بينما نندفع نحو غد تكنولوجي مبهر، تلوح في الأفق أخطار غير مسبوقة، من عقول تكسل عن التفكير، وخصوصية تتلاشى أمام أعين لا تنام، وحلول سكنية تغوص بنا إلى أعماق البحار هربا من أزمات الأرض.
ومع الاعتماد المتزايد على هذه التقنية، تبرز مخاوف من تراجع القدرات العقلية والتحليلية، إذ بات كثيرون يَقبلون المعلومات التي تقدمها الأنظمة الذكية من دون تمحيص أو تدقيق.
ووفقا للحلقة، كشفت دراسة حديثة -أجراها فريق من الباحثين في شركة مايكروسوفت وجامعة كارنيغي ميلون- عن الأثر الذي يحدثه الذكاء الاصطناعي التوليدي على الفكر النقدي لدى الإنسان.
واستندت الدراسة إلى عينة من العاملين في ميادين المعرفة، منهم المدرسون ومتداولو الأموال ومحللو التسويق، جميعهم اعتادوا استعمال الذكاء الاصطناعي التوليدي في أعمالهم اليومية.
ووجد الباحثون أن طبيعة التفكير النقدي لدى الأفراد تتبدل عند استخدامهم للذكاء الاصطناعي، إذ إنهم لا يعودون إلى جمع المعلومات بأنفسهم، بل يكتفون بالتحقق منها فقط، ولا يعكفون على حل المشكلات، بل يدمجون أجوبة الذكاء الاصطناعي ضمن مسارات عملهم.
وأوضحت الحلقة أن الخطر يكمن في أن المشاركين لا يفعّلون ملكاتهم النقدية إلا للتحقق من جودة الأجوبة في نحو 22% فقط من الحالات، وكلما زادت ثقة الفرد بقدرة الذكاء الاصطناعي، قل احتمال تحققه من النتائج.
ولوحظ أن عددا كبيرا من المستخدمين يوكلون للذكاء الاصطناعي المهام التي يرونها بسيطة أو لا تستحق عناءهم، أو لأنهم يثقون تماما بدقته.
ويرى الباحثون أن هذا النمط من الاعتمادية -إن استمر وتفاقم- قد يؤدي على المدى البعيد إلى اتكال مفرط على هذه الأدوات، وإلى تآكل ملكة التفكير وحل المشكلات لدى الإنسان.
تقنية مراقبة متطورة
وفي مجالات تقنيات المراقبة المتطورة، نجح فريق من معهد أبحاث علوم الفضاء في الصين في تطوير تقنية مراقبة بقدرات غير مسبوقة تفوق أقوى كاميرات التجسس والتليسكوبات التقليدية بـ100 مرة.
وأوضحت الحلقة أن هذه الكاميرا المتطورة لا تكتفي بالتقاط صور عالية الدقة فحسب، بل تستطيع التعرف على وجوه الأشخاص من مدار الأرض المنخفض، مستخدمة تقنية تُعرف باسم “ليدار الفتحة الاصطناعية” أو “سنثاتيك أبرتشر ليدار”، وهي تقنية متطورة تستخدم حزم الليزر لاختراق المسافات الهائلة بدقة مذهلة.
وبالمقارنة مع الإنجازات السابقة، حطمت الكاميرا الصينية الجديدة كل الأرقام القياسية، ففي عام سابق، أجرت شركة لوكهيد مارتن الأميركية اختبارا وصلت فيه دقة تصويرها إلى سنتيمترين من مسافة لا تتجاوز 1.5 كيلومتر.
أما الكاميرا الصينية الجديدة، فقد سجلت تفاصيل بحجم واحد 1.5 مليمتر من مسافة تفوق 100 كيلومتر، وهو ما يمثل قفزة تكنولوجية هائلة تضع بكين في مقدمة سباق المراقبة عالميا.
كما أشار البرنامج إلى أن التطبيقات الأولية لهذه التقنية تشمل مراقبة الأقمار الصناعية وفحص مكوناتها بتفاصيل دقيقة، من قراءة الأرقام التسلسلية إلى اكتشاف الأضرار الناجمة عن اصطدام الشهب الصغيرة.
ولكن التطبيق الأكثر إثارة للجدل هو قدرتها على مراقبة الأفراد على الأرض من الفضاء، إذ يمكنها التقاط تفاصيل الوجوه بوضوح من الأقمار الصناعية التي تدور على ارتفاع منخفض يصل إلى 170 كيلومترا.
ودفع هذا السباق المحموم نحو تقنيات المراقبة الفائقة مؤسسات -مثل “الجبهة الإلكترونية”- إلى دق ناقوس الخطر والمطالبة بتنظيم عاجل لاستخدام أقمار التجسس، محذرة من أننا نتجه نحو عالم يخضع للمراقبة الشاملة والمستمرة على مدار الساعة.
سكن تحت البحر
وفي الوقت الذي يتجه فيه بعض رواد التكنولوجيا، مثل إيلون ماسك، إلى استكشاف كوكب المريخ بوصفه موطنا مستقبليا محتملا للبشرية، تتجه شركة بريطانية إلى استكشاف عوالم غير مأهولة على كوكبنا نفسه.
فقد أُطلق مشروع طموح يُعرف باسم “ديب” (Deep) يهدف إلى إنشاء مساكن تحت سطح البحر لتأمين وجود بشري دائم في جوف المحيط.
واتخذ المشروع أحد المحاجر القديمة -التي غمرتها مياه السيول- موقعا لتجربة هذه المساكن، إذ تُمثل بيئة آمنة ومثالية لاختبار النماذج الأولية. وقد أُطلق على أول مسكن اسم “فانغارد” (Vanguard)، وصمم ليكون قابلا للنقل ومؤهلا لاستيعاب 3 أشخاص في مهام قصيرة الأجل.
ووفقا للبرنامج، ستُستثمر الخبرة المكتسبة من “فانغارد” في تطوير مسكن أكثر طموحا يُدعى “سنتينيل” (Sentinel)، وهو مُعد لتمكين 6 أفراد من الإقامة في عمق يصل إلى 200 متر، وهو الحد الذي تنعدم بعده قدرة ضوء الشمس على اختراق المياه. ويضم هذا المسكن 6 غرف للنوم، ومطبخا وحجرة للاستحمام، ومكانا مخصصا للبحث العلمي.
ويبقى السؤال الجوهري حول قدرة الإنسان على العيش لفترات طويلة تحت الماء، إذ لا يزال الرقم القياسي في هذا المضمار مسجلا باسم الألماني “رود غيركوخ”، الذي أمضى 14 يوما في عمق 400 متر، متجاوزا بذلك الأميركي جوي دي توري، الذي مكث تحت الماء 31 يوما في عام سابق.
غير أن هذه المساكن المرتقبة قد تتيح للإنسان إقامة أطول وأعمق في جوف البحار، في صفحة جديدة من تاريخ المغامرات البشرية، وربما تكون حلا للتحديات السكانية المتزايدة مع توقعات زيادة عدد سكان الأرض بمعدل ملياري نسمة بحلول عام 2050.
التقدم التكنولوجي: تحديات وابتكارات تقود نحو مستقبل غير متوقع
بينما نقترب بسرعة من مستقبل تكنولوجي متطور، تلوح في الأفق العديد من التحديات غير المسبوقة التي قد تعيد تعريف طبيعة حياتنا اليومية. في هذا السياق، تبرز تساؤلات جوهرية حول الذكاء الاصطناعي، المراقبة المتطورة، والحلول السكنية المبتكرة. حلقة برنامج “حياة ذكية” في 26 مارس 2025 سلطت الضوء على ثلاث قضايا رئيسية تشكل ملامح المستقبل التقني: تأثير الذكاء الاصطناعي على التفكير البشري، تقنيات المراقبة المتقدمة، والحلول السكنية تحت سطح البحر لمواجهة التحديات المستقبلية.
الذكاء الاصطناعي وتأثيره على التفكير البشري
مع الانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي، بدأ الجدل يتصاعد حول تأثير هذه التكنولوجيا على التفكير النقدي للإنسان. رغم الفوائد الكبيرة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في تسريع البحث واختصار الوقت، إلا أن هناك قلقاً متزايداً من أن هذه التقنيات قد تؤدي إلى تقليل قدرة الإنسان على التفكير النقدي.
بحسب دراسة حديثة أجرتها شركة مايكروسوفت وجامعة كارنيغي ميلون، تبين أن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي يؤثر بشكل كبير على طريقة تفكير الأفراد. الدراسة التي شملت مجموعة من المهنيين مثل المعلمين ومحللي التسويق، أظهرت أن هؤلاء الأشخاص يميلون إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في حل المشكلات بدلاً من استخدام مهاراتهم العقلية بأنفسهم. وقد تبين أن نسبة التحقق من دقة الأجوبة لا تتجاوز 22% في معظم الحالات، وكلما زادت ثقة الأفراد في قدرة الذكاء الاصطناعي، قلّت احتمالية قيامهم بالتحقق من النتائج. هذا النمط من الاعتماد على التكنولوجيا قد يؤدي، في المستقبل، إلى تآكل مهارات التفكير وحل المشكلات لدى الإنسان.
تقنيات المراقبة المتطورة
في مجال تقنيات المراقبة، ابتكرت الصين تقنية جديدة تمكنها من مراقبة الأفراد من الفضاء بدقة غير مسبوقة. فقد طور فريق من معهد أبحاث علوم الفضاء في الصين كاميرا متطورة تتفوق على جميع تقنيات المراقبة التقليدية بـ100 مرة. الكاميرا الجديدة تعتمد على تقنية “ليدار الفتحة الاصطناعية” (Synthetic Aperture Lidar)، التي تستخدم حزم الليزر لاختراق مسافات شاسعة بدقة غير عادية.
القدرة على مراقبة الأشخاص من مدار الأرض المنخفض، والذي يصل إلى 170 كيلومترًا، تمثل قفزة تكنولوجية ضخمة. هذه التقنية قادرة على التقاط تفاصيل الوجوه بوضوح، مما أثار جدلاً واسعاً حول تأثيرها على خصوصية الأفراد. بينما تشير التطبيقات الأولى لهذه التقنية إلى استخدامها في مراقبة الأقمار الصناعية وفحص مكوناتها، فإن الاستخدام الأكثر إثارة للجدل هو قدرتها على مراقبة الأفراد بشكل مباشر.
الاستدامة السكنية تحت البحر
في الوقت الذي يركز فيه البعض على استكشاف كواكب جديدة مثل المريخ، تتجه شركة بريطانية نحو استكشاف بيئات غير مأهولة على كوكبنا، وتحديداً تحت سطح البحر. مشروع “ديب” (Deep) يهدف إلى إنشاء مساكن تحت البحر لتوفير حلول سكنية دائمة في أعماق المحيط. يعد مشروع “فانغارد” (Vanguard) الأول من نوعه، وهو مصمم ليكون قابلاً للنقل ويستوعب ثلاثة أشخاص في مهام قصيرة الأجل.
بحسب تقرير البرنامج، يتطلع المشروع إلى تطوير مسكن أكثر تطوراً يدعى “سنتينيل” (Sentinel)، والذي سيتمكن من استيعاب ستة أفراد في أعماق تصل إلى 200 متر تحت الماء، حيث تنعدم قدرة ضوء الشمس على اختراق المياه. يأتي هذا المشروع في وقت يتزايد فيه عدد سكان الأرض بشكل كبير، مما يثير تساؤلات حول إمكانية استخدام هذه المساكن لمواجهة التحديات السكانية العالمية.
بينما تبقى هذه الحلول مبتكرة، تثير هذه التوجهات تساؤلات حول قدرة الإنسان على العيش لفترات طويلة في بيئات غير مأهولة، مثل أعماق المحيطات، وهو ما قد يكون حلاً للضغط السكاني المتزايد مع التوقعات التي تشير إلى زيادة عدد السكان بمقدار ملياري نسمة بحلول عام 2050.
الخلاصة
التكنولوجيا، على الرغم من فوائدها الكبيرة، تثير العديد من القضايا الجوهرية حول تأثيراتها على الإنسان والمجتمع. من الذكاء الاصطناعي إلى تقنيات المراقبة المتقدمة وحلول السكن المستقبلية، يبدو أن هذه الابتكارات ستغير بشكل جذري الطريقة التي نعيش بها. وفي ظل هذه التطورات، يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية ضمان التوازن بين التقدم التكنولوجي والحفاظ على حقوق الإنسان وخصوصيته في المستقبل.