تقع أرض الصومال (صوماليلاند) في شمال جمهورية الصومال، وتطل على خليج عدن وباب المندب، ما يمنحها موقعًا إستراتيجيًا بالغ الأهمية. ومع تصاعد التوترات في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، ازداد الاهتمام بهذا الإقليم الساعي للانفصال عن الصومال، رغم عدم حصوله على أي اعتراف دولي رسمي حتى الآن. في هذا المقال، نرصد التطورات السياسية في أرض الصومال، ونوضح أسباب الانفصال، والأهمية الإستراتيجية للإقليم، والدوافع الأميركية للاعتراف المحتمل به كدولة مستقلة.
جذور الانفصال: من الحلم بالوحدة إلى إعلان الاستقلال
خضعت الأراضي الصومالية لتقسيم استعماري عقب مؤتمر برلين، حيث سيطرت بريطانيا على الشمال (هرجيسا)، وإيطاليا على الجنوب (مقديشو)، وفرنسا على جيبوتي، بينما سيطرت إثيوبيا وكينيا على أجزاء أخرى من الأراضي الصومالية.
أدى هذا التقسيم إلى نشوء حلم “الصومال الكبير”، الذي دعا لتوحيد الشعب الصومالي تحت دولة واحدة. وقد تحقق جزء من هذا الحلم بعد استقلال الشمال والجنوب في عام 1960، واتفاقهما على تشكيل جمهورية الصومال. وضع علم الدولة خمس نجمات تشير إلى الأقاليم الصومالية الخمسة، تأكيدًا على هذا الطموح الوحدوي.
لكن سرعان ما تراجع الحلم؛ رفضت جيبوتي الانضمام إلى الوحدة، وفشلت محاولات ضم المناطق الصومالية في إثيوبيا وكينيا. وبتصاعد سياسات القمع في عهد الرئيس سياد بري، اندلعت الحرب الأهلية التي أدت لانهيار الدولة في التسعينيات.
في المقابل، تمكّن قادة صوماليلاند من تحقيق قدر كبير من الأمن والاستقرار منذ إعلان انفصالهم عام 1991، وشكلوا حكومة محلية فعّالة بقيادة محمد إبراهيم عقال، لتظهر جمهورية أرض الصومال ككيان فعلي يتمتع بمؤسسات مستقرة، وإن كان يفتقر للاعتراف الدولي.
عوامل الجغرافيا والديمغرافيا في صعود صوماليلاند
الديمغرافيا: الوحدة القبلية والاستقرار السياسي
تتميز أرض الصومال بتجانس سكاني نسبي، حيث تنتمي الأغلبية لقبيلة إسحاق، ما ساهم في تجنب الصراعات القبلية المعقدة التي تعاني منها الصومال. وأسهم هذا التجانس في بسط الأمن، وتطبيق نموذج ديمقراطي نسبي، مكّن من تداول سلمي للسلطة، وتحقيق بعض مظاهر التنمية المستدامة.
الجغرافيا: موقع إستراتيجي عالمي
تقع أرض الصومال على ضفاف خليج عدن، بالقرب من باب المندب، وهو أحد أهم الممرات البحرية في العالم. يمر عبر هذا المعبر نحو 12% من تجارة العالم، وقرابة 40% من التبادل التجاري بين آسيا وأوروبا.
هذا الموقع جذب اهتمام القوى الدولية، وخصوصًا في ظل تصاعد تهديدات الحوثيين، وزيادة التنافس البحري والعسكري في البحر الأحمر. رغم غياب الاعتراف الرسمي، تتعامل العديد من الدول مع أرض الصومال بحكم الأمر الواقع، في مجالات الاستثمار والتجارة والصيد البحري.
إثيوبيا والميناء… بداية صراع جديد
في يناير 2024، وقّعت إثيوبيا اتفاقية مع حكومة أرض الصومال، تستأجر بموجبها أرضًا في ميناء بربرة لإنشاء ميناء بحري خاضع للسيطرة الإثيوبية لمدة 50 عامًا. القرار أحدث ضجة إقليمية كبيرة، خاصة من قبل الصومال ومصر، وأدى إلى اصطفافات جديدة وصراعات محتدمة حول البحر الأحمر وخليج عدن.
لكن الأهم من ذلك، أن هذا الاتفاق شجّع تيارات داخل الولايات المتحدة على الدعوة للاعتراف بجمهورية أرض الصومال كدولة مستقلة.
لماذا تفكر أميركا بالاعتراف الأحادي بأرض الصومال؟
رؤية جنداي فريزر: النموذج الكوسوفي
أعدت جنداي فريزر، مساعدة وزير الخارجية السابقة، دراسة نشرت في مركز هوفر بجامعة ستانفورد، دعت فيها واشنطن للاعتراف الأحادي بصوماليلاند. استندت إلى النموذج الكوسوفي، حين اعترفت أميركا باستقلال كوسوفو في 2008 رغم الاعتراضات الدولية.
الدراسة أكدت أن أرض الصومال تملك حكومة مستقرة، تسيطر على أراضيها، وتطبّق نظامًا ديمقراطيًا فعالًا، ولا يوجد احتمال كبير لعودتها إلى الصومال. واعتبرت أن الاعتراف سيكون في مصلحة الأمن القومي الأميركي في منطقة حيوية تعاني من تهديدات متزايدة مثل الحوثيين والقرصنة والصراعات الإقليمية.
المصالح الإستراتيجية الأميركية
أميركا تسعى لتثبيت نفوذها في البحر الأحمر كجزء من إستراتيجية مواجهة النفوذ الصيني (مبادرة الحزام والطريق) والتوسعات الروسية والإيرانية. ومع تراجع فاعلية قاعدة دييغو غارسيا بعد قرار بريطانيا تسليم جزر شاغوس إلى موريشيوس، بات من المهم لأميركا تأمين نقطة ارتكاز دائمة قرب باب المندب.
أرض الصومال تمثل خيارًا مثاليًا لهذا الدور، كونها مستقرة نسبيًا، ومتحالفة ضمنيًا مع الغرب، وتطل مباشرة على الممر المائي الأكثر حساسية في العالم.
تداعيات محتملة: هل يبدأ صراع دولي جديد؟
إذا قررت واشنطن الاعتراف بأرض الصومال، فقد يؤدي ذلك إلى تداعيات إقليمية خطيرة، مثل تصاعد التوترات في القرن الإفريقي، وانفجار مقاومة داخل الصومال ضد ما يعتبر “تقسيمًا مفروضًا”. كما قد تُستغل هذه السابقة لتبرير تحركات انفصالية أخرى في إفريقيا وخارجها.
كما أن هذا الاعتراف قد يمثل بداية تحول جذري في السياسة الدولية، حيث تصبح السيادة وحرمة الحدود أقل احترامًا أمام المصالح الكبرى، ويُفتح الباب أمام عالم جديد قائم على فرض القوة والنفوذ.