من ممارسة التدريس الجامعي إلى استصلاح الأراضي في السودان

يحاول البروفيسور اليسع حسن أحمد، أستاذ النقد والدراسات المسرحية في كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، استعادة ذكرياته مع منزله الذي استغرق بناؤه تسع سنوات، بمساعدة زوجته الإعلامية نفيسة مختار.

بداية بناء المنزل

في عام 1997، بدأ البروفيسور اليسع بناء منزله في ضاحية الجريف شرق، في الخرطوم. نصحه أحد أصحاب محلات مواد البناء قائلاً: “لا تستهين بأي مبلغ مهما بدا لك صغيرًا، حتى قروش البسكويت يمكن أن تبني بها بيتًا إذا أحسنت استغلالها.”

اتبع هذه النصيحة، وبدأ البناء في حي الهدى، مربع 3، شرق النيل، حيث استغرق العمل حتى عام 2006. لكن مع اندلاع الحرب في السودان، استولى المتمردون على منزله وحولوه إلى حظيرة لتجميع الأغنام المسروقة.

الفرحة منقوصة في العيد

رغم اعتاده على الاحتفال بعيد الأضحى في منزله، قرر البروفيسور مغادرة الخرطوم بسبب تفاقم الأوضاع الأمنية. عاد إلى مسقط رأسه في قرية كرقس بولاية نهر النيل. على الرغم من وجوده بين أهله، كانت الفرحة بالعيد منقوصة بسبب الظروف.

العودة إلى الجذور

تعود ذكرى القرية إلى قلب البروفيسور منذ أن وطئت قدماه هناك مجددًا. وُلِد وترعرع في كرقس، التي كانت تمثل الحدود الجنوبية للمملكة المصرية القديمة. تربطه علاقة روحية بالمكان، ويصفها بأنها جزء من هويته رغم سنوات الغربة الطويلة.

تحديات الزراعة: إعادة اكتشاف الأرض

في محاولة لاستعادة جزء من حياته الطبيعية، قرر البروفيسور العودة إلى الفلاحة بعد مغادرته الخرطوم. استأجر أراضي مهجورة من قبل أصحابها، وبدأ في تنظيفها من النباتات الطفيلية بمساعدة أبنائه. اكتشف فوائد الزراعة لم يكن يلاحظها من قبل، حيث تحسنت لياقته البدنية وأصبح أقل اعتمادًا على الأدوية.

التضامن في المحنة

رغم تحديات الحياة، يروي البروفيسور اليسع قصة تضامن من أحد أبناء المنطقة. عند سؤاله عن بذور الفول، عرض عليه الرجل أن يشتريها بنصف الثمن، قائلاً إنه كان سيمنحه إياها مجانًا لو لم تكن الظروف بهذه الصعوبة.

تجربة مؤلمة مع مكتبة البروفيسور

بعد استيلاء قوات الدعم السريع على منزله، دُمرت مكتبته التي كانت تحتوي على نحو ألفي كتاب في مجالات الأدب والنقد والدراما. ولفقدان مكتبته تأثير كبير عليه، خاصة عندما تم استخدام رفوفها المصنوعة من خشب الماهوجني الفاخر كحطب للطهي.

الزراعة كحل مستدام: دعوة للاستثمار في الأرض

من خلال تجربته الشخصية، أصبح البروفيسور اليسع مقتنعًا بأن الزراعة واستصلاح الأراضي قد يكونان حلاً مستدامًا. دعا الشباب للاستثمار في الزراعة والفلاحة، معتبرًا أن هذه المجالات تحمل فوائد كبيرة للمجتمع.

مساهمات علمية وثقافية: رحلة الأكاديميا والإعلام

البروفيسور اليسع حسن أحمد هو صاحب العديد من الإنجازات الأكاديمية. حصل على درجة الدكتوراه في النقد والدراسات الدرامية عام 2009، ودرجة الماجستير في النقد المسرحي عام 2003. كما ساهم في نشر العديد من الأبحاث العلمية التي تناولت تطور الدراما الإذاعية في السودان.

عودة إلى الأرض: عزاء من العمل الزراعي

ورغم فقدانه منزله، وجد البروفيسور عزاءه في العودة إلى الأرض والعمل في الزراعة. لقد أدرك أن الفلاحة توفر له الراحة النفسية والبدنية، وتمنحه الأمل في حياة جديدة.

دروس الحياة: أهمية العمل والإحسان

يؤمن البروفيسور اليسع أن الأرض هي ميراث الصالحين وأن العمل الجاد والبذل هما أساس الاستمرارية والنجاح، سواء في المجال الأكاديمي أو الزراعي. وهذا ما دفعه للاستمرار في نشر هذه القيم.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لموقع “نيوز عربي”.