أثار ظهور4 حيتان نافقة من نوع العنبر دفعة واحدة على شاطئ مدينة أجدابيا شرق ليبيا تساؤلات وقلقا بيئيا واسعا، إذ قد تنفق الحيتان الضخمة وتنجرف إلى اليابسة، لكن ذلك لا يحصل غالبا بشكل جماعي خصوصا على شواطئ البحر المتوسط.
وأوضحت وزارة الثروة البحرية في شرق ليبيا أنها تلقت بلاغا يوم الجمعة الماضي، بوجود الحيتان النافقة في منطقة أمرير قابس، وتم تشكيل فريق ميداني بالتعاون مع الأجهزة الأمنية وخبراء الأحياء البحرية، حيث جرى أخذ عينات لفحصها ومعرفة أسباب الجنوح المفاجئ.
وأكدت سلطات شرق ليبيا أن جثث الحيتان قد تتحول إلى تهديد بيئي وصحي إذا تُركت على الشاطئ، بسبب احتمالية تلوث المياه وإطلاق غازات ضارة أو نقل مسببات أمراض، ولهذا تولت فرق الطوارئ بالشركة العامة للخدمات أعمال الدفن.
وقال مدير مركز بحوث الأحياء البحرية في بنغازي عصام الفقي، إنّ “حوت العنبر موجود أصلا في مياه المتوسط قرب ليبيا، لكنّه يعيش عادة في الأعماق”، لافتا إلى أنّ “الجديد في هذه الواقعة هو نفوق 4 حيتان دفعة واحدة، بعدما اقتصرت الحالات السابقة على حوت واحد فقط”.
في قلب التغير المناخي
تنفق الحيتان بكثرة نتيجة التغيرات البيئية والمناخية، التي تؤثر على غذائها وموائلها وأنماط هجرتها، فالتغيرات في درجات حرارة المحيطات وتياراتها تغيّر أماكن توفر العوالق البحرية التي تعتمد عليها الحيتان، مما يؤدي إلى صعوبة العثور على الطعام ونفوقها من الجوع.
ويعمل المناخ المتغير على اضطراب الأنظمة البيئية البحرية، ولا سيما تحمض المياه بسبب زيادة ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يدفع الحيتان للانتقال بشكل سريع من منطقة إلى أخرى، مما يجعلها مهددة خارج موائلها، ويقلل أعدادها.
وتؤدي التغيرات في درجات حرارة المحيطات والتيارات البحرية إلى اضطراب سلوك الحيتان، مما يدفعها إلى دخول مياه ضحلة أو مناطق قريبة من الشواطئ لا تستطيع الخروج منها.
كما يسهم النظام المغناطيسي للأرض، والأحداث الزلزالية تحت الماء في تقليص قدرة الحيتان على التنقل ومطاردة فرائسها المحدودة وتحديد اتجاهها، مما يؤدي إلى جنوحها على الشواطئ وموتها لاحقا بسبب الجفاف أو الغرق.
وتحدث ظاهرة نفوق الحيتان أيضا لأسباب بشرية، مثل الاصطدام بالسفن، والتشابك في معدات الصيد، وابتلاع النفايات البلاستيكية، والتلوث الكيميائي، بالإضافة إلى عوامل بيئية مثل الأمراض والظروف الجوية القاسية.
كما أن ازدياد مستويات الضوضاء الناتجة عن السفن والمعدات الصناعية وأعمال التنقيب في المحيطات قد يتداخل مع نظم الملاحة الصوتية لدى الحيتان، مما يضعف أجهزتها العصبية، ويؤدي إلى فقدانها القدرة على تحديد الاتجاهات والجنوح نحو اليابسة عن طريق الخطأ.

خزانات الكربون العملاقة
يقدر علماء الأحياء أن هناك نحو 90 نوعا من الحيتان المختلفة الأحجام، كما يوجد نحو 1.3 مليون حوت في المحيطات، أي ربع عددها سابقا، والذي كان يتراوح من 4 إلى 5 ملايين، ولم يتبق فعليا سوى 3% من أعداد الحوت الأوزق.
ويعد الحوت الأزرق أكبر حيوان على وجه الأرض. ويمكن أن يصل طوله إلى 30 مترا ويتراوح وزنه ما بين 100 و150 طنا، أي ما يعادل 340 فيلا بالغا، بينما قد يصل وزن قلبه إلى 600 كيلوغرام، أي وزن سيارة صغيرة.
تُعرف الحيتان بأنها المخلوقات الأكبر والأكثر ذكاءً في المحيط، وتشير الدراسات الحديثة إلى أنها تحتجز أطنانا من الكربون من الغلاف الجوي، وهي خدمة ذات قيمة اقتصادية تبلغ تريليون دولار لجميع الحيتان ذات الأحجام الكبيرة، وفق دراسة نشرها صندوق النقد الدولي.
وتشير الدراسة إلى أن “إمكانات احتجاز الكربون للحيتان مذهلة حقًا”، إذ تراكم الحيتان الكربون في أجسامها خلال حياتها الطويلة، التي تمتد بعضها إلى 200 عام، وعندما تموت تغرق في قاع المحيط، وتأخذ الكربون معها.
ووفقًا للدراسة، يقوم كل حوت كبير بحبس نحو 33 طنا من ثاني أكسيد الكربون في المتوسط، وللمقارنة لا تسهم شجرة خلال نفس الفترة إلا بنسبة 3% من امتصاص الكربون مقارنة بما يقوم به الحوت.
ومع الأخطار التي تهدد الحيتان، قال مؤلفو الدراسة إنه يمكن إنشاء حوافز وآليات مالية لتشجيع استعادة أعدادها في العالم، من بينها تعويض شركات الشحن عن تكلفة طرق الشحن التي تم تغييرها لتقليل أخطار التصادم مع الحيتان.
كما تشمل تلك الآليات، ضرورة الحد من التأثير البشري، ولا سيما الاحتباس الحراري وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى تقليل العمليات العسكرية في البحار والتنقيب، التي تسبب أمواجا صوتية عالية تسبب أمراضا للحيتان والكائنات البحرية الأخرى، وتقليل التلوث الكيميائي في البحار.