلات المطاطية بولاية سطيف (شرق العاصمة)، أهم المصانع في المجال كونه الأول من نوعه في الجزائر والثالث على مستوى أفريقيا، وينتج عجلات مطاطية بجودة عالمية للسوق المحلي والإقليمي، ويتميز بإنتاج عجلات خفيفة وثقيلة.
كما تعمل الجزائر على مضاعفة طاقتها الإنتاجية من عجلات السيارات وتلبية حاجياتها من خلال إطلاق مشاريع صناعية قيد الإنجاز وتوسعة، على غرار توسعة مصنع “إيريس” بسطيف، ومصنع وهران الجديد (غرب العاصمة)، ومصنعين آخرين.
ومع اتساع دائرة المطالب بفتح الاستيراد لكسر الاحتكار وتخفيف الأسعار، جاء إعلان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، نهاية الشهر الماضي خلال اجتماع خصصه لقطاع النقل، باستيراد فوري ومكثف لمختلف أنواع عجلات المركبات، ليعيد الأمل في انفراج قريب، وإن ظل التساؤل قائما حول سرعة انعكاس القرار على السوق.

تسلسل الأزمة
لم تكن أزمة غلاء وندرة العجلات التي تشهدها السوق الجزائرية اليوم هي الأولى من نوعها، فقد سبقتها أزمة مماثلة في خريف 2024، حين ارتفعت الأسعار بشكل غير مسبوق بـ3 أضعاف وتقلصت الخيارات المتاحة أمام المستهلكين. وهذا الوضع دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات تنظيمية ومراقبة مشددة، وجرى ضخ كميات كبيرة من العجلات المطاطية المستوردة بمختلف الأحجام لتلبية حاجيات السوق الوطنية وخفض الأسعار.
ففي سبتمبر/أيلول 2024، أعلنت وزارة التجارة الجزائرية عن ضخ 100 ألف وحدة مستوردة في شبكة التوزيع، مع خطة لاستيراد 300 ألف وحدة إضافية قبل نهاية العام، إلى جانب دعم مصنع “إيريس” لمضاعفة إنتاجه السنوي البالغ 4 ملايين إطار يغطي 96 صنفا مختلفا.
ويقول أحد سائقي سيارات الأجرة للجزيرة نت إن الأسعار المرتفعة أثرت بشكل كبير على عمله، فقد اشترى عجلة قبل فترة قصيرة من صنف الدرجة الثانية بسعر 40 ألف دينار جزائري (309 دولارات) رغم أنها كانت أرخص بكثير، واليوم يجد نفسه مضطرا لتغييرها مرة أخرى وسط ندرة الخيارات وارتفاع الأسعار المستمر، مما يزيد من العبء المالي اليومي على سائقي سيارات الأجرة.
من جانبه، يقول صاحب ورشة بيع وتركيب العجلات اسمه حمدي للجزيرة نت إن إقبال المواطنين أصبح منخفضا مقارنة بالسنوات الماضية، وبسبب الغلاء أصبح البعض يفضل شراء العجلات المستعملة كحل مؤقت، مما يؤثر على دخله اليومي من هذه المهنة.

خلفيات الأزمة
ورغم الإجراءات المتخذة العام الماضي وأخرى مطلع هذا العام، يقول المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، فادي تميم، إن المنظمة تلقت تبليغات باختفاء أنواع من العجلات وارتفاع أخرى بنسبة 100%، مما دفعها إلى مراسلة المؤسسة المختصة في إنتاج العجلات التي نفت بدورها رفعها للأسعار مما يؤكد أن بعض تجار جملة أو موزعين يقومون برفع الأسعار بطرق ملتوية.
وأكد تميم للجزيرة نت أن تحقيقا لوزارة التجارة الجزائرية جرى حول الوثائق الممنوحة للتوطين البنكي من أجل الاستيراد، وما قابله فعليا من عمليات توريد خلال العام الجاري وحتى السنوات التي سبقتها، أظهر وجود تجاوزات كبيرة.
وتبين من النتائج أن 1200 مؤسسة لم تف بالتزاماتها، من بينها نحو 500 مؤسسة لم تقم بأي استيراد إطلاقا (صفر استيراد)، في حين قامت حوالي 700 مؤسسة باستيراد كميات متفاوتة من العجلات وقطع الغيار، لكنها لم تستوف الحصص المقررة لها.
وفي المقابل، لم تلتزم سوى 600 مؤسسة فقط، أي ما يعادل الثلث، بوضع الكميات الكاملة الممنوحة لها في السوق الوطنية.
وأشار إلى أنه على الرغم من الغلاف المالي المخصص لعملية استيراد قطع الغيار والعجلات الذي قُدّر بـ900 مليون دولار. فإنه لم يكن هناك استيراد بالكميات المحددة في التراخيص، مما أدى إلى اضطراب في السوق.
ونوه إلى أن المتعاملين الاقتصاديين ومؤسسات الاستيراد كانت لهم تحفظاتهم، وقد قدمت المؤسسات مبررات تتعلق بتأخر منح الرخص، وعدم الرتابة في الاستيراد، مما تسبب لبعض المؤسسات في خسارة امتياز تمثيل علامات تجارية في الجزائر.

التوجه نحو الاستيراد
ويأتي قرار الرئيس الجزائري بفتح استيراد العجلات في وقت دعت فيه منظمات حماية المستهلك إلى التدخل العاجل لوضع حد لارتفاع الأسعار وندرة الخيارات في السوق، واعتبر فادي تميم، أن قرار الرئيس الجزائري سيسهم في تسريع عملية الاستيراد وتذليل العقبات، بما يضمن إشباع السوق عبر آلية منظمة تسمح باستيراد ما هو ضروري فقط مع مراعاة المنتوج الوطني.
وكشف عن استدعاء المستوردين الذين لم يوفوا بحصصهم، متوقعا أن تستقر الأوضاع خلال شهرين ونصف، مع احتساب نحو 45 يوما في حال كان الاستيراد من الصين بسبب مدة الشحن.
من جانبه، وصف رئيس المنظمة الجزائرية للدفاع عن المستهلك “حمايتك”، محمد عيساوي، القرار بأنه “خطوة مسؤولة من أعلى سلطة في البلاد لإعادة التوازن إلى سوق تسويق العجلات”، على أمل أن تُطرح بأسعار عادلة تحمي المستهلك من تداعيات الأزمة الخانقة التي أثرت على السلامة المرورية والقدرة الشرائية للمواطن.
وأكد عيساوي للجزيرة نت أن القرار سيترك انعكاسا إيجابيا على السوق خلال الفترة المقبلة، شرط التطبيق الفوري والشفاف، ومراقبة سلسلة التوزيع من الميناء إلى المستهلك، بما يمنع أي تلاعب في تسويق العجلات التي باتت عنصرا حيويا يرتبط مباشرة بسلامة المواطنين على الطرقات.
وشدد على أن الحل الجذري والدائم لأزمة العجلات يتطلب فتح باب المنافسة، لأن أي متعامل واحد لا يمكنه تغطية السوق الجزائرية التي تضم ملايين السيارات، إلى جانب تشجيع صناعة العجلات محليا لضمان وفرة أكبر. وأوصت أيضا بضرورة وضع دفتر شروط واضح وشفاف ينظم نشاط استيراد العجلات ويحمي الاقتصاد الوطني، مع تفعيل أجهزة الرقابة لمرافقة العملية.