يُعد ملف سلاح حزب الله من أكثر القضايا جدلاً في الساحة اللبنانية منذ نهاية الحرب الأهلية. فقد ارتبط هذا السلاح بالمعادلة الداخلية اللبنانية وبالصراعات الإقليمية، مما جعله محور سجال دائم بين القوى السياسية المحلية والدولية.
اتفاق الطائف وبداية الجدل
مع توقيع اتفاق الطائف عام 1989، تقرر حل جميع الميليشيات اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة. لكن “حزب الله” استثني من هذا القرار باعتباره “حركة مقاومة” ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. هذا الاستثناء كان بداية الجدل حول شرعية سلاح الحزب ودوره في المرحلة المقبلة.
التحرير عام 2000 وتصاعد النقاش
بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني عام 2000، تجدد النقاش حول مبررات بقاء السلاح. فبينما اعتبر الحزب أن وجوده ضروري لردع أي اعتداءات إسرائيلية محتملة، رأت قوى لبنانية أخرى أن الظروف تغيرت وأن السلاح بات يتجاوز دوره الدفاعي.
القرار 1559 والضغط الدولي
عام 2004، صدر القرار الأممي 1559، الذي دعا إلى حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها. شكل القرار محطة بارزة في السجال، إذ اعتبره حزب الله استهدافاً مباشراً للمقاومة، بينما استندت إليه قوى سياسية للمطالبة بتطبيقه.
حرب يوليو 2006 وتثبيت المعادلة
جاءت حرب تموز/يوليو 2006 بين حزب الله وإسرائيل لتعزز الانقسام الداخلي. فالبعض رأى في صمود الحزب نصراً عسكرياً وسياسياً، فيما اعتبر آخرون أن الحرب أكدت خطورة وجود سلاح خارج إطار الدولة.
الحوار الوطني ومحاولات التوافق
شهدت السنوات التالية عدة جولات من الحوار الوطني، كان أبرزها عامي 2006 و2012، حيث طرحت مسألة “الاستراتيجية الدفاعية” كإطار لإدماج سلاح حزب الله في المنظومة الدفاعية اللبنانية. لكن الخلافات السياسية حالت دون التوصل إلى اتفاق نهائي.
مرحلة ما بعد 2011 والتدخل الإقليمي
مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011 وتدخل حزب الله عسكرياً هناك، اتسع نطاق الجدل. فقد رأت قوى لبنانية أن السلاح لم يعد مخصصاً لمواجهة إسرائيل فحسب، بل بات أداة في الصراعات الإقليمية، مما زاد من حدة الانقسام الداخلي.
الأزمة الراهنة والانهيار الاقتصادي
في السنوات الأخيرة، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية في لبنان، عاد النقاش حول سلاح حزب الله بقوة. فهناك من يربط الأزمة بعدم قدرة الدولة على فرض سيادتها، بينما يصر الحزب على أن سلاحه جزء من حماية لبنان في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والإرهاب.
خلاصة
يبقى ملف سلاح حزب الله من أعقد القضايا في لبنان، إذ يتقاطع مع البعد الداخلي المتعلق ببناء الدولة وسيادتها، ومع البعد الإقليمي المتصل بالصراع مع إسرائيل والنفوذ الإيراني. وما بين الدعوات إلى دمج السلاح في مؤسسات الدولة أو الإبقاء عليه كذراع مقاوم، يظل الجدل مفتوحاً بلا أفق واضح للحل.